أنتهت الإنتخابات بكل ما فيها من خزعبلات وبمنتهى الجدية ! وسط تشكيك أغلبية الأحزاب المشاركة بنتائجها و وسط خيبة أمل كبيرة من الشعب العراقي الذي كان يتطلع للتغير عبر المقاطعة الواضحة للمشاركة في الإنتخابات 20% ؟! و رغم أنها لم تحقق (للمرجعية الشيعية العليا في النجف) كامل أهداف شعارها من ترك إختيار المجربين الذين ثبت فشلهم أو فسادهم (المجرب لا يجرب) ونسبة التغيير العملية لم تحقق الحد المطلوب وبقت أغلب قيادات الطبقة السياسية العليا الحاكمة بل تكاد تكون نفسها لم تتغيير ما عدا ما تعهد به تحالف (ساهرون) من تغيير.
ومن أهم ما أفرزته الإنتخابات الأخيرة أن الغالبية العظمى من التحالفات والأحزاب المشاركة فيها هي (أحزاب إنتخابية) صممت لخوض المعركة الإنتخابية والفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية أكثر من ما هي (أحزاب سياسية) أهتمت (بالشعارات) أكثر من إهتمامها بالمنهاج وتوارت خلف عبارات وتعميات بعيدة عن أهدافها وعقائدها الحزبية (الطائفي توارى خلف المدنية والمدني تبرقع بالدين والعلماني تنصل من علمانيته) ولم يكن التغيير إلا شكلياً فمن الواضح جداً أنها غالبيتها العظمى كيانات أما عرقية (كردية تركمانية آثورية آيزيدية وشبكية) أو طائفية (شيعية سنية)…الخ.
لم تمارس كل هذه الأحزاب محاولة إعادة وعي للأمة وشرح رؤى تلك الأحزاب للناس فلا الأحزاب المعروفة بتكويناتها الطائفية جاهرت بمنهاجها الطائفي و تبنت بوضوح مشاريعا الطائفية (بل كانت تلعن الطائفية كل يوم) ولم تكلف الأحزاب المدنية إقناع الناس بأهمية الدولة المدنية بالنسبة للعراق وما هي الدولة المدنية أصلاً وأكتفى الجميع بإسقاط الجميع لأسباب إنتخابية !. ومنها ما تختفي وتتلاشى بمجرد إنتهاء الإنتخابات ونادراً ما نجد أحزاب تتبنى (فكر سياسي) محدد تسعى إلى إيصاله للناس وإقناعهم به ولا نسمع سجالات فكرية وثقافية عن مفهوم الدولة إلا ما ندر .
ولم تأتي نتائج الإنتخابات بتحالف أو حزب حاسم وكانت النتائج شبه متقاربة وترك الحسم للتحالفات السياسية لما بعد إعلان النتائج وهذا يعني بقاء الصراع على الحسم محتدم ولا نستبعد بقاء (التوازنات والمحاصصة) ولا يمكننا بقاء التأثيرات الخارجية (الدولية والإقليمية) على المشهد العراقي والصراعات السياسية بشكل عام وعلى تبعات نتائج الإنتخابات وإختيار الحكومة المرتقبة بشكل خاص وهذا يعني أن علينا أن نتوقع إحتدام الصراع السياسي بشكل أكثر قساوة وقد يتخلى عن الكثير من الأعراف والقوانين وينزع قفازاته التي ما كانت (مخملية) في يوم ما ويترك الأساليب (الديمقراطية الناعمة) لحسم هذا الصراع إن لم تؤدي التحالفات السياسية والمفاوضات السرية والعلنية إلى نتيجة تقنع كل القوى وتحقق نوع من التوازن السياسي (بما فيها القوى التي كانت ولا زالت تعلن رفضها للمحاصصة ورغبتها بحكومة أغلبية سياسية قوية)! خصوصاً أن جميع القوى السياسية (الكبرى) لم تقتنع بعد بالتغيير الذي حصل فعلاً (فضلاً عن التغيير المتوقع) إذا تمكن سائرون من تحقيق تحالف عابر للطائفية وفي نفس الوقت عابراً (للحرس القديم) فذلك يعني بلا شك إنهيار ما تم تاسيسه وبناءه منذ 2003م لغاية اليوم من مصالح حزبية وسياسية وشخصية وأعراف ومنظومات تجاوزت حتى القوانين والدستور وأسست لنفسها وجود (إعتباري) وفي بعض الأحيان وجود ديني شرعي (طائفي) أو قانوني لا يمكن أزاحته إلا عبر شرعية التغيير التي دعت إليه (المرجعية العليا في النجف)!.
لذا علينا أن نتوقع في مثل هذا الصراع المتسارع و (المحدود زمانياً) أن نشهد حملات تسقيط وتصفيات حسابات قديمة وجديدة تبتعد كثيراً عن العرف والأخلاق السياسية و(قد) يتطور حتى يصل في جانب منه إلى العنف والعنف المضاد والصراع المسلح لحسم الخلافات وتشكيل الحكومة التي يريد كل طرف رسم صورتها بريشته الخاصة والذي (قد) يطال الشعب العراقي كله وقد لا ينتهي إلا (بتدخل خارجي) الله أعلم بحجمه وشكله ومداه لا سامح الله.
لذا كان لزاماً على من يعتقد أن الإنتخابات الديمقراطية لوحدها قادرة على أحداث التغيير المطلوب أن يعيد حساباته لأن التغيير لا يبداء من الانتخابات بل ينتهي فيها. وعلى من يسعى للتغيير الجذري الحقيقي الواسع أن يبداء منذ الان بوضع (منهاج للتغيير) ورؤيته وأبعاده ليحصد ثماره في الانتخابات القادمة إن شاء الله .
و لابد ان يكون البديل متغير نوعي في الفلسفة السياسية والادارية والاقتصادية وكمي يمكنه اقناع اكبر شريحة من المجتمع يتم اعدادها فكريا منذ اليوم ليتمكنوا من الانتشار والاقناع الشعب العراقي باهمية ونوع التغيير المطلوب وبهذا يفرضوا تاثيرهم على الجماهير ليقتنعوا باهمية المشاركة والتغيير.