لقد ثبت في التاريخ أن الشعوب، بمختلف طبقاتها، لعبت الدور الأهم في تغيير المسارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي الميادين الاخرى ، لقد أثبتت بالتجربة وأكده لنا الماضي ويعاني منه الحاضر بأن استحكام الجهل وزيادة نسبة الأمية واتساع دائرة الفقر والبطالة عوامل تسهل من انقياد الناس وركضهم وراء المصالح الدائمة والمؤقتة.. وهو الأمر الذي يدفع بنا إلى استنهاض الوعي في عملية التغيير ورفض ثقافة الإقصاء والهيمنة والتخوين..
الشعوب اليوم محكومة بتصحيح المسارات من أجل كرامتها وعزتها، ولكي تكون رؤيتها مساهمة في توعية الشعوب المظلومة من الاستبداد والطغيان و مصدر إلهام للشعوب المضطهدة يستمدوا منها أسساً متكاملة في كافة ميادين الحياة وتحقيق المطالبة بالحقوق المدنية والحرية، وإن ما يحصل في بعض بلدان المنطقة من تحركات نهضوية حتى في الخفاء والسر ما هو إلا من أجل تحقيق تلك الأهداف النبيلة والعدالة الأخلاقية والإنسانية .
إن الحرية هي من تخلق الأحرار. وإن الأحرار هم القيادات الفاعلة لتحريك الأمم . والأمة الحرة هي الأمة الواعية بقيمها ، والقوية بوعيها ، و الناظمة لحريتها العادلة بحقها ، والمحققة لنيل اهدافها، والخيـّرة بـ جـمال نفسيتها ، والجميلة بوفرة إنتاجها وإبداعها .
علي مدي التاريخ صنعت الشعوب حاضرها ومستقبلها الحقيقي المسؤول وظيفته لأجل النهضة للوصول إلى واجهة تطلعات التغيير، والمجتمعات وأمم وشعوب تكتب تاريخها البشرية والحضارة الانسانية بقوانين وسنن تاريخية مميزة بالاستمرار والتقدم و الإرتفاع الى أعلى المستويات ،ومدى تأثير الذي حدث في الماضي على الحاضر الإنساني ومستقبله.
القراءة المركزة تنتج النظر ، والنظر في التاريخ تعني التأمل والتدبر في الأحداث ، وما من حدث هام إلا ووراءه شخصيات عظيمة أثرت التاريخ ، وما من شخصيات مؤثرة إلا ووراءها أفكار كبرى وطريق التكامل وصناعة المجد بيد الشعوب وهم يصنعون تاريخهم والأمم الحرة وهناك اسماء قليلة سجلها التاريخ بأحرف من ذهب وتظل مثالاً للدراسة والتحليل والعبرة ، ، ضمن سياق السنن التاريخية ، إما مشرقاً وإما مظلماً وهما بهما من يصل اما الى الأعلى او الاسفل في ظل قصص الثورة والنهضة ومحاربة الظلم للوصول المعالي. كثيرون صنعوا التاريخ وخلدهم التاريخ، ومازلنا نتغنى بإنجازاتهم الوطنية والقومية والعالمية، ومازالت تلك الإنجازات هي الشعلة التي تضيء الدرب أمام الأجيال.. اولئك الرجال كانوا يفعلون ما يقولون، ولا يقولون ما لا يفعلون ، وتستحضر الذاكرة الكثير من اولئك الرجال الذين استشرفوا المستقبل، فاقدموا على خطوات هي في عرف بعض ضيقي الأفق انتحار سياسي، ولكنها كانت درراً في جبين كل منهم، ومآثر تنقلها الأجيال للأجيال، تحكي رؤاهم ورغبتهم في ان ينهضوا ببلدانهم. ملاحظة جدير بالاهتمام والتمحيص هو ، يتعين على الشعوب التواقة إلى الحرية والعدالة وبناء الدولة المدنية لتكون قادرة على نيل ذلك الاستحقاق الذي يجسد معاني الحرية والقيم الإنسانية وهو الطموح الذي يأمله شعبنا ان ذلك لاياتي إلا بمزيد من تحصين الذات وبمزيد من الوعي والنضال الجاد والعمل على تغيير ثقافة الفرد من الرتابة وحالة التبعية وتجاوز عقبات الماضي ورفض حالة القهرية التي تفرض على تلك الشعوب بطريقة أو بأخرى من قبل القوى الظلامية ولان تلك الشعوب تدعي الحكمة ونفتخر بماضيها الحضاري وما حققه الأقدمون من أمجاد طيلة القرون الماضية وأكثر يتحتم عليهم اليوم أن قراءة الواقع بعيدا عن الإرث التاريخي المتخلف إنما بنظرة جديدة ثاقبة…
ان الذاكرة التاريخية مهمة للقادة السياسيين ، والدعاة المصلحين ، والمفكرين المؤثرين ، فمن لا تاريخ له لا ذاكرة له ، ومن لا ذاكرة له لا مستقبل له في الخريطة السياسية ، ولهذا يحاول أعداء الأوطان تشويه تاريخ الشعوب ، وتسفيه القادة ، وتضليل العامة ، وتضخيم قوة الأعداء ، وتقليل قوة الأمة ، وهي من الخطط التي تجعل الأمة في المربع المفعول بها ، ولا ترتقي بحال من الأحوال إلى موقع الفاعل .
لا يمكن إنكار التاريخ الذي سقط في خلاله العديد من الملوك رغم عظمتهم الظاهرية في زمانهم، في حين أن أشخاصًا من عامة الشعب ظلوا خالدين في ذاكرة الإنسانية بسبب أعمالهم وتأثيرهم العميق. فكم من ملك قُتل ولم يُذكر، وكم من إنسان عادي صنع بعفيته خيوط المجد وظل اسمه يُذكر لقرون.
ان قراءة التاريخ قراءة واعية تسمح لكل متدبر أن يقدّر حاضره مدركاً إنجازات الحضارة البشرية لا تتحمل التخريب وإن طريق التقدم لا يجوز تعطيله و إن عجلات السلام والتقدم البشري لا يمكن إيقافها ، وجميع قوى الشر والظلام والرجعية سيمحوها تماماً التيار القويم في التاريخ.