دخول عام جديد وذهاب اخر لا يعني الا رقم في معادلات الزمن، ولكن التغيير الحقيقي ياتي في مفاهيم وبنية الفرد ، وهذا هو التغيير الصحيح الذي ينتج عن الحركة.فكل شيء يتحرك يتحول إلى شيء جديد بعد أن تتفاعل مجموعة العناصر المختلفة في أجواء وظروف متعددة تتمثل بالسياسة والمجتمع والدين والأخلاق والفكر والوعي وغيرها .. لتخلق وجوداً آخر لم يكن من قبل، وقد قال الفلاسفة قديماً: إن التغير قانون الوجود وإن الاستقرار موت وعدم، ومثلوا لفكرة التغير بجريان الماء والفرق بينه وبين الراكد
والتغيير ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون ولان الانسان مخلوق عاقل يتفاعل مع حركة المتغيرات وفق نضجه العقلي والوعي والتفكير المسبق للمتغيرات ليخلق لنفسه سلوكاً جديداً يتناسب مع واقعه الجديد وليس مجرد تكيف غريزي وانعكاس كما هو في الحيوانات التي تكون استجابتها متشابهة ،، فهو يختار ويقرر بنفسه ما يريد، وهنا ايضا تختلف استجابة كل إنسان عن الإنسان الآخر تجاه الظروف التي تواجهه بحسب نضجه العقلي واستجابته للمتغيرات. ومن ثم فإن الإرادة الإنسانية تلعب الدور الأساسي في صنع المتغيرات وفي احتوائها لصالحه.
يقول في هذا المجال آرنولد توينبي :«إن تاريخ كل أمة من الأمم إنما هو استجابة لتحدي الظروف التي وجدت فيها وإن الإنسان حقق الحضارة استجابة لتحدي موقف ذي صعوبة خاصة
وهنا تختلف حصيلة التغيير فقد يستهدف هذه العملية تغيير ثقافي وهو من أهم أنواع التغيير إذ أنه تحديث جذري يطال كافة المستويات، لأن الثقافة هي الأساس السلوكي للإنسان والإنسان لا يتحرك إلاّ ضمن التوجيهات الذاتيــــة التي يرسمهـــا المخزون الفكري المتراكم له ويكون هناك تغير تكنلوجي ينبثق من الحداثة العلمية
ويشير عالم الاجتماع ولاس إلى وجود دورة للتغير الثقافي تشمل عدة مراحل منها ، مرحلة الثبات والاستقرار وهي التي تكون قائمة قبل حدوث التغير، مرحلة تزايد الاحتياجات عندما تأخذ الاحتياجات بالتزايد وتعجز امكانية المجتمعات عن توفير هذه الاحتياجات ومرحلة التحريف حينما يتجه المجتمع إلى استيراد أنماط ثقافية من مجتمعات أخرى يتصور بأنها كفيلة بإشباع الاحتياجات غير أنه يفاجأ بحدوث تعارض بين القديم والجديد مما يترتب عليه صعوبة امتصاص وهضم العناصر الجديدة، مرحلة الإحياء حين يحاول المجتمع أن يعيد توازنه بإحياء العناصر الثقافية القديمة مع الاستفادة من العناصر الحديثة التي أثبتت فعاليتها، مرحلة الاستقرار
المعوقات…
تبقى هناك مجموعة من المعوقات التي تعرقل عملية التغيير وتقف سداً حائلاً أمام استمرارها؛ منها أن الإنسان والمجتمع أحياناً يترع إلى البقاء على القديم ولا يحب التجديد لذلك فهو يحاربه ويتمرد عليه، وذلك لان التغيير قد يوجب تحطيم أصحاب الامتيازات،في المجتمع لذا يخاف الراكدون من الجديد لأنه قد يفتح الباب على جديد آخر مما يؤدي إلى تحطم المجتمع حسب زعمهم، فيقف الإنسان أمام التجدد أحياناً خوفاً من تحطم ما اعتاده ولذا كان الجاهليون يقولون: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) طبعاً أكثر الأفكار لا تكون كاملة عند ظهورها وإن بعض الناس لا يعترفون بتفوق المفكر الذي أبدع فكراً جديداً إلاّ بعد نجاح افكاره
ومعوق اخر يتمثل..
بالسطحية في إدراك هذه العملية مما يحولها إلى انتكاسة تحمل معها الكثير من السلبيات فتصبح تخلفاً، ونرى ذلك جلياً في تلك المجتمعات التي تستورد التكنولوجيا الحديثة وهي تحمل في كيانها ركاماً هائلاً من التخلف المعنوي، وهذا أمر أحدث حالة عدم توازن في تقبل الحداثة ، لان اي ردة فعل يظهرها المجتمع ازاء المتغيرات يجب أن تنطوي على قيمة تكيفية أو انسجامية مباشرة للإنسان وهذا يثبت أن التغيير الثقافي السليم يبدأ نفسياً وفكرياً ومعنوياً قبل أن يكون مادياً أو شكلياً، كي لا يستنزف ويضيع بمرور الزمن ..
نحن اليوم في مخاض التغيرات التي يجب ان نتفهم كيف نستلهمها ونوظفها لبناء مجتمع متقدم يستطيع ان. يضع خطوة صحية نحو الامام وهذا يتطلب كما نوهنا اعلا ان يتعاطى المجتمع مع الحداثة بما يناسب معه وان تكون تلك المتغيرات تنبع من ذات الفرد وليس بادعائه.