18 ديسمبر، 2024 9:34 م

التفاوض لاخراج العراق من دائرة الصراع الامريكي الايراني

التفاوض لاخراج العراق من دائرة الصراع الامريكي الايراني

تعد دبلوماسية التفاوض اللبنة الأساسية التي تعتمد عليها الدولة في تأمين مصالحها وتسوية خلافتها مع الدول الأخرى بصورة قائمة على الإقناع والحوار، خاصة اذا ما علمنا ان اسلوب الارغام والاكراه واستخدام القوة لإجبار الطرف الآخر على تغيير مواقفه وسياساته، لا يأتي الا بنتائج سلبية تكون كلفتها عالية؛  فالدول تقاس بمدى قدرتها على الإقناع  لتحقيق مصالحها.

ومن هنا تاتي أهمية التفاوض لمواجهة التقاطعات والمشكلات التي تحول دون استمرار العلاقات سواء اكانت اقليمية او دولية ام كلاهما، وعلى الرغم من الأهمية المتزايدة التي يحظى بها التفاوض، إلا أن دبلوماسيتنا العراقية تكاد تفتقر لاستراتيجية تطوير مهارات التفاوض و التخطيط الناجع، بما يضمن مصالح الدولة و سيادتها و ما ترتب على ذلك من تقاطعات على مر السنوات، خاصة بعد 2003 و ما تمخض عن المحاصصة و انتفاء الكفاءة في اختيار من يمتازون بمهارات و صفات المفاوض الفعال والمؤثر.

ما لفت انتباهي الضبابية التي شهدها مؤخرا الحوار العراقي والامريكي، و اصرار  حكومة السيد مصطفى الكاظمي تسمية ما تمخض عن حراك الشهر الماضي بين الطرفين بتسميته حوارا وليس تفاوضا! بالرغم من الفارق بين المفردتين، و لعل ما حصل  عشية الحوار بعد استخدام لغة السلاح.. اعتراف بان هذه الضبابية بين المفردتين اصبحت مكشوفة؛ فجعل الارض العراقية ساحة لتصفيات مصالح دولية واقليمية؛ يعني اننا انتقلنا من سياسة الحوار الى التفاوض فليس من المعقول ان يقاس حوار الدول بشان قضايا مشتركة ناعمة سلسة قابلة للنقاش بقضايا انتقلت لمرحلة التصعيد والمناوشات والوعيد بدخول اطراف اخرى بشكل علني و غير علني!

الحوار الاستراتيجي العراقي الامريكي الذي تضمن الأمن والاقتصاد والسياسة والثقافة؛ كُسرت معالمه الحوارية المرنة الى تفاوضية بعد  صاروخ الكاتيوشا الذي سقط في محيط السفارة الأمريكية ببغداد ، و هذا مؤشر ان المضمون الفعلي للحوار واطرافه و ادوارهم كانت تفتقد لحلقة مماثلة فالطرف الثالث! كان بوصلة التفاوض بشكل مباشر و غير مباشر  لشان عراقي بخيمة امريكية.

وهنا السؤال كيف سيكون اجتماع واشنطن المفترض عقده خلال الشهر الحالي؟  هل هناك ضرورة لمنح دور و مساحة كافية  للقوى الاقليمية وفي مقدمتها إيران في نقاش مشترك او منفصل؟  خاصة ان اميركا تدرك جيدا ان التخبط السياسي في العراق في المرحلة  الماضية منح لايران المساحة الاكبر و بجدارة  في ظل اوضاع اقتصادية و امنية  هشة .

والسؤال الاخر هل المفاوض العراقي سيضع في اعتباراته مناقشة الجزئيات ؟ ام  سيضع في حساباته ان الاستراتيجية التفاوضية تتطلب مهارات واسعة توظف الجزء لصالح الكل في مسار شامل لا يقبل الجزئة؟ كل هذا مرهون  بقدرة وادراك الحكومة العراقية  ان السلطة لا تكتمل الا بدولة لها دبلوماسية تفاوضية تجعل الطرف الاخر يحترمها، خاصة ان تصريحات السيد الكاظمي بانه يريد  تحقيق التغيير الذي يضمن سلامة وامن واستقرار البلد بعد ان امست ساحة لصراعات اقليمية و دولية.

ان المسؤولية مشتركة و اقصد بذلك.. ما وصل اليه العراق لم يكن محظ صدفة، بل كان بتدخل امريكي ، والمسؤولية المشتركة تجعل من اميركا طرفا اساسيا في الدعم والمساندة، واعطاء المفاوض العراقي مجالا اوسع للنقاش، و تقديم المقترحات والحلول بعيدا عن سياسة ليَ الذراع،  و هذه فرصة لوفدنا التفاوضي لابراز قدرته على استثمار ما لديه في ظل وجود حكومة تبعث الطمأنينة لدى الطرف الامريكي، على ان يكون ذات الشيء مع الجانب الايراني في خلق وفد تفاوضي اخر يعمل ضمن نسق موحد؛  فالمعادلة لن تكتمل ان لم يشتغل التفاوض على طرفيها.. ايران وامريكا .

المهمة ليست بالسهلة و الضغوطات الاقتصادية والامنية والاجتماعية و حتى الصحية التي يتعرض لها العراق تجعل صانع القرار امام مسؤولية كبيرة لا يمكن حل عقدها ما لم نرمم البيت الدبلوماسي الداخلي ليكون مهنيا و وطنيا وذكيا و مسؤولا بعيدا عن ميول او رغبات او توجهات لصالح  طرف على حساب طرف اخر، واضعا في حساباته كيفية ايجاد بيئة اكثر استقرارا و تلبي الطموح وتنتشل ما  تبقى ..

اخيرا.. “إستصلاح العدو بحسن المقال، أصلح من استئصاله بطول القتال