23 ديسمبر، 2024 9:51 م

التفاهمات الخليجية السودانية وشد الأطراف المصرية

التفاهمات الخليجية السودانية وشد الأطراف المصرية

اتخذ السودان بعض الخطوات التصعيدية، وذلك حين أعلن عن “تكوين لجنة تضم كافة الجهات ذات الصلة” لحسم قضية منطقة مثلث حلايب وأبو رماد وشلاتين الحدودية، في محاولة لما أسماه “إخراج” المصريين منها بالطرق الدبلوماسية.
تلك الخطوة التصعيدية خلقت بيئة خصبة للتوتر على أثرها وكنوع من التهدئة للرأى العام صدر بيان دبلوماسى مشترك أعلن من خلالة الجانبين المصرى والسودانى على التعامل بـ”حكمة” مع محاولات “الوقيعة” بين البلدين، بالإضافة إلى رفض التجاوزات الأخيرة وعقد لقاء وزاري شهر إبريل المقبل للحوار المشترك.
تفاهمات خليجية سودانية:
حالة من التحول السريع والمفاجئ إنتابت مؤخرا بوصلة التحالفات الإقليمية للسودان، وتوجهت بدورها نحو المحور الخليجي الذي تتزعمه السعودية، لاسيما وأن علاقات الرياض مع الخرطوم شهدت فتوراً شديداً على خلفية الانفتاح السوداني على إيران، وما تبعة من إيقاف المصارف السعودية في عام 2014 للحوالات المالية إلى السودان بما حرم اقتصاد السودان من أموال المغتربين، الذين يتخطون 500 ألف يعملون في مختلف المؤسسات السعودية.
التتطابق فى المواقف السودانية مع المملكة في شؤونها الداخلية أو الخارجية يشمل منافع متبادلة ما بين الجانبين؛ ففى الوقت الذى يواجهه فيه السودان عراقيل إقتصادية ضاربة بجذورها نحو تعظيم الخلافات الداخلية في ظل العقوبات الأمريكية وفقدان عائد النفط نتيجة لإنفصال الجنوب عام 2011 دفع ذلك بحكومة الخرطوم إلى إعادة النظر في تحالفاتها الإقليمية بالتوجهه نحو السعودية لتغطية تكاليف الأعباء المادية.
بالمقابل؛السعودية أرادت منذ مطلع العام الماضي أن تكسب حشدا عربيا وإقليميا لحربها في اليمن، وهو ما تم ترجمتة بالتقارب مع الرئيس السوداني عمر البشير والإتفاق على تقديم مساعدات اقتصادية للسودان، بالإضافة لمؤازرة المملكة للبشير دوليا في قضية المحكمة الجنائية الدولية، مقابل أن يقدم السودان دعما سياسيا وعسكريا للسعودية في حربها باليمن.

قضايا خلافية مصرية سودانية:
شهدت العلاقات المصرية السودانية فى الأونة الأخيرة موجات من التوتر الواضح كشف عنه التراشق الإعلامي المتبادل بين كلاهما، وبالرغم من وصف الرئيس السوداني عمر البشير علاقته بمصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي بـ”الممتازة” إلا أن هناك شواهد ثلاث – خلاف التصعيد الأخير – تكشف حجم التوتر بين البلدين؛ حيث:
1. الإتهام بدعم جوبا :
درجت الخرطوم على التعامل مع المجتمع الدولي بوصفها القوة الإقليمية الأكثر نفوذا في جارتها جنوب السودان، ومن هذه الزاوية، يمكن فهم دوافع الرئيس عمر البشير لاتهام القاهرة بدعم حكومة جوبا بالأسلحة والذخائر في حربها ضد المتمردين، مدللين على ذلك بزيارة الرئيس سلفاكير للقاهرة بيناير الماضى. وإن كان تصريح البشير يفضى فى مضمونة إلى إحرج مصر وتحجيم علاقاتها مع جوبا ذات الملف المائى المشترك.
2. وقف الإستيراد من مصر:
كخطوة تصعيدية ذات خلفية تجارية أعلنت قررت الحكومة السودانية وفقا لإعتبارات تتعلق بالسلامة والصحة العامة منع استيراد مزيد من المنتجات الزراعية المصنعة في مصر، حسبما جاء في بيان أصدرته وزارة التجارة الخارجية السودانية أنه قد تقرر وقف بعض المنتجات من مصر، بناء على طلب وزير الصناعة السوداني بدعوى استخدام مدخلات إنتاج ملوثة في تصنيعها.
3. أزمة حلايب وشلاتين :
توقيتية التصعيد السودانى للأزمة إعلاميًا وسياسيًا يدفع بنا إلى الذهاب إلى أن القضية في الأساس هي “استغلال سياسي” متبادل بين النخبة السياسية السودانية و البشير، حيث تسعى النخبة لاستخدامها كورقة ضغط سياسية ضد النظام الحاكم بهدف إحراجه أمام الشعب السوداني. فى حين أن مسألة حلايب وشلاتين لا يمكن بأي حال أن تحل من جانب واحد.
وفي المقابل يرد النظام على هذه المساعي بإشعال القضية وتصعيدها مابين الحين والأخر، كقضية وطنية تستدعي تضافر كافة الجهود، دون النظر إلى ما يمكن أن يسفر عنه هذا الابتزاز المتبادل بين النخبة والنظام بالإضرار بأى مصالح أمنية إقليميا.

تأسيسا على ذلك..،
الإستراتيجية الخليجية “شد الأطراف” لضمان السيطرة على الاقليم والتفرد بالزعامة بخلق توترات أمنية. حيث تستعين بالسودان لإرباك الجانب المصرى من جهه؛ وللفت أنظار الشعب عن الأوضاع الداخلية المتردية من جهه أخرى، بخلق قضية فرعية لإلهاء الشعب عن الوضع المتأزم ومغازلة الجانب الخليجى تحقيقا للأمننه الاقتصادية واللوجيستية السودانية.
كذلك، نجد من ذلك التصعيد الغير مبرر، استجابة للضغوط الإثيوبية المفروضة على السودان لفرض المزيد من الضغط على القاهرة، كمحاولة لتمرير مشروع سد النهضة مقابل العديد من الامتيازات التي ستحصل عليها الخرطوم من إثيوبيا.
إجمالا؛ ما حدث لا يعدو كونه محاولة لإشغال مصرعن قضية السد الأساسية من خلال بعض القضايا الفرعية كمسألة حلايب وشلاتين، خاصة وأن الخرطوم لا تجرؤ على اللجوء إلى تدويل القضية أمام المحاكم الدولية إلا بموافقة القاهرة وهذا ما ترفضه الأخيرة بصورة رسمية معلنة.