22 ديسمبر، 2024 5:48 م

التغيير و صناعة المستقبل مسؤولية مشتركة

التغيير و صناعة المستقبل مسؤولية مشتركة

يخطئ من يعتقد أنَّالواقع السيئ الذييعيشه مجتمعناالعراقي بشكل عاموشريحة الشباب بشكلخاص هو حالة مزمنةغير قابلة للتغيير ،فقانون التطورالإنساني يفرض حتميةالتغيير عاجلاً أم آجلاً ،لكن ذلك لن يحدثتلقائياً لمجرد وجودحاجة للتغيير نحوالأفضل ، بل إنّ عدمتدخّل الإرادة الإنسانيّةلإحداث التغيير المنشودقد يدفع إلى متغيّراتأشدّ سلبيّة من الواقعالحقيقي الذي يعيشهشباب اليوم . إن مادفعني الى الكتابةحول هذا الموضوع هوما قامت به مؤسسةالقدوة لأعداد القادةالشباب والتي يديرهاالأخ العزيز الأستاذنجيب الصالحي والذيعرفته رجلاً وطنياًتحَمل ولا زال الكثير منهموم وطنه حالماً كغيرهمن العراقيين الأصلاءبغدٍ مشرق جميل لهذاالوطن وبجيل متنورومثقف يدُرك حجمالتحديات التي تواجهشعبه وبلده، فكانتمبادرته المباركة بإعدادبرنامج تدريبي مكثف ورصين حول الادارةالعامة وفن القيادة لهاوقع كبير في نفوس كلالمثقفين والمهتمينبمستقبل شباب العراقوأجياله القادمة ، لذاحرصت أشد الحرص انأدون للتأريخ بضعةسطور توثق جهود هذهالمؤسسة الرصينةوإدارتها الكريمة ، وأنأعُرج في طريقي علىدور الشباب في صناعةالمستقبل فهم محورالحياة وركيزتهاالأساسية وبهم تعلوالأمم وتنهض منسباتها .

وكي أستطرد فيالموضوع هناك تساؤلمهم يعتلج في صدرييتعلق بالتغيير المنشود، ففي أي إتجاهسيذهب هذا الجيل ؟هل نحو مزيد من الفشلوالتدهور والضياع أمسيكون التغييرإستجابةً لحاجاتومتطلّبات الشبابوأحلامهم في بناءمستقبل أفضل؟

وبفعل التراكماتالمتلاحقة للأحداث التيجرت في العراق ولازالت تجري ، فأنامتفائل من أن مجتمعتا قادر على تجاوز كلالمحن والمصائب التيألمت به اذا ما توافرتالارادة الحقيقية علىإحداث عملية التغيير ،

وحتّى يحدث التغييرللأفضل، فإنّ المراهنةتكون دائماً علىالأجيال الشّابة ودورهاالفاعل في صناعةالمستقبل. فأيُّ جيلٍجديد هو الذي نأمل منهإحداث التغيير؟

المشكلة الآن في الواقعالعراقي الرّاهن هي أنّمعظم «الجيل القديم» يحمل أفكاراً مليئةبشئ من الشوائبوالحالات الذهنيّةالموروثة التي شكلت فيالسابق جزءاً من تدهورأوضاع المجتمع وتراكمالتخلّف السياسيوالاجتماعي والثقافيفي أوساطه المختلفة .

فالمفاهيم المتداولة الآنفي المجتمع والانفتاحالكبير امام كل ثقافاتالعالم بسلبياتهاوايجابباتها بفضلتكنولوجيا التواصلالاجتماعي هي التيتبلور فكر الجيل الجديدوهي التي ترشده فيحركته ، حتى باتتعملية استلام التوجيهوالنصح من الجيلالقديم ضعيفة ولاتؤتيثمارها بفعل حالةالتمرد التي يعيشهاالشباب اليوم حتىعلى ذاتهم ، ولربمااسهمت التكنولوجياالحديثة بشكل كبير فيذلك ،لكن أكثر مايؤسفنا اليوم اننا نرى الشّباب يتمزّقويتأرجح بين تطرّففي السلبيّة واللامبالاة،وبين تطرّف في أطرفئويّة بأشكال قومية اوطائفية أو مذهبيّةليصل الأمر لدىبعضهم الى إستباحةالعنف بأقصى معانيهوأشكاله

وحينما يبحث بعضالشّباب المعاصر عنأطر فاعلة للحركة، لايجدون أمامهم للاسفإلّا جماعات تزيد بفضلأفكارها وممارساتها منحالة التيه والضياعلديهم .

إنّ المفاهيم التي تحرّكالجيل الجديد الآن، هيمفاهيم تضع اللوَم علىالآخر في كل أسبابالمشاكل والسلبيات، ولاتحمل أي أجندة عملسوى مواجهة الآخر. وهي مفاهيم هدامة ،تفرّق ولا توحّد، فيصبحالهمّ الأوّل للجيلالجديد هو كيفيةالتمايز عن الآخر لاالبحث معه عن هدفمشترك يحقق فيهالطرفين المصلحةالمشتركة الواحدة .

لذلك نرى شبابنا اليوم يتمزّق بين سندانالسلبيّة واللامبالاة،وبين مطرقة التطرّف فيأطر فئويّة كما أسلفت. وحتى مسألة فهمالدين لدى الكثيرين منالشباب أصبحتللاسف لا تعدو فيكونها انغماساً كلّياً فيالعبادات فقط وفيالمظاهر الشكليّةللالتزام الديني دون أيوعي او تفكر او تأمل اوالقيام بحركة إيجابيّةفاعلة بالمجتمع تدخلأصلاً في واجبات أيانسان . هذه الحركةالإيجابيّة التي وصفهاالله تعالى بالعملالصّالح الذي هو شقيقالإيمان الديني والوجهالعملي للتعبير عنه .

إن مشكلة الشّبابالمعاصر أنّه لم يعشحقب زمنيّة عاشها منسبقه من أجيال أخرىمعاصرة، كان العراقفيها موحّداً في مشاعرهوأهدافه وحركته ،مراحل زمنيّة كان الفرزفيها بالمجتمع يقومعلى اتّجاهات ثقافية وفكريّة وسياسيّة، لا علىأسس قومية أو طائفيّةأو مذهبيّة أو قبلية . لكن سوء الممارساتوالسياسات الماضية ،أدّى كلّه للإساءة إلىالمفاهيم نفسها كرد فعلللاسف ، فاُستبدلالانتماء القوميوالوطني بالهويّاتالطائفيّة والمذهبيّةوالمناطقيّة، حتى أصبحأفراد المجتمع العراقيعرضة للتشظيوالانقسام .

فجيل الشباب اليوميعيش حالة من الإحباطواليأس بسبب غيابالعوامل الجامعة وإنعدام القياداتالسليمة على المستويينالسياسي والمؤسساتي، و يفتقد حالياً الى ماكان في المجتمع بالقرنالماضي من إيجابيّات،رغم سوء الممارساتأحياناً أو نواقص الفكرأحياناً أخرى. فالمشكلةاليوم هي في الفكروالأساليب معاً، فيالواقع والبدائلالمطروحة له. وهيفرصة مهمّة، بل هيمسؤوليّة واجبة، للجيلالجديد الآن، أن يدرسماضي وطنهبموضوعيّة وتجرّد، وأنيستخلص الدروسوالعبر لبناء مستقبلجديد أفضل له وللجيلالقادم بعده. إنّ وسائلالمعرفة والإعلام المتوفّرةالآن بالإضافة إلىالعلوم الحديثة تتيحللجيل الجديد آفاقاًواسعة لدراسة خلاصاتتجارب شعوب وأممأخرى، عانت أكثر ممّايعانيه المجتمع العراقيالآن ، لكن رغم ذلكاستطاعت التقدّموالنهوض بل والمنافسةمع من كانوا يهيمنونعليها.

لكن في كل عمليّة تغييرهناك ركائز ثلاثمتلازمة من المهمّتحديدها وهي (( المنطلق ، الأسلوب،الغاية )) . فلا يمكن لأيغاية أو هدف أن يتحقّقبمعزل عن هذا التّلازمبين الرّكائز الثلاث. أيأنّ الغاية الوطنيّة لاتتحقّق إذا كان المنطلقلها، أو الأسلوب المعتمدمن أجلها، هو طائفيأو مذهبي أو مناطقي. ولعلّ في تحديد(المنطلقات والأساليبوالغايات ) يكون المدخلالسليم لدور أكثرإيجابيّة وفعاليّةلشريحة الشباب اليوم.

 

إنَّ «الجيل القديم» فيأيّ مجتمع هو بمثابةخزّان المعرفة والخبرةالذي يستقي منه«الجيل الجديد» مايحتاجه من فكر يؤطّرحركته ويرشد عمله. فيصبح «الجيلالقديم» مسؤولاً عنصياغة «الفكر» بينمايتولّى «الجيلالجديد» عملية صناعة«العمل والحركة» لتنفيذ الأهداف المرجوّة. وهنا يظهر التلازمالحتمي بين الفكروالحركة في أي عمليّةتغيير، كما تتّضح أيضاًالمسؤوليّة المشتركةللأجيال المختلفة. فلا«الجيل القديم» معفيّمن مسؤوليّة المستقبلولا «الجيل الجديد» براء من مسؤوليّةالحاضر. كلاهمايتحمّلان معاً مسؤوليّةمشتركة عن الحاضروالمستقبل معاً. وبمقدارالضّخ الصحيحوالسليم للأفكار، عندهاستكون الحركة صحيحةوسليمة من قبل الجيلالجديد نحو مستقبلٍا فضل .