هنالك حقائق ووقائع وسياسات مريبة تتعلق بمحافظة نينوى وقضاء تلعفر خافية على الناس وقد يجهلها المهتمون او يتجاهلها المتابعون ، إذ لم تكن ممارسات تنظيم داعش في الموصل وتلعفر وليدة اليوم ! وبودنا اعادة ذاكرة أهالي المنطقة الى الوراء قليلا ونعيد الى اذهانهم تلك السيناريوهات التي مورست بحقهم والسياسات التي مررت من تحت ارجلهم ! حين عمل النظام المقبور على زرع الارهاب فيها بخطط مدروسة محكمة دون ان ينتبه لها احد ، على سبيل المثال لا الحصر ففي تسعينيات القرن الماضي وخلال فترة الحصار الاقتصادي على العراق جلب النظام السابق ايدي عاملة من دول عربية كمصر واليمن والاردن وتونس وغيرها بحجة تشغيل العمالة خاصة بمجال الزراعة ولكن الغرض من جلبها كان التنسيق والتعاون مع الحركة الوهابية آنذاك والتخطيط لهذا المرحلة حسب الوثائق التي تسربت بعد سقوطه لا سيما في منطقة ربيعة واطرافها الذين كانوا على صلة وثيقة بدول الخليج العربي كالمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة التي قدمت منحة مالية مغرية عبارة عن (500) الف درهم وشقة سكنية ووظيفة دائمة لكل أسرة عراقية من سكنة ناحية ربيعة والعوينات والمناطق التابعة لهما شريطة انتمائهم للمذهب السني بهدف زرع الفتنة الطائفية بين عشائر تلعفر وأكملها صدام حسين بإصدار عفو شامل عن المساجين في عام 2002 بسجن بادوش والذي كان مكتظاً بالمجرمين القتلة وأصحاب السوابق والمناهضين له من الحركة الوهابية الشاذة ضمن حملة طائفية رهيبة سميت (بالحملة الايمانية ) كان يمهد لها ويرسم سياساتها عدد من شيوخ الفتنة والتطرف مثل مستشار صدام للشؤون الدينية الدكتور عبد الملك السعدي عميد كلية صدام للعلوم الاسلامية آنذاك ( الجامعة العراقية حاليا ) وشقيقه عبد الرزاق والضاري وغيرهم الذين استطاعوا ان يهيئوا طول العراق وعرضه كحاضنة لاستقبال كل قاذورات العرب من مجرمين وارهابيين وقتلة عتاة لمهمات مستقبلية محسوبة .
بعد سقوط النظام في عام 2003 كانت الارضية مهيأة لهذا الغرض إذ تشكلت بسرعة البرق فصائل مسلحة تحت تسميات اسلامية بذريعة الجهاد ضد الاحتلال الامريكي بالظاهر مما ولد ارتياحاً ومقبولية لدى الناس المحبين لوطنهم وبلدهم ولكنها بالباطن عملت على قتل الناس على الهوية بحجة مترجمين ومقاولين واطباء وأصحاب محلات الصياغة وغيرهم لتعاونهم مع الامريكان لأنه لا يجوز ذلك شرعاً مما ولد نوعاً من الشرخ في النسيج الاجتماعي الواحد بين أبناء الوطن الواحد في محافظة نينوى عامة وقضاء تلعفر خاصة حين تفاجأ اهلها بظهور اجانب وبأزياء غريبة على التركمان ولم يكن اهل تلعفر على اطلاع بهكذا ازياء وانتشار عناصر غريبة وبزي افغاني ولد نوعا من ردود الفعل الا ان الحواضن طمأنوا الناس بأن هؤلاء ضيوف مؤقتين ! ولكن بعد ازدياد عددهم شيئا فشيئا اخذوا يتواجدون في نقاط الفتيش ثم توسع الحال الى انتشارهم في مناطق اوسع وبعد ايام تطور الأمر الى حمل السلاح شيئا فشيئا وتوسعت سطوتهم الى سؤال اهل تلعفر الاصليين عن هوياتهم والتشديد عليهم وتحديد حركتهم دون معرفة اللغة التركمانية ، ثم اصبحوا وكأنهم هم الأسياد والحواضن كخدم لديهم ! فأحدث هذا الامر قلقا لدى الأهالي الذين ارتابوا من هذه التصرفات الغريبة وخصوصا معروفين اهل تلعفر من ابناء اصول عشائرية واصحاب قيم وشديدي البأس ويعتزون بعراقيتهم ومن الصعب التعاطي معهم بطريقة استعلائية او المس بكرامتهم وعقائدهم فكان الشرخ والتصادم لتتوالى الاعتداءات واحدة تلو الاخرى فبدأت سلسة المفخخات والاحزمة الناسفة تعمل بنهج منقطع النظير وأدى هذا الشرخ الى نزوح العديد من الأسر التركمانية الى مناطق العراق المختلفة في عام 2005 ولكن بفضل جهود الشيخ محمد تقي المولى بالتعاون مع بعض العقلاء من شيوخ العشائر من السنة والشيعة ومبادراته بالزواج الجماعي والتصاهر بين أبناء الشيعة والسنة وشيوخ العشائر الخيرين والناس الطيبين تم إرجاع الأسر النازحة الى منازلهم وديارهم للتعايش السلمي .
استمر الوضع الأمني بين شد وجذب طيلة عشر سنوات وشعب تلعفر يقدمون قرابين الشهداء فوجاً بعد اخر بفعل التفجيرات الدامية والاغتيالات العشوائية والحرب الاقتصادية المتمثلة بقطع الارزاق من المحاور الاربعة للقضاء .
ظلت تلعفر مطمعا استراتيجيا بين شهوة البارزاني لضمها الى كردستان الكبرى وبين الاخوة الأعداء من ال النجيفي الذين يعملون من أجل ضم تلعفر الى تركيا ضمن مشروع ولاية الموصل التي تطالب بها منذ اتفاقية سايكس بيكو. هناك اكثر من أجندة دولية تتنافس كلا على انفراد لاستثمار الفرصة على التغيير الديموغرافي في تلعفر مزيج من الاجندة الامريكية -اسرائيلية – قطرية – تركية – كردية .
فاذا اراد الكرد اقامة دولتهم لابد من تهيئة الارضية لضم تلعفر بعد ازاحة التركمان شيعة وسنة المعارضين فيها !
واذا اراد الاردوغانية التركية تأسيس العثمنة الجديدة لابد من التخلص من شيعة التركمان فيها لكي يكون لهم جواز مرور لمصادرة تلعفر عبر كاسحة داعش !
وهناك اجندة اسرائيلية لتمرير انابيب نفط كركوك وكردستان الى اسرائيل عبر تلعفر- ربيعة – سواحل البحر المتوسط بعد ازاحة حكم الاسد وسيطرة داعش وهي اقرب نقطة حدودية .
اما قطر واجندتها هي تمرير انابيب الغاز الى سواحل البحر المتوسط عبر المنطقة التي تسيطر عليها داعش للسطوة على سوق الغاز .
من هنا يمكن ادراك الاهمية الجغرافية والديموغرافية لقضاء تلعفر التي تأتي في قلب اهتمامات واستراتيجيات القوى المحلية والدول الاقليمية والدولية والعلاقة الوطيدة التي تربط بين آل النجيفي وآل البرزاني لا يمكن اعتبارها استراتيجية متينة وانما هي مصلحية ركيكة يحكمها الوقت والظرف و قابلة للانفراط بأي لحظة خاصة حينما تتقاطع المصالح الامريكية التركية عرابي الطرفين !
وما اقدمت عليه داعش مؤخرا من استقدام أسر عربية سنية من المناطق الغربية العراقية من الذين يؤمنون بنهجهم وولائهم لهم ومن المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة التنظيم بإسكان أكثر من 250 عائلة وأسكنوهم في منازل تعود ملكيتها للمكون الشيعي بع ان عاثوا في الارض فساداً تأتي حلقة من حلقات مخطط سايكس بيكو الجديد في تقسيم المنطقة وانشاء الاقليم السني .ارادات دولية واقليمية ومحلية خبيثة رغم عمله المضني للتغيير الديموغرافي الا ان الواقع الاجتماعي والعشائري والعقائدي عصي على الارادة الاستعمارية لان شعب تلعفر شعب عريق واصيل بشيعته وسنته وشعب متعايش منذ مئات السنين تربطهم وشائج كثيرة ولا يمكن بمكان ان تسلم هذه المدينة بإرثها وتاريخها الى اعداء العراق .. وحين تحين الساعة سيقرر ابناؤه التوحد والتعاضد والتساند للحيلولة دون بيع تلعفر في سوق النخاسة السياسية والمنافع الشخصية ولسان حالهم يقول : “هيأت منا الذلة” (ستبقى تلعفر عصية على التغيير الديموغرافي ) بدليل رفضها الانضمام الى تركيا في عشرينيات القرن الماضي حينما خيروا اهلها بين الانضمام الى الوطن او تركيا فكان الخيار الانضمام الى العراق رغم مشتركات اللغة والعرق والجيرة والدين وغيرها .