23 ديسمبر، 2024 12:21 ص

التعميم الجائز،،ايران والعرب (مبحث سايكولوجي)

التعميم الجائز،،ايران والعرب (مبحث سايكولوجي)

تسمع دائما من المثقفين الحقيقيين ثم سار على السنة المتعلمين ثم تلاقفه الناعقون بما لايعرفون عبارة (اخي لايجوز التعميم) ،عندما تتحدث عن رشوة لدى موظفين او غلظة عند رجال او تفاهة عند نسوة او احيانا صفة ما عند اتباع معتقد او دين والاشهر من ذلك كله عندما تتحدث عن طبع من الطباع عند عشيرة او قوم او شعب .
والحق ان كل ذلك صحيح فلايجوز تعميم صفة عند شخص على كل اقرانه من صنفه او صنعته فضلا عن بني قومه او جلدته الا اذا تحقق تعميمها فعلا .
اولا لنفرق بين التعميم والاطلاق او الاستغراق . فالتعميم لايعني وصف الكل بصفة طيبة ولا وصم الكل بخلة رديئة .
وانما يعني وصف عام لقوم من الناس او صنف من الاشياء لابد فيه استثناء وخلاف وقد يكون استثناء كبيرا ، الا ان الملحوظ العام على الشريحة الموصوفة هو ماوصفت به .
فالعرب كرام ، هذا تعميم ، ولكن لدي صديق عربي مارايت ابخل منه حتى عند اليهود ، وهذا وصف لليهود بالبخل ولكنه تعميم وليس شمول ففي اليهود من هو اكرم من العربي . وربما رهط كبير منهم كذلك.
هذا تعميم وهو مقبول ان ادعم بقرائن ودلائل . فعندما تذهب الى بلاد الترك وترى انهم يأنفون عن استخدام لغة غير لغتهم حتى وان اتقنوها و حتى وان نفعتهم ، و يتبركون باسلافهم و يتعبدون بعرقهم .فلاضير في قولك ان الترك قوميون و ربما بشكل ما عنصريون وان ليس شرطا ضد احد ، فهذا تعميم صحيح ان سحت في بلادهم ولحظت ذلك في الغالب منهم و لكن هذا لايمنع ان منهم خلق كثير يحب الاجناس الاخرى ويكرمهم والا ماكانوا قبلة للسواح و الاقامة لكثير من الامم حولهم . فان اهملت هؤلاء الجماعات من القوم فقد وقعت في الاطلاق او الاستغراق ،  وهو الشمول وهنا الخطأ في القول ، لان الاستغراق امر غاية في الصعوبة ان يصدق و الاطلاق من المستحيل تقريبا ان يتحقق .
فالتعميم كفصاحة ليس اسلوب الجهلة كما يظن او يقال ، ولو صح ذلك لإنطبق الامر على القول نفسه ولانقلب القول على القائل ، فهو يريد منك ان تقول (بعض) وهو لم يقلها ، فقال “اسلوب الجهلة” ولم يقل (بعض الجهلة) ولاقال (بعض التعميم) .! فاحرج المتنطع و رد مغالطته عليه .
التعميم في جانب منه هو لغة العموم او العام ويمكن ان يخصصه مقصده ويمكن ايضا ان يستثنى منه من سياقه ، فلا ضير في استخدامه دون حاجة لذكر استثناء .
فعندما نقول ان الاولاد قساة وان البنات حنونات ، فلاحاجة لقولنا اننا لانقصد كل الاولاد و لانقصد كل البنات فان هذا سيكون من الاستطالة غير المبررة . فالقصد مفهوم و هو العموم او الغالب او ربما الشائع ، ولاشك ان في البنات من صارت على ابيها اقسى من عدوه لمجرد ان منعها عن مرادها للاقتران برجل لم يره مناسبا له او لها او بعد ان خالفته و رحلت معه كما تفعل مجتمعات متحررة او بنات متمردة .و من الاولاد من كان احن عليه من امه التى ولدته . بل ان الشائع ان البنت هي التي تتغير وتنكر او تنسى او تبعد بحكم صيرورتها تحت حكم رجل اخر وطبقا لظرفه، ويبقى الولد صاحب قرار نفسه فيوفي في اغلب حاله . وهذا ايضا تعميم وليس استغراق .
كما لا يليق فصاحة أن نمتدح أهل مصر فيقفز المستدرك في وجهنا فيقول :
“ولكن فيهم السيء” و “فيهم التقي والفاسق” . فهذا أمر بدهي ولا يصح الاستدراك به . فهذا عمل اهل المعارف السطحية ، والا لصار من حق سامع قولنا “ان البحر جميل” و “الاجمل منه السماء” ان ينط ليستدرك قائلا : ولكن البحر فيه مخلوقات ميتة قبيحة و صخور في اعماقه منفرة و قد تقتل تقلبات موجه احبة لنا يركبون فلكه ، كما السماء فيها النيازك القاتلة و البروق الحارقة فلاتعمم .!
فمثل هذا الاستدراك عته.
و قد نقل عن شيخ الاسلام قوله في البيان وليس في الاصول :
“من فصيح الكلام وجيده التعميم  بل والاطلاق عند ظهور قصد التخصيص والتقييد، وعلى هذه الطريقة الخطاب الوارد في الكتاب والسنة وكلام العلماء، بل وكل كلام فصيح، بل وجميع كلام الأمم، فإن التعرض عند كل مسألة لقيودها وشروطها تعجرف وتكلف، وخروج عن سَنن البيان، وإضاعة للمقصود” انتهى كلامه .
مااراده العالم هناك تعميما من نوع اخر وهو التعميم اللفظي في الوصف الجمعي . و لكن ما اريده انا هنا هو التعميم في وصف الناس او فئات منهم او شعوب كما قدمت ،
 فلأنتهي من هذا المبحث الطويل المتشعب الفروع باختصاره لكي لايطول كما يستحق شأنه ، اقول :
نعم يجب التأني قبل التعميم حتى يظهر لنا دليل على انتشار الوصف المعين في القوم المقصودين ، التأني فقط ليكون التعميم واقعيا و ليس شرطا ان يكون شاملا ، فذاك يسمى الاستغراق او الاطلاق ، و هذا مايجب ان نتجنبه تماما فيما يخص وصف الناس او وصمهم .
فالاستغراق قد لايصح حتى في امر حقد الفرس على العرب وكرههم . الا ان التعميم في امرهم صحيح بشكل لايعتريه اي خلل . فالفرس قديما واحفادهم الايرانيون يحقدون على العرب (من كل مذهب ومشرب دون نظر لمعتقد او دين) بشكل معجون بدمائهم و يظنون انه من اصول عيشهم و من ضرورات معتقدهم . والامر لايتعلق بحكامهم او ملاليهم او بغض عمر او كره صدام او مثل هذا .
و انما الذي رايته من معاشرتي فضلا عن قراءتي ان شعب ايران -وهذا تعميم- و ان كانوا عقلاء فضلاء مع الجميع فانهم يتحولون الى قوم غير اسوياء اذا تعلق الامر بعربي ، انا عاشرت اشخاصا ايرانيين عاديين في اوربا . ليسوا حكاما ولا ملالي و لكن لما قلت له او لها انا عربي انزعج وانزعجت وتغير حتى لونه ، بل ان احداهن همست في اذن زوجتي الاجنبية ان “كيف قبلت الزواح من عربي بينما انت كذا و كيت”
باختصار ايران تريد ان تقتل كل العرب و الايرانيون متفقون على هذا حكومة وشعبا و ان اختلفوا في امور اخرى ، وهم يرونا كل يوم قتلهم للعرب في كل مكان في عصرنا هذا كما فعلوا دائما ولا يفرقون بين من على مذهبهم ممن ليس عليه . ويهينون كل العرب كلما سنحت لهم الفرصة او الظرف ويرون ان هذا من واجبهم و من حسن انسانيتهم وطيب عيشهم . و لذا فانك اذا قارنت مثلا بين احتلال اليهود لارض العرب في فلسطين وتعاملهم معهم و احتلال الفرس لأرض العرب في الاحواز وتعاملهم معهم لوجدت فرقا و ان كان الفريقان معتديين ، فهدم كل مسجد و قتل كل ناشط و التنكيل بكل امراة وطفل في الاحواز . و الاسرى العراقيين الذين قطعت ايران اجسادهم احياء ،وغير ذلك من الشواهد ، ستعرف يسيرا ان كل تعميم قد لايجوز الا هذا التعميم بل لعله استغراق .