7 أبريل، 2024 12:56 ص
Search
Close this search box.

التعليم في العراق من ملاذ لتفادي الجندية الى جواز مرور للوظيفة الحكومية الفاسدة

Facebook
Twitter
LinkedIn

لقد بدأ النظام العراقي السابق مسيرته الحكومية منتصف السبعينات بملف مراجعة التعليم في العراق٫ حيث شهدنا نحن جيل الستينات والسبعينات أول وآخر مؤتمر وطني تاريخي مفصل ومعمق يتعلق بورقة التعليم في العراق نقل بكل شفافية لمدة أشهرعلى التلفاز نقاشات إشترك بها كل القيادات السياسية والأكادمية والنقابية تناولت حتى مسائل بغاية الحساسية على المنظومة السياسية والإقتصادية للدولة العراقية ٫ربما كانت المبادرة الوحيدة في تاريخ العراق الحديث بخصوص ملف التعليم ٫ ولكن إنتهت هذه النقاشات الى قرارات وخطط وسياسات لتعليم يدعم سوق عمل مرتبطة بمنظومة سياسية وإقتصادية وإدارية (إشتراكية) مشوهه لم تنتج إلا مؤسسات إنتاجية وخدمية عامه مترهلة تتعامل من زراعة وبيع البصل الى إنتاج الصناعات الحربية من الدرجة العاشرة فشلت في سد حاجات الدولة والشعب الذي تحول الى طوابير ينتظر عطايا الحكومة بتوزيع حتى بيض المائدة.
ولهذا لم يكن المجتمع العراقي ينظر بثقة وإحترام لمؤسسات للتعليم من أجل تدريب وتاهيل الناس للوظيفة العامة أو الخاصة المنتجة للسلع والخدمات بقدر ما هي كانت النظره للتعليم على إنها مؤسسات لمحو الامية ( القراءة والكتابة ) وتاجيلات وتخفيفات من الالتزامات الخدمة العسكرية لأصحاب الشهادات ،فلم تكن الشهادة العلمية مهمة في نظام بدأ بخطة إنفجارية بمنتصف السبعينات كان العمل بقطاع خاص مع إنه كان هامشي يعتمد على الشركات والمؤسسات العامة الوطنية أو الشركات الإجنبية ولكن مردوداته المعيشية أفضل من الوظيفة العامه برواتبها الشهرية ولو كنت دكتورا بشريا أو مهندساَ معماريا أنذاك ٫ولهذا إضطرت الحكومة الى تبني سياسة إلزامية التعيين المركزي للخريجين لملأ وظائف شهدت هروبا جماعيا وفرديا ٫ كما أستخدمت تشريعات الجندية لتأجيل وإنتداب بعض الصنوف الوظيفة الطاردة ٫ومنها في قطاعات التعليم والتصنيع والخدمات الطبية والهندسية بل وأصدر مجلس قيادة الثورة قرار تعسفي لم تشهده كل الوظيفة العامه في العراق أعتبر به ترك الوظيفة العمومية هي جريمة ضد نظام الحزب والثورة عاقبت مرتكبها بالسجن ٫
أما بعد حرب ١٩٩١ والحصار الذي تبعه أصبح الإستمرار بالوظيفة برواتبها الشحيحيه عبارة عن مسخرة شعبية٫ حتى عندما إرتفعت شكاوى الموظفين في الحكومة والقطعات العامه من نكتة المعاشات رفض صدام حسين بشكل علني وأمام شاشات التلفزيون هذه الشكوى طالبا من كل متظلم من المعاشات أن يبحث عن وظيفة (بالطين) ويقصد بها العمّالة ٫ ولهذا إنخفض الإندفاع الشعبي نحو التعليم والحصول على الشهادة الجامعية ٫كما إن أغلب الخريجين أيام الحصار لم يعنيهم الكثير الحصول على الوظيفة الحكومية مفضلين المبادرة في القطعات الخاصة الصناعية والزراعية ٫بحيث كلنا كمحاميين ممارسين في تلك الفتره شهدنا كم هائل من التدافع والتنافس الفردي والجماعي لتأسيس المشاريع الصناعية والزراعية الصغيرة وصلت الى عشرات الألاف من الخصومات القضائية بعضها وصل الى حد الإقتتال العشائري بين ملاك ومستأجري العقارات الزراعية والصناعية والخدمية التي تركت أيام الحرب مع إيران٫ قام الكثير من أصحاب الشهادات بمجموعة من المبادرات الإنتاجية والخدمية الخلاقة بما فيها ممارسة تهريب المواد الأولية من خارج الحدود لصناعة بعض الحاجيات التي تسد الكثير من حاجات السوق العراقية المحاصرة ٫حتى خلقوا لهم طبقة ميسورة ٫وأنا شاهد ٫كان أقل مزارع من ملاك الأراضي في قضاء الشامية من الذين يزرعون الأرض بموسم شتوي وصيفي يحصل على مردودات مالية أكثر من قائم المقام القضاء نفسه ٫
أما أسباب السعي للحصول على الشهادة الدراسية من أجل التأجل والتخفيف من التزامات خدمة العلم خاصة ايام حروب النظام السابق يوم كانت منظومة الخدمة العسكرية الجبارية على الذكور العراقيين مثل قدر الموت الذي لابد منه ٫ فكان الشغل الشاغل للعراقيين هي الضغط على أولادهم ليستمروا بالدراسة التي تؤجل إلتحاقهم بالخدمة العسكرية أو تخفف عنهم مدد الخدمة أو تعينه للإستقرار في وحدات وواجبات غير حربية خاصة أيام الجندية المشددة من ثورة البعث وحتى التغيير٫ ولهذا مازلت أتذكر قضية جندية المرحوم جلال الطلباني ٫ فعند صدور قراري مجلس قيادة الثورة بإعفاء المقاومين الأكراد أيام ما يعرف بعمليات الأنفال عام ١٩٨٨ ٫بما فيها العفو عن جرائم الهروب والتخلف عن الخدمة الإلزامية والإحتياط ٫إستثني من هذا العفو المرحوم جلال الطلباني لكون كان قد لجأ الى إيران ٫فكنت ضابط تجنيد كركوك وكان لابد أن أقوم بتأشير سجله التجنيدي بعتباره الوحيد المستثنى من قراري مجلس قيادة الثورة لانه كان في ايران في حينها، ولكن الحقيقة كان اشرف من كل المتواجدين في إيران من الشيعة وغير الشيعة لسبب بسيط ، عندما فتحت سجله وجدت ثلاث سجلات ملاحق مرتبطة بسجله الاصلي عكس كل المكلفين للخدمة العسكرية، فاخذني الفضول في الاطلاع على شروحات سجله الدسم متوقعا أن أجد مجموعة من القرارات والأحكام القضائية الغيابية الجزائية المدنية أو العسكرية الصادرة بحقه ٫ولكني تفاجأت بسجل تجنيدي حريص وحافل بمراجعات وتاجيلات مستندة على وثائق تثبت دراسته للحقوق في جامعة بغداد ثم استمراره بدراسة الحقوق العليا في احدى الجامعات المصرية يرسلها بانتظام كل شهر ايلول من كل عام عبر السفارة العراقية بالقاهرة ، فسالت عمه المرحوم العميد الحقوقي صلاح الذين قابيل الذي كان احد نجوم مديرية التجنيد العامة بزماننا، سألته ٫كيف لمتمرد على نظام الحزب والثورة مثل كاكا جلال الطلباني يحمل السلاح ضد سلطات الدولة ولكنه حرص على تقديم شهادة الاستمرار بالدراسة للسلطات العسكرية في موعدها ليتجنب التخلف عن الخدمة العسكرية؟ قال ان صدام والنظام يلاحقوه ويريدون القضاء عليه لاي سبب ولهذا كان هو وعائلته الشريفة المعروفة في كركوك يحرصون اشد الحرص ان لا يتخلف عن الخدمة العسكرية وبالتالي يمنح النظام دليل اسقاط شرفه حتى لجؤه الى إيران أخيرا بعد الآنفال سيئة الصيت، عكس كل مرتكبي جرائم المخلة بالشرف من (الفرارية) الذين حملوا السلاح مع العدو الإيراني حتى ضد ابناء وطنهم الشيعة والسنة والاكراد من العامري الى صولاغ وبقية المزابل الدين والدولة الذين يتحكمون بشرفاء عراق اليوم ،،،
بعد التغيير في العراق عام ٢٠٠٣ كنا نتوقع من عراقيي الخارج وخاصة طبقة المتعلمين أوالمستثمرين الذين نجحوا بأعمالهم وخبراتهم وصنعوا لهم أسماء ومؤسسات وشركات في دول المهجر أن ينقلوا خبراتهم وتجاربهم للنهوض بالواقع التعليمي والإقتصادي في العراق بعيدا عن موارد المال العام والوظيفة العمومية ٫ولكن الذي حصل أن حثالاتنا في الخارج من ملفسي الدين والدولة من الذين عاشوا على المساعدات الإجتماعية والسياسية والمخابراتية الأجنبية ولم يستفيدوا من تواجدهم بالخارج في تأهيل أنفسهم علميا أو عمليا هم الذين سبقوا المؤهلين الحقيقيين بالقفز والإستحواذ على ما تبقى من حطام الوظيفة العامة في العراق ٫يرضعون ما تبقى من دماء العراقيين ودولتهم المحطمة أكثر من ذلك ميزوا أنفسهم عن عراقيي الداخل بأكاذيب الجهاد والنضال المصحوبة بشهادات تعليمية أغلبها أما كانت مزورة أو إنها ممنوحه من مؤسسات تعليميه بلافتات دينية أو مدنية تمنح شهادات ورقية أحبارها أغلى من القيمة العلمية لحاملها منحت لهم أما لمجاملات مناطقية أو طائفية أو عائلية أو حزبية كانت تقدم لهم كما توزع (هريسة الحسين وزردة الزهرة إم الحسن)! ٫ لم يكونوا ولن يكونوا مؤهلين لبناء وإدارة مؤسسات إنتاجية وخدمية تلبي حجاجات العراقيين وإنما أتكأوا بشهاداتهم وكفاءاتهم المزيفة علي باقيا حطام مؤسسات دولة محطمة خرجت من الحروب والحصار والعقوبات ودخلت إحتلال ليسخروها لمنافعهم الخاصة ورمي الموالين لهم بفضلات لا تساوي التمسك بها لنفسهم وعوائلهم ٫حتى عندما أرادة حكومة المالكي جذب الكفاءات العراقية من أصحاب الشهدات الحقيقية من الخارج بمشروعه عام ٢٠١٢ إستخدمت نفس السياسات الريعية الفاشلة المرتبطة بإمتيازات مالية وعقارية غبية وفات عليها أهم ما يعيدها ّو بيئة إدارية وأمنية وعدلية ضامنة لأعمالهم وحقوقهم قبل الإمتيازات المالية والعقارية. بحيث كنت شاهد على الكثير من الذين قاموا بإستغلال هذه التشريعات الغبية للقيام برحلات طيران وإقامة في أفخم فنادق بغداد بالمجان على حساب المال العام لتسوية معاملات شخصية وعقارية ثم هروبوا من المحرقة العراقية ٫عدى طبعا الذين إنخرطوا أو شكلوا ميليشات وعصابات إجرامية وضمنوا نفوذهم الإجرامي والنتيجة لم يلتحق بالمحرقة العراقية إلا المفلسين من إصحاب الشهادات المزيفة٫أكثر من ذلك عندما حصلت الوفرة المالية بالخزينه العامة قام أصحاب النفوذ وصيادي الفرص بإقناع حكومة المالكي بإطلاق مشروع بعثات طلابي عشوائي ترليوني بلا ضوابط ضامنة لعودتهم صمم هذا المشروع لأصحاب الوساطات والمنسوبيات لإسال أنفسهم وزيجاتهم وأولادهم شكلت أعدادهم عشرات الإلوف على حساب الخزينه العامه بحجة الدراسة خارج العراق والعودة بالشهادة العلمية العلمية لخدمة المؤسسات العامة العراقية ٫بحيث نجزم إن العائدين الى العراق أو الذين نفذوا إلتزاماتهم أمام المؤسسات العامه يكاد يعدون بالأصابع .
كان نتيجة ذاك حرمان العراق من الخبراء والمؤهلين الفعليين الذين كانوا يخططون لمشاريعهم الخاصة بعيداً عن إمكنيات الدولة ٫ ولهذا تجد الكثير من أصحاب الشهادات والكفاءات الحقيقية العراقية يعملون بمشاريعهم الخاصة أو بشراكات مع مواطنيين عرب وأجانب يملكون أو يديرون أضخم وأعقد المشاريع الإنتاجية والخدمية في دول الخليج والشرق الأوسط وبقية الدول الناجحة في الغرب والشرق وسيبقون يتحصرون على فرصة عمل لإنقاذ الواقع العراقي طالما سير المزيفون اصحاب الكفادات المزيفة على مقدرات البلاد .
بالنتيجة٫ أن أصحاب الشهادات المزيفة أشعلوا ظاهرة مجتمعية داخل العراق هي السعي بالحصول على الشهادات والدرجات العلمية عديمة القيمه فتحت أكبر سوق للعشوئيات التعليمية في الشرق الأوسط ٫ بحيث أصبحت أعداد (دكاكين) الجامعات والكليات الأهليه أكثرمن الإعداديات المهنية تجدها بالمحافظات والأقضية والنواحي وحتى داخل مجمعات وشقق سكنية شعبية٫ إندفع الكبار والصغار للإنضمام لهذه الدكاكين للحصول على الشهادة الجامعية بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة مرة لمتطلبات (البرستيج) كما فعلها رئيس مجلس قضاء الجهلة الحالي فائق زيدان مستغلا نفوذه القضائي ومره بعتبارها جواز المرور للحصول على ضمانات الوظيفية والنفوذ التي يسعى لها الجميع ٫بما فيها رمزاً قياديا وسليل إمبراطورية مالية عراقية الدكتور علاوي الذي تمدت أمواله المنقولة وغير المنقولة من بنما والكاريبي مرورا في دولتة جنسيته البريطانية والشرق الأوسط والعراق الى اليابان ولم يخفي أخيراً أن كل طموحه الشخصي والوطني الحالي ٫كيف يضمن لإبنته البريطانية البكر وظيفة في الذبيحة العراقية ؟
ولهذا التعليم اليوم تحول من مؤسسات للنهوض بالواقع الإقتصادي والإجتماعي الى جزء خطير من ماكنة الفساد والإفساد العراقية ٫ومراجعة الإرقام الفلكيه للمؤسسات التعليمية والعاملين به والطلبة والخريجيين ومقارنتها مع كل زوايا الواقع العراقي المدمر يقدم لكم الدليل الكافي عن الواقع التعليمي المحطم ٫ كما أن قيام (حوانيت) التعليم الحكومي والأهلي الفارغ بتخريج مئات الإلوف سنويا لم يحرج مؤسسات الدولة وزاد من إرباك المجتمع العراقي المثقل بهموم الأمن العام والخاص والفقر والضياع وإنما خلقت نوعيات تعليمها السيء تقاليد وأنماط خش وردائه لبعض قطاعات العمل المهمة بحياة الناس٫ ومنها قطاع الخدمات الطبية التي جعلت العراقي في مدن الوسط والجنوب المنكوبة يتحمل كلف ومغامرة السفر للعلاج خارج العراق ٫ولو لمدينة الشام السورية المدمرة ليعالج أسنانه على أن يثق بطبيب الأسنان العراقي أن يدخل يديه أو عدته القذره بفمه ٫أكثر من ذلك حتى الأطباء العراقيين المخضرمين من المهرة والمخلصين فقدوا قدرتهم بتحدي سوق عمل فوضوي فاقد للعلمية والمهنية وأخلاق العمل الصحي .
بالنهاية ٫أن المتحكمين بسوق التعليم في العراق من العراقيين وغير العراقيين ومعهم دكاكين تعليمية في الإردن ودول الخليج وإيران ومصر وأوربا الشرقية تحولوا الى مافيات لن يسمحوا لإي مشروع إصلاح حكومي يتخلى عن ريع الدولة للقطعات الإنتاجية والخدمية العامة وسيقاوموه بكل الأساليب لأن إضعاف القطاع العام لصالح القطاع الخاص معناه بالقطع سيقطع إرزاقهم المريحه ونفوذعم الحكومي والأمني من بيع شهادات لكل الساعين للوظيفة العمومية المضمونه في العراق .
وعندي تجربة في قطاعي مع كثير من الزملاء المحامين الذين حصلوا على شهادات عليا وألتحقوا يدرسون بالجامعات الحكومية والأهلية كلما أسألهم عن مساهماتهم بالواقع القانوني والقضائي في العراق يستغربون حتى أشعر بأنهم لا يعيشوا على الأرض وإنما في كوكب آخر ! فتجده أما جاهل يردد نضريات في الكتب أو أن كل مشاغله هي منافعه الوظيفية والشخصية أما مواضيع الخراب القانوني والقضائي فمتروكه لأصحاب النفوذ لا تعنيهم من قريب أو بعيد .
أما كيفية معالجة موضوع التعليم وربطة بسوق العمل فيحتاج الى مراجعة وسياسة تشريعية عامة موحدة وذكية تستطيع تغيير شهية قوى العمل من السعي للدكاكين التعليمية التي تمنحهم الشهادات الجامعية الورقية التافهة الى الشهادات الحقيقية التي تؤهلهم الى سوق إنتاجي وخدمي حر ومفتوح يستثمر الموارد البشرية والطبيعية في العراق ويلبي حجات المجتمع والدولة
تعتمد هذه السياسات على تخلي الحكومه عن القطاع العام يقابلها تمرير تشريعات ضريبية وكمركية شفافة ورشيقة وذكية لتكون خيوط الحكومة في توجيه التعليم لقوى العمل الإقتصادي المنتج٫ كما أن توفير بيئة أمنية وعدلية صارمة تعيد ثقة المبادر والمستثمر الوطني قبل الأجنبي بأمنه الشخصي أولا وتضمن حقوقه الفكرية والمالية ٫فهل هذا ممكن ؟ إني أشك.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب