في العقدين الاخرين وبالذات في السنوات الاولى من العقد الاول من القرن الحادي والعشرين؛ تغيرت سياسة الكيان الاسرائيلي، تغييرا جذريا وبزاوية 180درجة، في المنطقة العربية. كان الهدف الاول والاخير لهذه السياسة، وبمساعدة الغرب والولايات المتحدة؛ هو تغير الجغرافية السياسية لدول المنطقة العربية، التى لم تزل تفعل فعلها فيها حتى هذه اللحظة، والى ما قُدر من الزمن القادم، تغيرا بنويا تحت فرية الديمقراطية التى لم تكن سواء محض خدعة كبيرة، وفكرة خيالية لم ينتجها الواقع بل على العكس، أن الواقع الجديد الذي يراد به ان يكون حاضنا للديمقراطية، كان من اشد واقوى واقع مضاد للديمقراطية من الناحية الواقعية والعملية. لا أحد يمتلك اقل قدر من الضمير الانساني، يبريء النظام الرسمي العربي الذي طالته معاول التغيير في ما سمي في حينه، (الربيع العربي)، بل على العكس تماما، كان النظام الرسمي العربي، وما فيه او بما يحمل من خطايا في السياسة والاقتصاد والثقافة وطريقة ادارة الدولة، وفي احادية القيادة، وعشائريتها، وعائليتها، والعلاقات الدولية، كانت هذه الخطايا ولا نقول الاخطاء، هي سبب الاسباب في الذي وصلنا اليه في العقدين الاخيرين. لأن تلك الخطايا جعلت الجدران الداخلية والجدران الخارجية، هشة، وضعيفة، وفيها ثغرات غير قابلة للسد، بل كانت ولسعتها، ممرات دخل منها الى الاوطان العربية، الكيان الاسرائيلي، والغرب، والولايات المتحدة بكل سهولة، ويسر، وهم يحملون في عقولهم، ومن غير جهد كبير، إلا الجهد البسيط اللازم لتشغيل مطارق الهدم العربية، للاوطان العربية. المشهد السياسي في الدول العربية التى تغير فيها النظام الرسمي العربي الى نظام رسمي اخر لا يختلف عن الاول الا في التسمية والعنوان ورجال تلك التسمية وعنواينها، أما الواقع فهو ذات الواقع، في انتظار الرسم الجغرافي السياسي القادم.. الذي يخطط له الكيان الاسرائيلي بمساعدة الغرب والولايات المتحدة الامريكية. نحن لانعتقد انهم سوف ينجحون في مساهم الخبيث هذا. الشعوب العربية في تلك الاوطان العربية، لم تزل تقاوم هذا المشروع الاسرائيلي الامريكي، وبأدوات اشتغاله من دول الخليج العربي. نعود الى التغيير في السياسة الاسرائيلية في دول المنطقة العربية، وهنا نحن لا نعني ان السياسة الاسرائيلية التى تغيرت في العقدين الاخيرن، لم تكن موجودة اصلا، بل كانت موجودة منذ قيام هذا الكيان المسخ، لكنها لم تكن واسعة الانتشار، ولم تكن كل الطرق مفتوحة لمرورها كما هو عليه الحال في العقدين الاخيرن. سياسة الكيان الاسرائيلي تنحصر في مستويين ستراتيجيين في التالي، من وجهة نظرنا، والتى فيها ربما نكون على صواب او على خطـأ، من حيث الجزئيات او التفاصيل وليس الاطار العام، فهو صحيح لجهة قراءتنا للواقع المتحرك على الارض، والذي نقوم برصده ومتابعته:
1-تغير الجغرافية السياسية في الدول العربية، ذات التاثير الاستراتيجي على امن الكيان الاسرائيلي، مستقبلا.
– بلقنة تلك الدول او تغير النظام السياسي والاداري والاقتصادي والثقافي فيها، اي جعلها نظام الادارة فيها، نظام كونفدرالي. لأضعاف الدولة، من بين هذه الدول، العراق، وسوريا. او اعادة تجزئتها او العمل على تجزئتها الى دول؛ اليمن وليبيا والسودان والاخيرة ربما يطول بها الانتظار. ومن الطبيعي وكأدوات تُشغل هذا المشروع الخبيث، دول الخليج العربي. وربما دول اخرى على قائمة الانتظار. بالاضافة الى هذا، العمل على اضعاف دول مركزية، في المجال الاقتصادي والزراعي والامن المائي، مصر والعراق وسوريا.
– ضمن هذا المشروع، تكون اسرائيل دولة طبيعية في المنطقة من دون اعطاء حق الفلسطينيين في دولة ذات سيادة..ربط اقتصادات دول المنطقة العربية بالاقتصاد الاسرائيلي، وتحويل الكيان الاسرائيلي الى مصدر للدول العربية، في الصناعة وتكنولوجيا المعلومات وجميع فروع الابتكارات العلمية والمعرفية. ومن بين هذه الخطط؛ سككك الحديد التى تربط الكيان الاسرائيلي مع مصر ودول الخليج العربي ودول اخرى..ومدينة نيوم….
– العمل وبواسطة المراكز الخفية، سواء احزاب او افراد؛ بالدفع على تبؤ شخصيات سياسية بعينها، المركز التنفيذي الاول، وهي على ماهي عليه…سوف تعمل على تركيز المحاصصة الطائفية والاثنية، وفي دول بعينها..تنفيذا لما ورد في الفقرة الاولى. او العمل على استثمار غضب الناس من النظام الرسمي العربي، في اللاتفاف على هذا الغضب، بحرف اتجاه حركته، بالاتيان بالشخصيات سواء عسكرية او مدنية؛ تنفيذا لهذا المشروع في خطواتها الاولى..
2- التغيير في الحقول الثقافية، والتى تعتبر هي الاخطر..
– في الادب، وفي الرواية، وفي المسرح، وفي السينما. العمل على اشهار، وتسويق الاعمال في الحقول انفة الذكر، والتي تجعل من اليهود، اصحاب رسالة سلام، وعباقرة، واصحاب علم ومعرفة واختراع وابتكار وابداع. وقد خدموا الاوطان العربية عندما كانوا فيها يسكنون، وعملوا على تطورها، والنهوض بها، وهذا صحيح في جانب منه، وليس من جميع الجوانب. وأنهم لازالوا يتعطشون في العودة الى تلك الاوطان. مع ان قسم كبير منهم، كانوا جنودا وضباطا وبعضعهم قادة، في الحرب مع الدول العربية، وفي استباحة الدم الفلسطيني، واحفادهم لم يزلوا، يمارسون الاضطهاد للشعب الفلسطيني.في الجانب الثاني من هذه الاعمال وهنا نقصد جميع الاعمال التى اشرنا اليها في البداية، وفي تفاصيل تلك الاعمال؛ تظهر العرب، بدوا قادمون من الصحراء، غلاظ القلوب، متخلفون بحاجة الى من يأخذ بأيدهم ويدلهم على طريق الحضارة والرقي والتقدم. يقدمون اليهود وفي تفاصيل تلك الاعمال؛ كيف يقدم اليهودي يده الى العربي كي ينتشله من براثن الهمجية والاجرام، ويرفعه الى سطح المدنية والتسامح والتألف والعيش المشترك. وهذا بحد ذاته، اعتداء على التاريخ والحضارة والانسان العربي.
– المنظمات المجتمع المدني في دول المنطقة العربية، في قسم كبير من منظمات المجتمع المدني وليس جميعها، هناك منظمات مجتمع مدني، وطنية، لم تلوثها الايادي الخارجية؛ كما ان هناك، وفي المقابل، وفي بعضها كما اشرنا له، تغلل لليهود فيها ونعني هنا اليهود المؤدلجين العنصريين، وليس اليهود لصفتهم اليهودية الدينية، اي من كلفوا بتوجيه ورسم حركة وخطابات، سواء الثقافية او السياسية لمنظمات المجتمع المدني تلك..بالاضافة الى البعض من المنتديات الثقافية…
– في السياسة، كما في الحقلين سابقي الاشارة؛ هناك رجال سياسة، وبعضهم في المسؤولية الرسمية، يرتبطون عضويا وحميميا مع ساسة الكيان الاسرائيلي. يروجون لسياسة هذا الكيان، سابقة الذكر في هذه السطور المتواضعة على حساب حاضر الدول العربية ومستقبلها، أكثر من رجال السياسة في اسرائيل. نقصد دول الخليج العربي وغيرهم…
في الختام نقول؛ ان مقاومة هذا المشروع او هذا التغير في السياسة الاسرائيلة، كفيلة بأفشالها، وان طال الزمن وكثرت التضحيات..