أما التعيين بعقد ، فقد كانت ظروف الضرورة القصوى المتمثلة في الحروب المستنزفة لقوى الطاقة البشرية ، وعزوف المواطنين عن الخدمة في دوائر الدولة ، وضعف الأداء الوظيفي النوعي المتخصص ، وفي كل التداعيات السلبية الناتجة عن كل منها ، سببا لتشغيل العمالة بصفة العقود ، وإن إختلفت الأسباب وتوحدت النتائج في كل منها ، حيث اللجوء إلى إستخدام البديل ، بالقدر الذي يتناسب والقوة المانعة من توفير القوى البشرية العاملة ، وخاصة إستثمار كادر الموظفين التنفيذيين من قاعدة المتقاعدين ، لما تمتلكه من خزين المؤهلات الإدارية والعلمية والفنية المتخصصة ، القادرة على سد الفراغ والعجز المؤقت في ملاكات العاملين في دوائر الدولة كما ونوعا ، من خلال الأداء العملي المباشر أو تدريب العاملين وتطوير كفاءاتهم ومهاراتهم العملية ، لغرض إستمرار الدولة في ممارسة نشاطاتها وإنجاز أعمالها ، على الرغم من النقص الحاد في عديد الكفاءات النوعية والتخصصية ، التي تحتاج إليها في مختلف مجالات العمل والحياة ، حيث اللجوء إلى إبرام العقود مع الأشخاص الذين تتفق معهم ، على قيامهم بأداء بعض الأعمال خلال فترة محددة ، للإفادة من خبراتهم العملية المتميزة ، على وفق الأثر القانوني المرتب لحقوقهم القائمة على أركان الرضا والمحل والسبب ، بحيث يتم التوافق في نوع من صيغ العقود الإدارية المسماة ب (عقد التوظيف) ، وهو إتفاق بين الإدارة وأحد الأفراد ، يتولى بمقتضاه أمر وظيفة عامة ومعينة تحت إشراف الإدارة ، فيحصل منها على عدد من الحقوق أهمها الراتب ، مقابل إلتزامه بأعباء الوظيفة المتعاقد عليها ووفقا لمقتضياتها . ويعتبر عقد التوظيف من العقود الإداريـة ، لتعلقه بوظائف المرؤوسين المحددة بموجب نظام يحتاج إليـه القائمون بأعمال مؤقتـة عارضـة أو موسمية ، لا يمكن إنجازها من قبل الموظفين الدائميين بقرار من الوزير المختص ، كما إن من حق الإدارة أن تلزم المتعاقد معها شخصيا بتنفيذ العقد الإداري الذي إرتبط به طبقا لشروطه ، ولا يعفيه من ذلك سوى التأثير المباشر للقوة القاهرة أو إخلال الجهة الإدارية ببنود العقد ، ولما كانت الإدارة لا تستطيع التخلي عن مسؤولياتها أزاء المرافق العامة حتى وإن أشركت معها بعض أشخاص القانون الخاص ، فإن القانون العام يمنحها حقوقا لا مقابل لها في القانون الخاص ، بحيث تتمكن بواسطتها من الإضطلاع بمهامها المتصلة بحق الرقابة والتوجيه ، وتوقيع الجزاءات وتعديل العقود وإنهائها ، مما يقتضي الأخذ بنظرية الظروف الطارئة في إبرام العقود التي تتناول العلاقة بين الراغبين بالإشتغال ، وبين الجهات التي يرغبون في العمل لديها ، تتضمن جميع الشروط والأحكام والجوانب التفصيلية المتعلقة بالإشتغال ، وتخضع في تنظيمها لتعليمات تصدرها الجهة المخولة بذلك قانونا .
ولمتطلبات الحاجة ومقتضيات ظروف العمل التي سادت إبان الحرب العراقية الإيرانية ، صدرت قرارات عديدة ، تقضي بجواز تشغيل المتقاعدين من منتسـبي دوائر الدولة كافة ، بأعمال تتطابق أو تختلف طبيعتها عن طبيعة العمل الذي كانوا يزاولونه قبل الإحالة إلى التقاعد ، بدوام إعتيادي أو جزئي ، وبأجر مقطوع يعادل الحد الأدنى لأجر المهنة التي يعينون فيها ، على أن تتوفر في المتقاعد الشروط اللازمة لمن يشغل ذلك العمل ، ويستمر المشتغلون بتناول رواتبهم التقاعدية إضافة إلى الأجر الذي يتقاضونه عن إشتغالهم بموجب العقد ، في دوائر الدولة أو القطاعين المختلط والخاص ، على أن لا تحتسب مدة إشتغالهم تلك ، لأغراض الخدمة المدنية ، ولا يجوز إشتغال المحالين إلى التقاعد لأسباب تقصيرية أو لعدم الكفاءة . أما غير المعينين سابقا ومن العاطلين عن العمل أساسا ، فيخضعون لقواعد العمل المؤقت . ولا أثر قانوني ملزم للدولة من قبل المشتغلين بصفة مؤقتة ، على تثبيتهم على الملاك الدائم ، كما هو حاصل في مطالبات المتظاهرين .
إلا أن محاولات تحريف المفاهيم الإدارية المهنية التي جرت بها المقادير بعد الإحتلال ، أدت إلى عجز الدولة عن معالجة المشاكل الناتجة عنها ، حين تم فتح أبواب العمل بموجب العقد على مصراعيه خلطا غير متجانس بين المفهومين ، وتجديدهما سنويا بدون الحاجة إليهما ، مما دفع بالمشتغلين بموجبهما إلى الإعتقاد بحتمية حاجة الحكومة إلى خدماتهم ، وعدم إمكانيتها من الإستغناء عنهم ، إضافة إلى تجسد الشعور لدى المعينين بالعقود المؤقتة بالحاجة إلى الإستقرار الوظيفي ، الذي كفله مبدأ تكافؤ الفرص بالعمل الدائم ، وما يوفره من مردود مالي مضمون شهريا أثناء مدة الخدمة وبعد إنتهائها ، وما يقابله من وعود حكومية بالتعيين على الملاك الدائم ، بدعوى القضاء على البطالة ، وإن كان ذلك على حساب البطالة المقنعة ، وبدعم نص المادة (1/ثامنا) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014(6) ، الذي عرف الموظف المؤقت على أنه (( كل شخص جرى التعاقد معه وتوفرت فيه شروط التوظيف المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960- المعدل )) ، إضافة إلى نص المادة ( 18/ و) من قانون التقاعد ذاته ، التي قضت بإحتساب ( مدة العقد في الدولة للموظف المؤقت بعد 9/4/2003 ، وتستوفى عنها حصته من التوقبفات التقاعدية بنسبة (10%) عشرة من المائة من أجره شهريا ، وتتولى دائرته دفع حصة مساهمة الدولة البالغة (15%) خمسة عشر من المائة من أجره ) ، مما ساهم في التمييز بين من عمل قبل 9/4/2003 وما بعدها ، ومن غير الإشارة إلا أن آليات وشروط إحتساب مدة العقد لغرض التقاعد ، تختلف عن تلك المقررة لإحتسابها لأغراض العلاوة والترفيع ، بإعتبارها من ممارسات المهنة قبل التعيين على الملاك الدائم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3164) في 24/8/1987 .
2- نشرت التعليمات في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3183) في 4/1/1988 .
3- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3143) في 30/3/1987 .
4- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3164) في 24/8/1987 .
5- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3615) في 29/4/1996 .
6– نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4314) في 10/3/2014 .