23 ديسمبر، 2024 1:17 م

التعليم العالي في العراق

التعليم العالي في العراق

مدخل :
يشهد البشر منذ انتهاء الحرب الكونية الثانية تطوراً علمياً وتكنولوجياً هائلاً ، يتسارع مستمراً ، إلى الحد الذي يمكن وصفه بـ ” الهيجان البركاني للمعرفة ” ، فحممه متلاطمة تجتاح كل شئ ، ولا تترك شيئاً إلا واتت عليه ، مبشرة بنهاية المصادر القديمة للثروات ، لتحل محلها التقنيات المتطورة التي باتت مهيمنة في السوق العالمية ، وسيادة العقل ، وتربعه على عرش القوة العالمية (نعمان شحاذة ، 529) . لقد اشر ذلك ولادة مرحلة جديدة مختلفة شكلاً ومضموناً ، كماً وكيفاً ونوعاً ، عما الفه الناس ، فمع استمرار حركة التطور العلمي ، مذ بدايات التفكير الأولى للإنسان ، حينما وعى بما حوله مفكراً به ، محاولاً طرح تساؤلات والبحث عن الإجابة عنها ، من خلال التأويل والتعليل ، وعدم توقفها ، إلا أن ما يوصف به الحال يمكن تأشير بعض جوانبه في:
– النمو المذهل والسريع للمعرفة والعلم ، إذ يلحظ ذلك السيل من المعرفة والمكتشفات المنتجة في مراكز البحث العلمي ، وتناميها بتعجيل متصاعد لا يستقر على حال ، ودلالة ذلك النمو الهندسي للمكتنزات العلمية للبشرية ، حتى يكاد المرء أن يقول : أن الجزء الأعظم منها هو وليد العصر الحديث .
– التطور التكنولوجي المتسارع في مختلف المجالات .
– قصر الفاصلة الزمنية بين الابداعات العلمية وتحويلها إلى إبتكارات تكنولوجية .
– أدى التطور التكنولوجي السريع إلى تطور سريع في الإنتاج .
– سرعة تغير متطلبات سوق العمل (سرعة التغير في القدرات المطلوبة في القوى العاملة ) .
– كما فرضت حالة المنافسة الشديدة على الشركات سرعة تطوير منتجاتها و/أو الدخول إلى السوق بمنتجات جديدة .
وهكذا اصبح التطور العلمي والتكنولوجي المتسارع النمو الذي يشهده العالم ، يشغل المهتمين بشؤون العلم والمعرفة والإعداد والتأهيل والمؤسسات التعليمية. وتبدو خطورة هذا الموضوع فيما يتصل بمنظومة التعليم العالي الأكاديمي والمهني بخاصة عندما يكون التغير خارج منظومة التعليم العالي اكبر كثيراً من التطوير والتحديث في هذه المنظومة بل إن الفجوة بينهما عظيمة ، الأمر الذي ينعكس في عدم التوافق بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل ، وهذا سوف يؤدي بسوق العمل : إما أن يتحمل كلفاً باهضة في أعداد هذه المخرجات وتأهيلها لتتلاءم مع احتياجاته التي تنعكس ارتفاعاً في اثمان المخرجات ، أو أن يلجأ إلى العمالة الوافدة .
فضلاً عن ذلك فقد أدى هذا التطور التكنولوجي إلى تنامي بطالة من نوع جديد ناجمة عن تطور التكنولوجيا المستخدمة ، وهي ما يمكن تسميتها بالبطالة التكنولوجية – إي حالة ابتعاد قدرات الفرد ومهاراته عن متطلبات التكنولوجيا الجديدة .
ومما يتوجب ذكره أن ذلك الطوفان المعرفي راح يبشر بظهور محدد جديد لمكانة الدول وقدراتها فقد قضى على كل مصادر القوة التي عرفتها البشرية ، فلم يعد امتلاك الثروات الطبيعية العامل الوحيد للمكانه بين الدول ، بل أضحت القدرات العلمية وامتلاك وسائل المعرفة هي العامل الحاسم في ذلك ، بل أن الموارد الطبيعية الحاسمة أصبحت هي ألذكاء والمهارة الإنسانية فضلاً عن القيادة الريادية ، وهذا بدأ يبشر بمرحلة جديدة في التاريخ الإنساني ذات أهمية خاصة . (**)
تأسيساً فقد فرض ذلك على مؤسسات التعليم العالي (( إعادة النظر بفلسفتها وستراتيجيتها وسياستها التعليمية والبحثية )) ، التي يجب أن تتجه نحو أعداد وتكوين وتأهيل أفراد من نوعيات خاصة: من علماء وباحثين ومجددين يمتلكون قدرات نوعية ، يقودون ألريادة العلمية ، فضلاً عن تزويد سوق العمل باحتياجاته النوعية من قوة العمل .
عليه فالمجتمع به حاجة إلى منظومة تعليمية قادرة على إعداد أفراد يدركون المستجدات ويستشرقون ما سيستحب ويمتلكون آلية التعامل معها بمهارة و اقتدار ، ولهم القدرة على التكيف والتعلم والتطور الذاتي . لذا فان طبيعة المواجهة تتطلب تقويماً شاملاً لواقع المؤسسات التعليمية ، مناهج وملاكات وأساليب وطرائق تدريس وتسهيلات ، وإدارة ، وأساليب تقويم ، ونظم امتحانيه ، ونوعية طلبة . وفي هذا المجال تجدر الإشارة إلى أن المسؤولين عن التعليم في الدول المتقدمة يرون أن لا سبيل إلى تطوير التعليم إلا من خلال التطوير الذي يتسم بالطابع ألثوري (القوة والسرعة) بل انهم يقررون أنه لن تكون هناك نهضة في ألمجتمع من دون أن تسبقها ثورة في نظم التعليم . فإذا كان هذا هو رأي المسؤولين في الدول المتقدمة ، لتتمكن من إحداث نهضة مجتمعية ، فإن ذلك يفرض على المسؤولين عن التعليم العالي في العراق ، أن تكون ثورتهم اشد واعنف مما لدى أولئك ، لنقلل الفجوة أو على الأقل لانتركها تتسع أو لنلحق بهم ، ونحاول أن نسبق … . ومما يعزز ذلك ما يشير إليه الكثير من المفكرين وصناع القرار إلى إن التعليم العالي ولا شئ غيره ، يتمكن من النهوض الشامل لأي بلد ، ودلالة ذلك ، أن جميع الدول التي حققت تقدماً في شتى مناحي الحياة ، كان الفضل في ذلك إلى التعليم المتقدم في تلك البلاد الذي يمضي بها نحو الريادة العلمية والتكنولوجية وذلك بالاهتمام بالتعليم العالي فيها (داخل ، 5) .
اعتماداً فإن النهوض بالتعليم العالي يفرض :
إعادة النظر بفلسفة التعليم العالي واستراتيجيته ، وتقيمها في ظل متغيرات البيئة المحلية والعالمية ، وتبني فلسفة ومنهجيات جديدة تؤهله لولوج ساحة المنافسة العالمية . أن ذلك يتطلب تحديد عناصر القوة في منظومة التعليم العالي ، ومكامن الضعف ، وتحديد القدرات المطلوبة للمنافسة وسبل تحقيقها ، وصولاً إلى مستوً موازٍ لها و/أو متفوقاً عليها ، وتشخيص الفرص المتاحة أمام التعليم العالي والتحديات المتوقعة التي ستواجهه . وذلك ما يجعله مؤهلاً للاستجابة لمتطلبات المجتمع المحلي والعالمي ، بخاصة إن المرحلة التي سيشهدها هي التحول إلى اقتصاد السوق ، الذي يفرض المنافسة للحصول على الفرص في سوق العمل . وأمام هذه التحديات تتصارع تساؤلات جمة ولعل أبرزها :
– هل ستبقى استراتيجيات التعليم متواضعة ، أم ساكنه ، تابعة ، مستهلكة ؟ ام
– ستتغير الى استراتيجيات تتبنى الابتكار والإبداع العلمي ، مشاركة في صنع الحضارة الإنسانية ، رائدة فيها ..؟
– ما مستلزمات النهوض بواقع التعليم العالي ، وانتشاله ومحاولة إعادة الحياة أليه ، قبل أن يدركه الموت ، أن لم يكن قد بات في أحضانه ؟
معضلة الدراسة :
يمر التعليم العالي بمرحلة حرجة ، تفرض عليه النظر في حساباته ، بخاصة أن التحديات التي يجابه بها خطرة ، تدفعه نحو شفا جرف هار ، إن لم يعد لذلك الأمر عدته ، ويعبئ طاقاته ، لينطلق بدفع شديد القوة ، يصل به حافة النجاة مبتعداً به عن التدهور موقفاً حالة الانحدار واضعاً اياه على الجادة الصواب ، يتصل ويتواصل ويواصل ، مع ما بلغه التعليم العالي على المستوى الإقليمي ، وكذلك على المستوى العالمي ، فلا شك انه سينحدر نحو الهاوية ، ويجسد معضلة البحث الآتي :
– عجز إدارات التعليم العالي عن قيادة عملية التغيير ، إذ بات في اغلب مؤسسات التعليم العالي لا يتبدل بتغيير الإدارة سوى التوقيع (البصمة) ، وذلك بسبب :
– سوء اختيار الإدارة الجامعية الذي يبنى على أسس غير سليمة .
– عدم وجود مواصفات واضحة للقيادات الجامعية .
– غياب أسس الاختيار السليم ، والاعتماد على المعيار الشخصي والمواقف الشخصية من المرشح ، والمحسوبيات .
– عدم قدرة هذه الإدارات على تشخيص كثير من المعوقات .
– انعدام المبادءة لدى هذه الإدارات .
– النظرة المادية الى المركز الوظيفي على انه مركز لتحقيق المنافع الخاصة المكاسب – فهو فرصة يجب اغتنامها أقصى ما يمكن – وليس هو دور للبناء والتطوير.
– ضعف الشعور بالمسؤولية التاريخية للقيادات الجامعية .
– غياب الفهم الصحيح لدور الإدارة الجامعية في أدائها مهماتها لتكوين الموارد البشرية وكيفية هذا التكوين واليته .
– عدم اهتمام الإدارة الجامعية بـ :
* اختيار الملاك العلمي على الأساس السليم والموضوعي فلا تعدو عملية الاختيار أن
تكون روتينية في الغالب .
* اختبار الصلاحية للتدريس .
* التقويم السنوي للتدريسيين وما يترتب عليه . ( روتينية العملية )
* الترقية .
* اختيار لجنة الترقية .
* اختيار المقومين العلميين .
* البحوث العلمية ونوعيتها .
* تصميم المناهج والمفردات .
* نظم تقويم الطلبة .
– اتجاه التعليم العالي نحو تثقيف الطلبة وليس أعدادهم لساحات العمل . يجسد ذلك :
* عدم إمكانهم ممارسة العمل ميدانياً إلا بعد تلقي تدريب وافٍ .
* رؤيتهم بأن ما درسوه لا علاقة له بالعمل .
* تشغيل العاملين على أساس الشهادة وليس على أساس التخصص (عدم التوافق بين الوظائف والتخصص – (هو ما يمكن إن يطلق عليه بطالة نوعية )
* عدم التوائم بين متطلبات سوق العمل ومواصفات الخريج .
* التوسع في الدراسات الإنسانية على حساب الدراسات العلمية .
أهداف الدراسة :
* تشخيص المشكلات التي تواجه التعليم العالي .
* تحديد الاسباب التي ادت الى ذلك .
* اقتراح آليات مواجهة هذه المشكلات .
تحقيقاً لذلك اعتمدت الدراسة الوصف أسلوبا لدراسة المعضلة والنظام مدخلاً ، والمقابلة أداة لاستقصاء البيانات والمعلومات التي استوفت جميع مفاصل منظومة التعليم العالي والبحث العلمي ، والخبرة من خلال العمل في مجال التعليم العالي مرجعاً ، وما تتيحه المكتبة وشبكة المعلومات أساساً والمنطق موجهاً ، والمقولة ((غياب المعايير الموضوعية والعلمية في ادارة التعليم العالي)) ، فرضاً ومنطلقاً .
أهمية الدراسة :
تتضح أهمية الدراسة ، من أهمية الموضوع الذي تتصدى لدراسته وخطره ، الذي يتصل بالمنظومة التعليمية المسؤولة عن أعداد أهم مكون في العملية الإنتاجية ، ذلك هو العنصر البشري ، إذ يتوقف عليه تطور أو تخلف المجتمع ، في الاتجاهات كافة ، فهو بذلك أداة ذات حدين ، أن احسن أعداده ، فهو استثمار يؤتي آكله كل حين ، في خلق القيمة المضافة ورفاهة المجتمع وتقدمه ، وإن سيئ تكوينه فهو خسارة مالية واجتماعية يترتب عليها :
– هدر للأموال ، و للطاقات .
– تخلف المجتمع .
– تدني المعيشة .
مجتمع الدراسة وعينتها :
تشتمل الدراسة ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومؤسساتها مجتمعاً ، ومن جرت مقابلتهم من منسوبي الوزارة ومؤسساتها من ملاكات تدريسية وفنية ومساندة ، مقابلتهم عينة فقـد بلغ عددهم (80) منسوباً ، مصنفين على وفق الآتي :
جدول (1) عينة الدراسة
الجامعة قيادي تدريسي فني مساند المجموع
بغداد 5 8 3 2 18
موصل 2 10 2 2 16
مستنصرية 3 8 1 2 14
نهرين 5 15 3 3 26
بابل 2 3 1 – 6
المجموع 17 44 10 9 80

مصادر البيانات والمعلومات
– المستمسكات والوثائق الرسمية .
– المؤتمرات والدراسات والحلقات الدراسية والندوات التي عقدتها و. التعليم العالي الخاصة بالتعليم العالي .
– المقابلات .
– الملاحظة المباشرة .
– الخبرة الميدانية لفريق الدراسة من خلال عملهم في بعض الجامعات والوزارة .
– المعلومات المستمدة من خلال الالتقاء غير المخطط بالعاملين في المؤسسات التعليمية ومناقشة المشكلات التي تعاني منها معهم .

هيكلية الدراسة :
تعتمد الدراسة المخطط الانسيابي المبين في الشكل في تحديد اتجاه الدراسة .
” انموذج هيكليـة الدراسـة “

المهاد الفكري :
تحديات تواجه التعليم العالي
لا يمكن النظر إلى منظومة التعليم العالي بوصفها منظومة فرعية تعمل بمعزل عن بقية أجزاء النظام الكوني ، إذ هي تتأثر بباقي منظومات النظام الكلي ، فضلاً عن تأثرها بالمتغيرات الأخرى التي تمارس تأثيراً خارجيا فيها مباشراً أو غير مباشر . وان الاستعداد لمـواجهة المتغيرات
الخارجية يعد محوراً أساساً لجامعات اليوم ، وهذا أمر يفرضه التطور الكبير الذي حدث في العالم في شتى المناحي ، فبعد أن كانت جامعات ألامس ، لا تحسب حساباً للمتغيرات الخارجية ، لذا فأنها اتجهت نحو التثقيف اكثر منها اتجاهاً نحو أعداد القدرات ، وبعد أن كانت تتأثر بالبيئة الخارجية المحلية ، أضحت تهتم بتأثيرات البيئة الخارجية العالمية عليها ، بخاصة بعد ظهور مفهوم القرية الكونية الصغيرة ، وهي إشارة إلى سرعة الاتصالات ولعل أهم هذه المتغيرات التي باتت تواجه جامعات اليوم هو ظاهرة العولمة ، التي باتت تثقف باتجاه إشاعة الثقافة الواحدة واللاحدود وليست ظاهرة العولمة العامل المؤثر الوحيد في تحديد اتجاه الجامعات في إعداد سياساتها واستراتيجيتها ، وانما هناك العوامل الاقتصادية والاجتماعية ، والتكنولوجية ، إذ إن ما تصرح به المنظمات العالمية وكذلك الاتفاقات العالمية ، هو تجاوز الحدود الجغرافية ، وهذا يعني ان الحكومات سوف لن تستطيع حماية الاقتصادات الوطنية ، وفرض الضرائب والرسوم على الواردات ، فليس هناك حدود أو موانع أمام انتقال المنتجات بين الدول ، كذلك فأن الاستثمارات الأجنبية ، تعني استخدام تكنولوجيا متطورة ، وبالتالي مواصفات جديدة في قوة العمل المطلوبة . وبما إن التطور التكنولوجي وسرعته ينعكس تغيراً سريعاً في مواصفات قوة العمل المطلوبة ، بما يؤدي إلى عدم استقرار سوق العمل . وهذا بالتالي يوجب على الجامعات أن تتحسس سريعاً لمتطلبات المجتمع من القوى العاملة لتغير برامجها وأساليبها التدريسية كي تتمكن من توفير القوى العاملة المطلوبة . فضلاً عن ذلك انفتاح السوق على قوة العمل الوافدة التي قد تكون اكثر تأهيلاً الأمر الذي يجعل قوة العمل المحلية غير قادرة على المنافسة . لذا فأن إعداد الأفراد وتأهيلهم يجب أن يتم على وفق المواصفات العالمية ، ليتمكنوا من المنافسة محلياً وإقليمياً وعالمياً .( قويدر ،76، الهاشم ، 104، جريو ،30 ، 31 ، المحياوي ، 136 ، أبو الحمص ،97 ) .
لذا لم يعد بالامكان في الزمن الذي فيه السيادة للعقل المبدع والمعرفة دراسة التعليم على المستوى الوطني ولا حتى على المستوى الإقليمي ، لكن لابد من دراسته على المستوى العالمي وما يواجه به من تغيرات تكاد تصيب شتى المجالات ، مردها إلى اتساع مدى استخدام تكنولوجيا المعلومات .
قد أضحت المعرفة العنصر الأساس المؤثر في الاقتصاد العالمي ، وميزة تنافسية تؤشر أسباب النجاح والتفوق ، فقد تركزت الامتيازات الاقتصادية في الدول التي أثبت أفرادها كفاية عالية في معالجة المعلومات والإفادة منها في تنمية وتطوير مصادر المعرفة البشرية وفي أحداث تنمية في المقدرات المعرفية والتطبيق العلمي لها في الحياة . لقد سيطر هذا الاتجاه على معظم مفاصل الحياة ، وانعكس بالتالي تغيراً شاملاً في هيكل الوظائف والمهمات المطلوبة ، والذي يستلزم تغييراً تابعاً في هيكل المهارات والقدرات المطلوبة ، فقد أصبحت المهارات رفيعة المستوى هي الأكثر طلباً (اليونسكو ، 17-18) . لقد فرض الحال على المؤسسات التعليمية إعادة صياغة أساليب التعليم وتطوير نظم تعليمية ملائمة (اليونسكو ، 68-69) .
أن هذا الأمر يفرض على الجامعات أن تغير من فلسفتها واستراتيجيتها فبدلاً من الاعتماد على البيئة المحلية وعدها العامل الحاسم في تحديدها ، اصبح اعتماد البيئة العالمية في ذلك هو الأمر الحاكم .
أن ما تقدم يعد دافعاً قوياً لمنظومة التعليم العالي ، كونها منظومة مجتمعية (وهي مجال اهتمام الدراسة) أن تقوم ذاتها وان تعيد النظر بواقعها ، متخذةً من ذلك نقطة انطلاق ، باتجاه تطوير نظمها التعليمية وتحديثها ، محتوىً ، وطرائق تدريس ، وملاكات وتسهيلات واساليب ووسائل —- مواكبة التطورات في العالم ، متجهةً نحو التطوير والأحداث والإبداع العلمي ، والتعليمي ، مضيفة ، مبادئة ، تكويناً لملامح جديدة تميز كيانها ، مبتعدة عن الاستنساخ والتكرار في فلسفتها ، واستراتيجيتها ، ومناهجها ، ومقرارتها ، و —- متجهةً نحو تكوين مدرسة خاصة لها نظرياتها ورؤاها .
منظومة التعليم الجامعي
يتناول هذا المحور المكونات الأساس لمنظومة الجامعة وعلى وفق الآتي :
الإدارة الجامعية /
وهي تمثل مرتكزاً أساساً في منظومة التعليم العالي ، فبصلاحها تصلح المنظومة ، فهي محورها ، وهذا يفرض أن تتصف هذه الإدارة ، بقدرات قيادية مميزة لدورها التاريخي المهم ، ذلك إنها تقود اخطر مؤسسة في المجتمع ، مؤسسة صناعة العقول ، والقدرات ، فعليها يتوقف تقدم المجتمع ، لتحظ بقبول وقناعة العناصر البشرية الأخرى المكونة للمنظومة .
وهذا ما يوجب أن تتوافر في الإدارة الجامعية ، فضلاً عن الإمكانات والقدرات العلمية الفائقة ، أن تمتلك مهارات ادائية إدارية خاصة ، تتباين بتباين المواقف التي تتعرض لها ، أي أنها لا تمتلك حلولاً جاهزة وانما لها القدرة على ابتكار الحلول وإبداعها تلبس لكل موقف لبوسه ، فضلاً عن إنها حكيمة في اتخاذ القرار على وفق الحالة وما يمليه الظرف .
إن مصدر أهمية الإدارة الجامعية يأتي من كونها ، هي الجهاز العصبي المركزي والمحيطي لجسد الجامعة الذي يحقق استجابات حكيمة ( مركزية )(إرادية قائمة على تقدير الموقف والاستجابة)– أي استجابات نوعية غير مبرمجة – وهذه بطبيعة الحال تستغرق مدة زمنية مابين الحدث ، و التصرف ( وهي الحالة التي يكون فيها عامل الزمن اقل خطراً من طبيعة ونوعية وأهمية واثر القرار على المؤسسة ) ، واستجابات آنية (لا إرادية) انعكاسية – أي استجابات مبرمجة – وهي الاستجابات التي تتم في المواقف التي تتطلب استجابة سريعة ( غير مركزية ) لان استمرار الحال إن لم تحسم تعرض المنظومة إلى مخاطر جسيمة لا تحمد عقباها وهي ما يمكن إن يطلق عليها إدارة المشكلة من المكان لان الموقف يتطلب الحسم الحكيم السريع والمناسب ، لاستئصال المشكلة من جذورها ، والعمل على عدم تكرارها مستقبلاً ، وهنا تبدو أهمية عنصر الزمن في إزالة الخطر . اذن فالادارة بذلك هي- اي الادارة الجامعية- العنصر الرابط بين بقية مكونات النظام والعنصر المتحكم فيه . (و. التعليم العالي والبحث العلمي ، 1989 ، 55 ، المسعودي ، 140 ) .

المدرس الجامعي /
ينظر الى المدرس الجامعي على انه إحدى البنى الارتكازية في منظومة الجامعة ، إذ انه يعبر عن مدى سلامة الإدارة الجامعية وصواب منطلقاتها وكفايتها في بناء منظومة جامعية محكمة البناء متميزة الأداء ، ذات قدرة على تحقيق الأهداف .
أن المدرس الجامعي ، هو أداة الجامعة الأساس في تنفيذ مهماتها وتحقيق أغراضها ومقاصدها ، أذن فهو العنصر الجوهري الفعال في العملية التعليمية ، وهذا يؤكد على وجوب توافر اشتراطات عدة في المدرس الجامعي يمكن تحديد أبرزها في الآتي :
– مظهر لائق .
– سلوك قويم ( أي أن يكون خالياً من الإعاقة الاجتماعية والنفسانية أي الاستقرار والتوازن النفسي والاجتماعي ) .
– شخصية قوية متزنة ومؤثرة .
– ثقافة اجتماعية راقية .
– ذكاء ميداني خلاق .
– مهارات سلوكية .
– مستوى علمي راقي .
– منطق سليم ولغة قويمة .
– اتقان لغة اجنبية .
– كفاية علمية ، ومقدرة بحثية .
– اطلاع واسع متجدد على احدث الاصدارات العلمية في مجال تخصصه العام والدقيق .
– قدرة على تصميم المناهج وتحديد المصادر العلمية الرصينة .
– اطلاع واسع على طرائق التدريس ومتابعة مستجداتها .
– إمكانية مواكبة روح العصر .
– القدرة على التأثير في الآخرين .
لذا فالمدرس الجامعي هو اللاعب المباشر في حلبة التدريس ، وان تلاحظ وتدقق هذه المواصفات فيه تجعل تأثيره قوياً في بناء شخصية الطالب : المظهرية ، والسلوكية ، والعلمية ، والمهنية . وقد أشرت بعض الدراسات إن (60%) من نجاح العملية التعليمية يتوقف على المدرس الجامعي ( دوابشة ، 2007 ، 479 ، المسعودي ، 138).
وفضلاً عما تقدم فأن التدريسي الجامعي يجب إن لا يمسه التقادم العلمي ، وهذا يجعل من الاتصال والتواصل والمواصلة أمراً جوهرياً ، ويتحقق ذلك من خلال المتابعة والبحث ، والانفتاح على المجتمع ، حلاً لمشكلاته ، ودراسة لما يتصل بالميدان من ظواهر يفرزها الواقع ، وفي ذلك تطوير لقدراته ، وتحديث لمعلوماته فضلاً عما يعود على المجتمع من فائدة .
ولما كان البحث العلمي جهداً فكرياً ، يستغرق وقتاً متابعة وملاحظة ، وتجريباً ، تأسيساً ، وابداعاً ، وتطبيقاً ، وابتكاراً ، وهو في حقيقته عمل ذهني متواصل متصل ، قد يشغل معظم وقت التدريسي ، حتى انه ليعيش به ويتعايش معه ، يسير معه أينما سار ، بل انه في أحيان كثيرة يؤرقه .
من هنا نستنتج آلية تحديد الأنصبة التدريسية وسببها ، إذ يلحظ من مراجعة الأنصبة ومقارنتها بأوقات الدوام الرسمي ، انه يمثل الربع تقريباً أو اقل من ذلك أو اكثر بقليل ، وهذا يعني أن الأعداد الفكري للمدرس هو الأهم لذا فكلما تميز المخاض الفكري بمستوً متقدم ، تقدم المدرس في سلم الأداء العلمي ، انخفض العبء التدريسي .
عليه فأنه مهنة التدريس تقع على من بلغ مرتبة الأستاذ ، إذ انه يمتلك النضج العلمي الذي يؤهله لممارسة مهنة التدريس ، ويتدرج الاعتماد على بقية المراتب التي جاءت تسميتها على أساس دورها في العملية التعليمية ، فنجد الأستاذ المشارك ، هو الذي يشارك نسبياً في عملية التعليم ولكن بنسبة اقل من نسبة الأستاذ وفي مجال محدد ، ثم الأستاذ المساعد ، الذي يكلف بالتطبيق ، وبالمهمات الأخرى التي ينجزها ، مساعدة للأستاذ بسبب إتاحة الفرصة له ، للمتابعة ، وللابتكار والإبداع .
اعتماداً يمكن تحديد المجالات آلاتية التي يجب متابعتها من قبل إدارة الجامعة وعدم التهاون أو التساهل فيها :
هيكل الرتب العلمية :
يعكس هيكل الرتب العلمية القدرة النوعية للأداء العلمي ، فهو يوضح القدرات الفكرية المكونة للملاك العلمي في الجامعة ، وتتجلى قدرة الملاك العلمي في نسب مكوناته ، فكلما ارتفعت الأهمية النسبية للدرجات المتقدمة كلما ارتقت رصانتها العلمية ، فهو دالة على أصالة الجامعة ورصانتها ، إذ ان التدريس في الجامعات الرصينة يقع على عاتق من بلغ اعلى مراتب التقدم في سلم الرقي العلمي ، حتى انك لتلحظ الوصف ذاته في سوق العمل إذ يصف الناس الماهر بعمله بالاسطة .
تأسيساً يجب أن تحافظ الجامعة على نسب معينة من المراتب العلمية أستاذ ، أستاذ مشارك ، أستاذ مساعد وان تعمل على المحافظة عليها وتطويرها ، ففي الجامعات الرصينة ، يكون الاعتماد الأساس في العملية التعليمية على التدريسيين من مرتبة أستاذ — ، وذلك ما يفرض تناسب المدرسين من مرتبة ((أستاذ)) مع أعداد الطلبة وان لا تغفل قيادة الجامعة أي خلل قد يحصل في هذا الهيكل ، مما قد يودي بموقع الجامعة وسمعتها في المجتمع الخاص (مجتمع الجامعات والمؤسسات العلمية) والمجتمع العام أي المجتمع الذي تعيش فيه الجامعة . (و. التعليم العالي والبحث العلمي 1989 ،13)
العبء التدريسي :
يعبر العبء التدريسي عن عدد الساعات التدريسية التي يقوم بها المدرس الجامعي ، وذلك ما يجعل من أمر تحديده مسألة جوهرية ، إذ أن عدد الساعات التدريسية يؤثر كثيراً على توزيع ساعات الدوام الرسمي المتبقية لإنجاز المهمات الأخرى ، لذا فأن استثمار الوقت المخصص لاداء المهمات الأخرى للتدريسي : بحث علمي ، متابعات علمية ، مناظرات ، — يفرض تحديده بدقة ، إن ذلك يعني تحديد الساعات التدريسية ، وتوزيعها على وفق صيغ تقلل الهدر في وقت التدريسي على أيام الأسبوع وتركيزها في يومين أو اقل ، بما يتيح للمدرس الجامعي الإفادة من الوقت المخصص للمهمات الأخرى وتخطيطه بشكل مثمر ، مما يقلل الوقت الضائع الذي يذهب سداً إذا سيئ تخطيط أوقات تدريسه بشكل غير علمي وعشوائي.(و. التعليم العالي والبحث العلمي ، 1989 ،6 )
تلخيصاً فأن تحديد العبء التدريسي بشكل يتيح للتدريسي اكبر وقت لإنجاز مهماته الأخرى ، بما يحقق كفاية تقدمه العلمي وبلوغه الشأو المطلوب أن يكون عليه ، فضلاً عن ذلك توزيع هذا العبء بشكل علمي على أيام الأسبوع بما يجعل من الوقت المهدر في حده الأدنى .
البحث العلمي ومستلزماته :
لما كان التطور العلمي والفكري للمدرس الجامعي أساساً في أدائه مهماته أداءً رصيناً ، فأن البحث العلمي هو أداة ذلك التطوير والارتقاء بمستوى كفاية المدرس ألادائية ، لذا فأن توفير ما يستلزمه البحث العلمي ، وتهيئته له ، آمر تفرضه ، محدودية الوقت المتاح ، وندرة القدرات ، تحقيقاً لاقصى فائدة ممكنة من وقته الذي لا يمكن تثمينه .
وهنا يجب التنبيه إلى إن البحث العلمي لا يجب أن يقاس كمياً ، بل نوعياً ، لذا فأن رقي المدرس الجامعي يجب أن يركز على الجانب النوعي ، ذلك انه يعني التطور النوعي للتدريسي فكرياً ، فضلاً عن ذلك هنالك بحوث تستغرق وقتاً طويلاً قد يصل إلى سنوات ، وهناك بحوث قد لا تخرج بالباحث خارج مكتبه ، وقد يستغرق بعضها ساعات مما يفرض إن يحسب لكل بحث حسابه . (و. التعليم العالي والبحث العلمي ، 1989 ، 17 ، المسعودي ، 138 ، جريو ، 122) .
الوضع الاجتماعي :
تقضي ندرة الكفايات العلمية في المجتمع ، أن تحظى هذه الكفايات باهتمام المجتمع ، لإنها من أهم سماته ، وعوامل تطوره أو تقدمه ، وتفوقه كل ذلك يفرض أن يعيش المدرس الجامعي ، بمستوً يتناسب ومكانته في المجتمع ، وان تتوافر له كل المستلزمات التي تظهره لائقاً اجتماعياً ، لانه نخبة المجتمع ، وصفوته ، مما يوجب الاهتمام به من كل نواحي الحياة ، من سكن لائق ، ومستلزمات مظهرية لائقة وذلك لانه يمثل قدوة للطالب ، تنأى به عن التعرض لأي معاناة قد تؤثر في إنجازاته وقد تخلق لديه سلوكيات غير مرغوبة ، أو تؤثر في أدائه . إذ يجب أن يحظى هؤلاء بمكانة اجتماعية لائقة ، وان ينالوا احترام المجتمع وتقديره . (و . التعليم العالي والبحث العلمي ، 1989 ، 20)
الطالب :
ليس من شك أن الطالب العنصر الأساس ، والسبب المباشر في وجود التعليم العالي ، ذلك انه يشبه المادة الخام والأولية في المؤسسات الصناعية ، فهو إذن بمثابة العنصر الإنتاجي الجوهري الداخل في العملية التعليمية ( الإنتاجية ) . وتقوم العملية التعليمية على أساس إكسابه مهارات وسلوكيات معينة ، فضلاً عن توسيع مداركه ، وبناء القدرات المطلوبة فيه ، التي تؤهله للعمل ، وهذه القدرات والمهارات تعد جواز دخوله الى سوق العمل ، كذلك بناء شخصيته ، وإكسابه ثقافة متنوعة وتزويده بمعلومات ومعارف متعددة ، تنمي قدراته الفكرية وتطور قابليته التفكيرية .
ولما كانت المواد الأولية متعددة الأنواع ، وان ما ينفع منها في صناعة معينة ، قد لا ينفع في صناعة أخرى ، فأن الشيء ذاته ينطبق على الطالب ، فإذا نظرت إلى الطالب بشكل مجرد فأنك تجده يتصف بقابليات معينة ، واتجاهات خاصة ، ومواقف محددة ، لذا فأن البناء السليم للطالب ، ليكون نافعاً وفعالاً ومتميزاً ، يفرض دقة التحديد ، لنوعية القابليات التي يتمتع بها وتحديد توجهاته ، ومعرفة مواقفه ، الأمر الذي يقتضي تحديد واعتماد أساليب يقرر على أساس نتائجها اختيار الطالب المناسب لكل دراسة معينة ، بعكس ذلك إذا لم يتم الاختيار بدقة متناهية ، فأنه يمثل هدراً وخسارة مجتمعية لا يمكن تعويضها ، لان ذلك ينعكس ضعفاً في الأداء المتوقع للخريج . (و. التعليم العالي والبحث العلمي ، 1989 ، 28 ، المحياوي ، 155)
كل ذلك يؤكد على حسن اختيار نوع الاختبار الذي يخضع له الطالب ، وحسن تصميمه ، لتحديد الدراسة التي تلائمه إذ أن الرغبة وحدها لاتعد أساساً سليماً لتحديد المجال ، وكذلك مجموع درجاته المتحققة في دراسته الثانوية ، لما يخضع له الامتحان من حالات قد تؤثر سلباً في النتائج ، مثل مرض الطالب ، سوء حالته النفسية ، الإرباك الذي من الممكن أن يعاني في أثناء الامتحان منه ولا يعني ذلك إهمال هذا المؤشر ، وانما تقليل تأثيره وتخفيض أهميته النسبية في سلم محددات الاختيار* .
سوق العمل ( مواصفات الخريج ) :
تعد الجامعة مؤسسة علمية ثقافية ، وقد تظهر الجذور الأولى للجامعة ، أنها مؤسسة ثقافية ، تتجه نحو بناء وتكوين نخبة مجتمعية ذات ثقافة واسعة ، لذلك يلحظ أن اهتماماتها الأولى كانت تنصب على اللغة والأدب ، والفلسفة ، والتاريخ … لكن مساقات التطور المجتمعي ، وما أحدثته الثورة الصناعية من تطورات فرضتها على المجتمع ، كان لها السبب المباشر ، في أعادة نظر الجامعات بواقعها وما هو دورها المطلوب . لقد ادخل ذلك الجامعات بطور جديد ، لابل بأطوار ، ففضلاً عن دورها السابق في نشر الوعي الثقافي والمعرفي وبناء شخصية الفرد ، فقد اصبح لها دور جديد ، هو أعداد وتهيئة الأفراد ، للدخول في ميدان العمل .
من هنا فرض ميدان العمل هيمنته على المؤسسات التعليمية ، ومنها الجامعات ، انه سوق منتجها، وأنها إذا أرادت النجاح والاستمرار ، فعليها الاستجابة لمتطلباته (قدرات القوى العاملة) واعدادها بما يؤهلها لاستلام المواقع في ميدان العمل .
ولما كان سوق العمل يتطلب قدرات معينة (مواصفات القوى العاملة) يقتضي توافرها في الفرد الذي يدخل ميدان العمل ، فقد فرض ذلك على المؤسسات التعليمية أن تفكر في كيفية والية بناء هذه القدرات ، لأنها خلاصة مخاضها أو خاتمته .
فقد اثر ذلك بشكل مباشر في المناهج والأطر التدريسية والفنية والإدارية ، باتجاه تصميم بناء هذه القدرات وما يستلزم ذلك من تصميم متقن للمناهج تركيباً تكاملياً من حيث التنوع ، وترتيباً متتاماً مواضيع ومقررات ومتضمناتها من المفردات اي ينبغي ان يكون قائماً على التنوع المتكامل والترتيب المترابط للمفردات ، كذلك فقد بات لزاماً على هذه المؤسسات ، أن تفكر في كيفية تقويم عملها في إنجاز أهدافها ، فأخذت تفكر بأساليب وطرائق إعداد وتأهيل هذه الملاكات ، تدريساً ، وتدريبياً وتأهيلاً ومناهج ، فالهدف الأساس هو بناء قدرات وليس ضخ المعلومات .
من هنا يبدأ اتجاه جديد في الاختبارات يكشف عن مدى كفاية المؤسسة التعليمية وفاعليتها في بناء هذه القدرات ، وتجاوز الامتحانات التي تكشف عن مدى قدرة الطالب الحفظية ، في إعادة ما تلقاه خلال مدة الدراسة عند الامتحان ، الى الاختبارات التي تكشف التطور الحاصل في القدرات .
كما فرضت حركة التطور السريع ، للإفادة من منجزات البحث العلمي (بخاصة البحوث الأساس) إلى تطور سريع في التكنولوجيا المستخدمة ، وانعكس ذلك تطوراً في القدرات المطلوبة في القوى العاملة ، الأمر الذي صار خطراً على القوى العاملة في ميادين العمل ، التي إما عليها أن تتكيف مع الحالة الجديدة ، أو أن تغادر ميدان العمل .
من هنا يلحظ أن متطلبات سوق العمل ، باتت تتغير سريعاً ، وتتقدم على حركة التغير في الجامعات في استجابتها لتلك المتطلبات الأمر الذي كون تحدياً للجامعة ،لذا فأن الجامعات ، التي تبغي النجاح والتقدم ، راحت تؤسس أقساماً تختص باستشراف المستقبل ، وترسم السيناريوهات استعداداً لمواجهة التقلبات في سوق العمل .
لقد دفع ذلك المؤسسات التعليمية إلى تطوير ذاتها ، في تبني مناهج واليات جديدة في الأعداد والتأهيل ، تمكن الموارد البشرية على المواكبة والاستمرار في ميدان العمل ، بما تمتلكه من قدرات وإمكانات تجعلها مستطيعة إن تتواكب وتتكيف مع التطورات التكنولوجية السريعة ذاتياً . ولعل في القول: ” من لا يتقدم يتأخر ، ومن يبطئ يتخلف ، ومن لا يواكب يسقط ” خير دلالة على أن التطور والتغيير ، تفرضهما طبيعة حركة الحياة والزمن ، وان من لا يدركه ينتهي . ( أبو الحمص ، 69، رزق ، 15 ، محمد ، 173 ، عباس ، 182 ، جريو ، 117)
التسهيلات :
ولكي تؤتي العملية التعليمية أكلها ، ولا تظلم منه شيئاً ، لابد من توافر مستلزماتها الضرورية سواءاً أكان ذلك على مستوى البحث العلمي ، أم على مستوى التدريس ، أم على مستوى تكامل العملية التعليمية للطالب . فلا يكفي ما تلقاه الطالب من دروس نظرية أو ما يتلقاه من معلومات في أثناء المحاضرة ، بل لابد من دعم ذلك ، بالتطبيق العملي ، فضلاً عن التوسع والاستزادة بما هو مكتوب حول المواضيع التي تلقاها الطالب ، لذا لابد من تكامل هذه المستلزمات التي يمكن سردها في آلاتي :

* المكتبات :
إن عملية الإبداع العلمي لن تتوقف بل هي مستمرة ما استمرت الحياة وما بقي الكون ، ولا يتأتى ذلك للطالب مالم تتوافر له مكتبة تحفل بأخر الإصدارات واحدثها ، فضلاً عن المكتبة الإلكترونية وشبكة الاتصالات العالمية والأقراص المكتنزة ، التي تغذي الطالب بالمستجدات آلانية بحقل العلم والمعرفة ، في شتى أنحاء العالم ، وبمختلف اللغات . ولتكتمل المنفعة من هذه المكتبة العصرية ، لابد من أن تعمل على وفق إجراءات حديثة مجدده باستمرار ، يعمل فيها ملاكات خبيرة تحسن التعامل مع جمهورها ، تستجيب لطلباتهم ، تتابع المستجدات في حقول المعرفة ، فضلاً عن التطورات التي جدت في العالم فيما يتصل بإدارة المكتبة . (و . التعليم العالي والبحث العلمي ، 1989 ، 19)

* المختبرات والمعامل :
قد لا تكتمل المعرفة في بعض الحقول المعرفية ، ما لم يقترن ذلك بالتطبيق العملي ، أو بالتجارب التطبيقية يدعم فيها الطالب ما تلقاه من دورس نظرية ، لذا فأن المختبرات ، والمعامل تعد المجال الأول ، أو الممهد للطالب لكي يتهيأ لميدان العمل ، فالمختبرات والمعامل هي الميدان الصغير الذي يمارس فيه الطالب تطبيق ما تلقاه من دروس ، الذي يدعم معلوماته النظرية ، ويثبتها الأمر الذي يستوجب ، أن تكون هذه المختبرات متطورة مجارية آخر ما وصلت إليه في دول العالم المختلفة ، فضلاً عن سعتها في أن توفر فرصاً لكل طالب ليجد متسعاً في المكان ، مطبقاً ومجرباً .(و . التعليم العالي والبحث العلمي ، 1989 ،19).

* مستلزمات أخرى :
فضلاً عما تقدم فأن هناك من المستلزمات التي قد لاتقل شأناً في بناء شخصية الطالب واكتمالها ، التي تنمي فيه المواهب ، وتجعله يقضي وقته مثمراًً ، يمارس فيها هواياته ، مثل قاعات الرسم ، أو قاعات الموسيقى ، فضلاً عن الساحات الرياضية ، والقاعات التي يتوافر فيها جميع الوسائل ، والمستلزمات ، … . ( و. التعليم والبحث العلمي ، 1989 ، 19 )
المنهج :
يمكن النظر إلى التعليم العالي على انه حلقة الوصل بين الطالب وسوق العمل ،فالتعليم يعد لسوق العمل القوى العاملة المؤهلة ، عن طريق بناء وتكوين القدرات الميدانية المطلوب توافرها في الفرد ليكون أهلاً لممارسة العمل ، ويتحقق ذلك للجامعة من خلال المنهج الجيد والسليم والمتكامل من ناحيتين : تكامل مواضيع ، وتكامل مضامين ، بمعنى أخر حقول المعرفة التي يسهم تكاملها في بناء هذه القدرات ، وما المتضامنات ( مفردات ) التي يجب إن تحتويها لكي تكون عملية الأعداد ناجحة في تحقيق أهدافها . ذلك يفرض توافر مواصفات في المنهج :
– الشمولية ، أن تكون شاملة لا تترك شيئاً إلا واتت عليه .
– المرونة في التطور والتجدد .
– ارتباطه مع حاجات سوق العمل .
– قدرته على تكوين القدرات المطلوبة في سوق العمل .
– تكاملها وتتامها ، مقررات ، ومواضيع ، ومفردات … .
فالمنهج هو التكوين العام الشامل ، والمتكامل مواداً ومحتوى ، تقدمه المؤسسة التعليمية ، للطالب ، بانية فيه القدرات التي تؤهله لولوج الحياة العملية مطبقاً وممارساً ومتعلماً ، مفكراً ومجدداً ، ومتطوراً مع المستجدات باستمرار قادراً على التعلم الذاتي ، مواكباً .
وهنا يقتضي التنبيه إلى أن المناهج في المؤسسات التعليمية ، يجب أن لا تتجه إلى إعداد الفرد للحياة العملية حصراً ، وانما أن تهيئه للحياة الاجتماعية ايضاً مما يفرض أن تتضمن المناهج إعداد الفرد انسانياً وحضارياً وثقافياً ، وبناء شخصيته ، وتسليحه بالثقافة العامة ، والمهارات الميدانية الأخرى والتفكير المنهجي وتطوير ألذات ، وإعداده سلوكياً ، بإكسابه أنماط سلوكية مرغوبة ، وإكسابه أخلاقيات اجتماعية ومهنية مقبولة . فمهما يكن من أمر فهو فرد يعيش في مجتمع يسهم في بنائه ، ذلك أن المؤسسة التعليمية ، هي مؤسسة تعمل على أحداث تغيير ثقافي إيجابي في المجتمع ، وبناء المجتمع القادر على النهوض والتقدم والتطور . (و. التعليم والبحث العلمي ، 1989 ، 64 ، المحياوي ، 156)
تأسيساً فأن المنهج الفاعل يستلزم أن تتكامل فيه الجوانب العلمية ( مواكبته لحركة التقدم العلمي العالمية ) ، والجوانب الاجتماعية والثقافية .
مما تقدم يتضح صعوبة وخطورة عملية تصميم المناهج التي يجب إن تأخذ في الاعتبار ، الأبعاد العلمية ، والعملية ، والإنسانية والاجتماعية ، والثقافية ، ليسهم المنهج في أعداد أفراد قادرين على العمل ، فضلاً عن قيادة المجتمع والتأثير فيه ثقافياً وحضارياً ، وبناء مجتمع مزدهر ، متطور ، رافه .
التعليم :
يعد التعليم العملية الأساس للمؤسسة التعليمية ، وبعد أن استعرضت الفقرات السابقة عناصر العملية التعليمية لابد من التطرق لوسائلها ، وإحدى وسائلها التدريس ، فالتدريس علم له أصوله وقواعده ، وطرائقه وأساليبه ، التي تتباين باختلاف المواضيع والأهداف ، فضلاً عن ذلك فهو مهارة يمكن اكتسابها والتدرب عليها .
عليه لابد من توافر عناصر محددة في المدرس ، من معرفة شاملة دقيقة معمقة مع إلمام تام بطرائق التدريس ، وأساليبه ،وقواعده وأصوله ، مع عدة مهارات اخر ، تمكنه من اختيار الطريقة الفضلى لكل موضوع ، وحال .
تأسيساً لا يجوز الاعتماد على الشهادة التي لا تعبر إلا عن مواصفة واحدة إلا وهي الجانب المعرفي وحسب وهي مواصفة أساس ، ألا أنها لا تكفي لان تؤهل الفرد للتدريس إذ أن التدريس عملية مهنية لاتستند الى الشهادة وحسب فلا تكفي الشهادة وحدها لتحديد صلاحية التدريس وانما يستلزم ذلك جانب مهني لا علاقة له بالشهادة ، وانما يستلزم شخصية ملائمة مرنة ، وإعداداً دقيقاً ، وإكسابها المهارات اللازمة ، إذ ليس الهدف هو تدريس المادة وحسب ، وانما تعليم الطلبة ، فلا يعد تقديم الموضوع ، هو الغاية وانما الغاية ، هو تعلم الطلبة ( المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، 12-18) .
إن ذلك يفرض :
– ايلاء عملية اختيار التدريسيين أهمية بالغة لتتكامل مواصفاته المظهرية والسلوكية والعلمية ( توازن هذه المواصفات ، وتساويها ).
– تركيز الاهتمام بإعداد هؤلاء التدريسيين إعداداً جيداً ، وعدم تعيينهم في الجامعة ، إلا بعد التثبت من قدراتهم المهنية ، وإكسابهم المهارات والمعارف اللازمة للأداء التدريسي .
– تقويمهم دورياً وبخاصة عن طريق الطلبة باستخدام أدوات اختبار خاصة ، تعد بمهارة عالية .
– تعديل السلوكيات غير الصحيحة وغير المرغوبة ، وتعزيز السلوكيات الجيدة والمرغوبة عن طريق التدريب على إن تكون هذه العملية مستمرة .

عليه لابد من توافر خصائص معينة في المدرس الجامعي :
– فهم عميق والمام تام بالأطر المعرفية للموضوعات التي يقوم بتدريسها .
– فهم وأدراك لنوعية الطلبة وتحديد افضل الأساليب الملائمة والمفضلة في التعلم لديهم .
– فهم جيد لمتطلبات التعليم وللمهمات التعليمية التي تكونه ، فضلاً عن أدراك ومعرفة أنواع الخبرات والمهارات التعليمية التي تفضي إليه ، كذلك معرفة دور المدرس والطالب فيه ، أي فهم وإدراك كل ما من شأنه أحداث التعلم الجيد .
– المعرفة الجيدة والفهم الجيد للطرق والأساليب التي يمكن عن طريق استخدامها تحويل المحتوى المعرفي الى صيغ وأشكال قابلة للتعلم .
– اطلاع واسع ومعرفة معمقة بالطرائق والأساليب التي تشخص فهم الطلبة واستعدادهم لتعلم موضوع ما ، وقياس مقدار ما تعلموه .
– فهم البيانات والأدوات والسياقات التي تسهل التعلم وتعين عليه .
كل ذلك يفرض الاهتمام الفائق باختيار المدرس الجامعي واعداده إعداداً جيداً ، ومتابعة أدائه ، وتقويمه وتعديل سلوكياته ، وزيادة مهاراته عن طريق التدريب المستمر .
مما تقدم يتضح أن اختيار المدرس الجامعي يعد من اخطر المهمات الملقاة على عاتق الإدارة الجامعية ، ذلك أنها تتحمل مسؤولية اجتماعية وتاريخية كبرى ، وإهمالها يعني ، خسارة مجتمعية كبرى . وخيانة الأمانة ، ومساهمة في تدمير المجتمع وتخريبه .
اختبار الطلبة :
بعد أن أتم المدرس تعليم المنهج كلاً أو جزءاً ، سؤال يتبادر : هل حققت العملية التعليمية أهدافها ؟ لذا فأن المدرس به حاجة إلى تقويم فاعلية العملية التعليمية ، ليتحقق من انه قد أدى دوره بشكل جيد . إذن عليه إن يقوم مستوى التعلم لدى الطلبة ، وهنا تظهر أهمية الامتحان كونه وسيلة تكشف عن مستوى تعلم الطلبة ومدى قدرة المدرس على تحقيق أهداف التعليم ، لذا لا يجوز النظر إلى الامتحان على انه هدف ، يكشف قدرة الطالب على الحفظ ومداها .
بعامة فأن الاختبار يعد من أهم وسائل التقويم التي يستخدمها التدريسي لتقويم الطلبة . وتأخذ هذه الاختبارات أشكالاً عدة ، تحريرية ، شفوية ، ادائية ، وغيرها ، … ويتقرر اختيار شكل طريقة الاختبار المناسبة ، على طبيعة المادة الدراسية والأهداف التعليمية ، ونوع الطلبة ومستوى نضجهم كل ذلك يفرض إلمام المدرس بأنواع الاختبارات المختلفة ، من حيث طرق بنائها ، وتنفيذها وتصميمها ، والإفادة من نتائجها . فالاختبارات تكشف عن مدى فاعلية المدرس في أداءه دوره التعليمي ، وبالتالي فهي تؤدي إلى تحسين عملية التدريس . إن هذا الأمر يلزم المدرس معرفة أنواع الاختبارات وأهدافها فضلاً عن المادة الأساس لاعداد هذه الاختبارات ، وكل اختبار وما يصلح لقياسه (المصدر نفسه ، 24-40) .
تقويم المدرس :
يشكل المدرس الجامعي ، محوراً أساساً في منظومة التعليم العالي ، فهو يقوم بأدوار ومهمات متعددة ، مما يفرض ايلاء الاهتمام بتقويم أدائه ، لانه أداة الإنتاج الأساس في العملية التعليمية (ما كنته) ، فعلى أدائه يتوقف نجاحها أو إخفاقها ، وبصلاحه تصلح .
ولا يعد التقويم عملية سهلة روتينية ، بل هو عملية معقدة ، يستلزم خصائص محددة في المقوم إذ أن سوء عملية التقويم ، له انعكاسات سلبية خطره محتملة ، على المؤسسة التعليمية ، سواء أكان ذلك ناجماً عن سوء التنفيذ لعملية التقويم ، أو على توظيف نتائج عملية التقويم .
إن تنوع عمل المدرس الجامعي وتعدد مهماته ، يفرض توافر مهارات ومعارف خاصة في المقوم لادائه ، ذلك لحساسية مسألة التقويم وتعقدها ، التي يجب إن تكون عملية متكاملة على مستوى القسم ، فالعمادة ، فرئاسة الجامعة ، والطلبة .
وقد جاء تعقد عملية التقويم بسبب تعدد أدوار المدرس وتنوع مهماته ، فدوره بوصفه تدريسياً يتضمن أدواراً فرعية عدة ، فهو الذي يضع الخطة الدراسية وهو الذي ينفذها ، كذلك هو الذي يقّوم عملية التدريس ، وهي مهارات ليست بالسهلة ، فهي تتطلب مهارات في تحديد المحتوى المناسب للمقرر الدراسي ، وتصميم الخطة الدراسية ، والفهم الواسع والدقيق لطرائق التدريس وأساليبه ، فضلاً عن تقنيات التعليم واستخداماتها ، كذلك إدارة الصف والتفاعل مع الطلبة ، كما انه المسؤول عن إعداد الامتحانات بأنواعها المختلفة وأجرائها ، وأساليب التقويم الأخرى ، وطرائق التصحيح .
فقد أدى هذا التعدد في الأدوار الرئيسة والفرعية وتنوع المهارات والكفايات اللازمة للقيام بها إلى صعوبة توافر المدرس الجيد ، وندرته ، ذلك أن النجاح في العملية التعليمية يفرض توافر خصائص ، ومواصفات معينة فيمن يشتغل بالتدريس . ولما كانت عملية التقويم تكشف عن جوانب النجاح والإخفاق ، والسلوك المرغوب والسلوك غير المرغوب في المدرس ، لذلك فهي وسيلة وأداة لتقويم سلوك المدرس من خلال تدعيم الجوانب الإيجابية وتعزيز السلوك المرغوب ، وتقليل ومحاصرة الجوانب السلبية ، وتعديل السلوك غير المرغوب في المدرس ، من خلال التدريب والتطوير ، والارتقاء بمستوى كفايته ، كلما ازداد دربةٍ ومراناً ، واكتسب خبرة من خلال الممارسة .
ولابد من الإشارة هنا إلى إن الخبرة وحدها لا تكفي لتطوير التدريسي ، وذلك بسبب عدم استقرار أهداف التدريس وتطور أساليبه وتقنياته وكذلك بسبب التغيرات والتطورات العالمية المستمرة.
تأسيساً ، فأن عملية التقويم هي بمثابة منصة الانطلاق للتدريسي في تطوير ذاته ، ذلك أنها أداة التشخيص الأساس لمساره ألادائي ، فعليها تتوقف الوصفة الناجحة ، والمعالجة السليمة .
وتشير الأدبيات إلى اختلاف وجهة النظر في عملية التقويم واليته ، فمنها ما يشير إلى أن القدرة البحثية مؤشر على القدرة على التدريس أي أن إحداهما دالة للأخر . في حين تطرح وجهة نظر أخرى تعدد جهات وأطراف التقويم باستمرار ، والاعتماد على المقارنة فيما بينها وتحديد المؤشرات على أساس ما تفرزه من نتائج وذلك لتنأى بنتائج التقويم عن التحيز ، أو على الأقل تقليله ، وإزالة أثره وقد أورد بعض من هذه الدراسات ، اعتماد تقويم الطلبة لاداء المدرس كونهم المتأثرين المباشرين بأدائه ، فضلاً عن أطراف التقويم الأخرى .(Adams , 10 – 16 )
ومهما يكن من أمر فإن عملية التقويم مسألة حظرة ، فقد يتوقف على نتائجها نجاح المؤسسة التعليمية ، أو إخفاقها ، مما يفرض أن تتم بموضوعية وجدية ، وأن تعبر عن الحقيقة ، وأن تحدد عوامل القصور والنجاح في التدريسي ، وتعمل على تطوير التدريسي ارتقاءً بمستوى كفايته الادائية وأن تعزز سلوكياته المرغوبة وتعدل سلوكياته غير المرغوبة ، وأن لا تتحول إلى عملية روتينية ، لا تعدو أن تكون غير إسقاط فرض . (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، 196-198،عودة ، 231-232) .

استعراض الواقع وتحليله
الإدارة الجامعية :
يمكن النظر الى الادارة بعامة على انها ، بمثابة الدماغ في الجسد فصلاحها وكفايتها ، يضمن نجاح المنظومة وبلوغها مرماها ، فهي أشبه ما تكون بالبوصلة تتحسس الاتجاه السليم لحركة المنظمة ، وتقودها .
فمسؤولية نجاح أو إخفاق المؤسسة ، في أدائها وظيفتها الأساس يتوقف إلى درجة كبرى على نوعية إدارتها ومستوى فاعليتها وكفايتها . وهذا ما يفرض إيلائها اهتماماً بالغاً . وفيما يتصل بإدارة المؤسسة التعليمية بخاصة ، فإن ذلك يتطلب اهتماماً اكبر ، لدورها الخطر في حركة المجتمع وتقدمه ، وتبؤه موقعه اللائق ، وذلك يفرض توافر خصائص نوعية وشخصية فيها ، فهي يجب أن تجمع بين كفاية الأداء ، والقدرة العلمية المستمرة التطور . فدورها يحدد الحركة المستقبلية لتقدم المجتمع وتطوره وذلك يوجب تحديد دور الإدارة الجامعية رئيس القسم ، عميد ، رئيس جامعة ، بدقة ، بتعبيرٍ آخر ، لابد من وجود توصيف واضح لواجبات هذه الأدوار الوظيفية ، مع تحديد بين لمهماتها ومسؤولياتها ، وذلك ما يسهل بالتالي تحديد الشروط والمواصفات النوعية الواجب توافرها فيمن يشغلها ، والتي تجمع ما بين المواصفات النوعية والشخصية . ذلك إنها من اخطر وظائف المجتمع والتي تفرض عدم التهاون والتساهل في اختيارها ، والذي يجب أن يقوم على أسس ومعايير سليمة ، ودراسة متأنية ، ومراجعات ومشاورات عدة قبل تقريرها ، فهي تستلزم شخصية من نوعية خاصة تتوافر فيها مواصفات شخصية ونوعية معينة ، يمكن تحديد بعضاً منها في آلاتي :
– قدرة على رؤية المستقبل واستشرافه ، وتحويلها إلى واقع ملموس .
– تفاعل مع الآخرين ، مع قدرة المحافظة على المكانة .
– قدوة وانموذج يفاخر به ويحتذي به الكل .
– الحضور المستمر حتى في غيابه ، أي أن يكون حاضراً في نفوس العاملين يسارعون إلى تنفيذ توجيهاته ، والالتزام بها في غيابه . (( أي أن يحظ باحترام واعتراف الجميع )) .
– يحافظ على أن يكون على الدوام : الأكثر وعياً وإدراكاً ، واستيعاباً للمشكلات والمواقف ، ويحسن التصرف .
– قدرة فائقة على التفسير وسرعة التصرف في الطوارئ والاستثناءات .
– قدرة على استيعاب الآخرين .
– إن يتصف بالحكمة والحنكة والاقتاع ، سريع البديهة حاضرها، سديد الرأي صائبة.
– يسمع اكثر مما يتكلم .
– مستقر ومتوازن نفسياً واجتماعياً ، غير انفعالي هادئ على الدوام .
– ذو رأي سديد ، لا يملك الآخرين إلا أن يستجيبوا له صاغرين عن قناعة .
– موسوعي العلم ، متنوع الثقافة واسعها .

– لا تأثير لعلاقاته الشخصية في قراراته .
كل ذلك فضلاً عن قدراته العلمية ، والادائية المتميزة ، وهذا ما جعل منها كفايات تمتاز بالندرة ، إن ذلك يدعو إلى وجود قواعد ومعايير وإجراءات يلزم اعتمادها عند اختيار القيادات الجامعية ، كذلك متابعة أدائها ، وتقويمه على أسس موضوعية سليمة .
غير أن الواقع يخبر غير ذلك ، فالإدارة الجامعية هي إدارة آلية لا يتغير بتغييرها سوى الشكل والتوقيع، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة منها : طبيعة النظام ، فالإدارة الجامعية ، إدارة سلبية مستجيبة ، تنفيذية ، لا تملك من أمرها شيئاً ، فهي وظيفة ليس لها من الأمر إلا الاسم وحسب ، فسلوكياتها وتصرفاتها تحددها أوامر وتعليمات الوزارة ، التي هي (اي الوزارة) تفتقر إلى أدنى سمات التميز والتفوق الإداري والفني على الجامعات ، وان النظرة العابرة على ملاكات الوزارة بدءاً بأعلى منصب فني فنزولاً ، لا تجد فيها كفايات تتفوق على كفايات الجامعات ، ولكن الاستجابة لها هي ( على أساس القصور الذاتي ) ، الذي يعني استمرارية الحال على ما هو عليه من حركة أو سكون ، وذلك على أساس أن المؤسسات بعامة لم تتخلص بعد من الاستجابة للأعلى لانه يمتلك أمر العزل والتعيين ، لذا يجب إرضاوءه ، وعليه نشأت قاعدة تفضيل ذلك ورفعه فوق الأهداف والمهمات الأساس .
فالتعيين في المنصب هو تكريم ومكافأة للشخص ونوع من توزيع الهبات . فاختيارهم يتم على أسس غير موضوعية غالباً ، إذ لا يتوافر نظام معلومات عن الأفراد في الوزارة يقوم الاختيار على أساسه ، وانما على أساس المعارف والمحسوبيات ، فرئيس القسم يرشحه العميد اعتماداً على رأيه وعلاقاته وكذلك العميد ، ورئيس الجامعة ، حتى انك لتجد أن معظمهم لا تنطبق عليه أدنى المواصفات النوعية التي تؤهله لشغل المنصب ، والتي يجب أخذها في الاعتبار قبل المواصفات الشخصية ، فقد تجد من الذين يشغلون منصب رئيس جامعة ، وعميد ، ورئيس قسم … غير حاصلين على شهادة دكتوراه ، فمنهم من هو حاصل على دكتوراه حلقة ثالثة والتي تعادلها الوزارة بالماجستير ، وكذلك من حملة دبلوم عال ، بل أن بعضهم حاصل على شهادات من جهات لم تقرها الوزارة ، ودون من يشكك في ذلك الأضابير الشخصية لهم .
إن غياب المعايير والمواصفات – إذ لم يتضمن قانون الوزارة من المواصفات سوى شرط الشهادة والرتبة العلمية – أدى إلى الصراع والتآمر على من يشغل هذه المواقع لما تحققه ، من مزايا معنوية ، (مكانة مؤقتة يوفرها الموقع) ، ومادية (رواتب ومخصصات) ، التي بنيت على أساس ندرة الكفايات التي تتوافر فيها هذه المواصفات ، وكذلك ثقل وعظم المهمات والمسؤوليات المكلف بها، فهي قيمة الأداء النوعي المميز . فضلاً عن ذلك باتت هذه القيادات تستميت في الدفاع والمحافظة على مواقعها بشتى الوسائل ، منها الجراحات التجميلية التي تجريها على الواقع تحسيناً له وتجميلاً ارضاءً للاعلى ، ( أساليب التضليل على حساب الحقيقية ) ، وان تحيط نفسها بشبكة من الأمان – أي إدامة الحال على ما هو عليه ، والمحافظة عليه ، طالما أن الجهات الأعلى لم تعترض عليه ، أذن فهي راضيه به – وذلك لما يحققه لها المركز الوظيفي من مكاسب ومنافع مادية ومعنوية ، عملاً بتفكير الشاعر :
إذا هبت رياحك فأغتنمها
فما تدري الرحيل متى يكون
لقد تسبب عدم الدقة في الاختيار إلى :
– تسلسل عناصر لا تتمتع بمصداقية ، وقدرة ، وكفاية تستخدم كل الأساليب للمحافظة على موقعها ، مكيافلياً تفكيرها غايتها تبيح وسيلتها وان رخصت ، تتمسك بالموقع من دون حساب لمصلحة المجتمع ، وجدية وكفاية الأداء.
– إخفاء الحقائق وتزييف الواقع تجميلاً له وتلويناً ، والمبالغة في الايجابيات وإخفاء السلبيات .
– تسخير الجامعة لخدمة القيادة .
– تحقيق أعلى مكاسب شخصية يتيحها الموقع .
ومرد ذلك إلى عدم موضوعية وجدية الاختيار ، واستمرارية النهج ، من دون تقويمه من قبل القيادات المسؤولة عن الاختيار ، وهذا يعكس عجز هذه القيادات عن وضع معايير موضوعية للاختيار ، لأنها خضعت للشروط ذاتها عند اختيارها ، فالحال من بعضه . وهذا أمر خطر بدأت نذره واضحة ، وهو يعكس حالة استخفاف بالعملية برمتها .
لقد نجم عن ذلك اختلال الأوليات في عمل الجامعة مما أدى إلى اختلال التوازن في الأداء ونوعية الإنجاز ، وتحولت جراء ذلك الأهداف الأساس إلى أهداف ثانوية ، وكذلك العكس تحولت الأهداف الثانوية إلى أهداف أساس . والأخطر من ذلك أن عملية التقويم التي تتم في غرف مغلقة منعزلة تتضمن معايير صماء ، لا تغني ولا تسمن من جوع ، قد غادرها الزمن ، فمثلاً تتضمن استمارة التقويم عدد المؤتمرات التي شارك فيها ، إن هذا المعيار قد لايعني شيئاً إذ قد تكون المشاركة ناشئة عن حضوته ونفوذه فيسخر كل ذلك لمصلحته ، أو قد تكون مشاركته شكلية ، كذلك فأن عدد البحوث لا يعني شيئاً بمقدار ما تعنيه الإضافات والنجاحات العلمية التي حققها .
ومهما يكن من أمر فهذه كلها معايير شخصية ، لا تعني أداءه الفعلي ، وهو المهم والاهم ، إذ إن التقويم يعكس مسيرة أدائه في خدمة الوحدة سواء أكانت قسماً ، أو كلية ، أو جامعة ، ماذا أدى إليها وما الذي حقق للارتقاء بمستوى الطالب سواء من حيث النوع والمحتوى ، فضلاً عن ذلك يعكس التقويم الموقف الذاتي للمقِوم من المقومَ ، فأن كان راضياً ، فعينه عن كل عيب كليلة ، وان كان ساخطاً ، فيده تدون المساويا ، فضلاً عن ذلك فإن عناصر التقويم لا تعكس المطلوب أداءه بموضوعية لذا يجب أن تحدد أدوار القيادات الجامعية وواجباتها بدقة ثم يبنى التقويم على أساس مهماتها وواجباتها .
أن ذلك ينطبق على كل المستويات ، وحتى التقويم السنوي للجامعات ، فالأمر لا يعدو أن يكون مسألة شكلية ، فالمسألة لا تتطلب إزعاج الآخرين وتسويء العلاقة معهم ، طالما إن الموضوع لا يتصل بشيء يصيب الادارة بضرر مباشر سوى :
. هدر في الجهد .
. هدر في الطاقات (التي يساء أعدادها) .
. هدر في الأموال .
من هنا تتضح خطورة إهمال الموضوع وتوسيده إلى غير أهله . ومن لم يصل إلى قناعة في ذلك دونه نتائج التقويم وعلى كل المستويات ، وليرى كم من الأمور غير الموضوعية فيها ، وأنها لا تتجاوز الشكلية والتقليد لما هو معمول به في الدول الأخرى وإهمالها أولى من أعمالها .
كل ذلك يستلزم إعادة النظر بواقع الإدارة الجامعية ، وصفا للدور الوظيفي ، وتحديداً للمواصفات النوعية والشخصية ، وتحديد المعايير الدقيقة والموضوعية للاختيار وتحديد آلياته والتقويم وبناء التقويم على أساس مهمات الموقع الوظيفي وواجباته .
إن كل ذلك ينطبق تماماً على المناصب في الوزارة بدءاً بالوكيل فنزولاً ، التي هي في حقيقتها وظائف فنية ومهنية ، تتطلب مهنيين، لأن غير ذلك يجعل الإدارة عكسية ، أي تكون هيمنة المستويات الإدارية الأدنى على القيادات الإدارية ، لأنها الأدرى بالتعليمات ، فهي التي توجه القيادات الإدارية .
وهنا يثار السؤال كيف تفرض هذه القيادة ذاتها على المستويات الأدنى ؟ إنها لا تمتلك أي معرفة ودراية بما يتطلبه العمل في هذه المواقع من خبره ومهارة والمام بالتعليمات والصلاحيات و… الأمر الذي يجعلها طائعة منقادة للمستويات الأدنى ، وهيمنة هذه المستويات عليها .
المدرس :
يعد التدريسي الركن الأساس في منظومة التعليم ، فلا تقوم المنظومة الابه ، وهو اشد عناصرها خطراً وتأثيراً في مسار العملية التعليمية . ذلك يفرض دقة اختياره وتهيئته ، واعداده ، فهو الذي يقوم ببناء القدرات لدى الطلبة التي أطرها المنهج ، وهو القدوة والمثل الأعلى و الحسن الذي يحتذي به الطلبة فبه يتأسون وبسلوكه يتأثرون .
ولو حاول المرء استعراض مدرسيه خلال مدة دراسته الأولية والعالية ، لأفرز عدداً محدوداً جداً ، من الذين درسوه ، تركوا أثراً في ذاته ، وهذا يعني إن التدريس ليس عملاً سهلاً ، فهو فن وقدرة ذاتية ومهارة تسندها خبرة ، وموهبة ابتداءً وهذا ما جعل بتكاملها وتتامها ترتقي فاعلية وكفاية بناء وتكوين وتطوير القدرات ، وبالتالي العملية التعليمية بمجملها .
وذلك ما جعل التدريسي الفعال أن يوصف بالندرة فما كل من حمل الشهادة عالم ، وما كل من دخل قاعة الدرس درس وعلم .
بعامة يمكن القول أن قياس فاعلية الجامعة ورصانتها يعكسه ملاكها التدريسي . لذلك فهو مسألة جوهرية ومطلب أساس لكل جامعة تبغي فرض ذاتها في المجتمع العلمي المحلي والعالمي وهي من ابرز مزايا المؤسسة العلمية التنافسية ، فهي مصدر نجاحها ، واهم عناصر قوتها .
لقد أدى ذلك بالجامعات التي ترمي إلى البقاء والاستمرار ، إن تولي اهتماماً خاصاً لملاكها العلمي ، ذلك انه أداة الإنتاج الأساس فيها ، وقد اتجه هذا الاهتمام بالتركيز العالي على الجوانب :
– الهيكل النوعي .
– العبء التدريسي .
وتتناول الفقرات الآتية هذه المجالات :
الهيكل النوعي :
يعبر الهيكل النوعي عن درجة ومستوى الأداء الفكري والعلمي للمؤسسة التعليمية فهو يعكس القدرات الفكرية لدى التدريسيين فيها . ويتكون هذا الهيكل في الجامعات العراقية من مستويات أربعة :
o مدرس مساعد
o مدرس
o أستاذ مساعد
o أستاذ
وهو يؤشر التدرج العلمي والقدرات الفكرية للملاك التدريسي في أي مؤسسة علمية تعليمية : ويلحظ أن أساس التقسيم اللفظي في هذه المسميات هو المدرس والأستاذ .
وهذا الملحظ يثير في النفس التساؤل أليس هم جميعاً مدرسين ؟ وسبب هذا التساؤل إن المدرس هو اسم فاعل من الفعل درس ، وهو لفظ دال على كل من يقوم بالفعل ، وهذا يعني انه لفظ دال على النشاط ونوعه ، وهو أمر يتساوى فيه جميعهم ، إن ما رسوا عملية التدريس .
عليه يمكن القول بأن تعبير مدرس يعكس الأداء ، ولفظ أستاذ يعكس النوع . والسؤال الذي يقفز هنا منبهاً ،على من يقع عبء التدريس ؟ إن التدريس يقع في الاساس على من بلغ شأوأ متقدماً في القدرة النوعية ، فهو بالتالي يقع على عاتق الأستاذ ، ولما كانت متطلبات التدريس متدرجة ، لذلك اشتقت الألفاظ الواصفة للدور على أساس درجة المشاركة ، فأطلق لفظ أستاذ مشارك اي انه يشارك نسبياً في بعض المهمات التدريسية – ، وأستاذ مساعد – أي إن مشاركته النوعية أدنى مرتبه من مشاركة الأستاذ المشارك وذلك على أساس نوعية ودرجة المشاركة .
تأسيساً فإن تعبير مدرس هو دلالة على النشاط وليس على النوع ، ويشترك فيه الجميع لذا يرى الباحثون ضرورة حذفه من المراتب العلمية المعتمدة في العراق ، واعتماد تعبير الأستاذ الأصل وما تفرغ عنه من أستاذ مشارك وأستاذ مساعد فقط وهو الشائع في اغلب الجامعات العربية .
وذلك بحسب طبيعة المهمات والدور لكل مستوى والفصل بين التدرج العلمي (المرتبة العلمية) والتدرج المهني (الدرجة الوظيفية) وهنا لابد من الإشارة إلى أن المشرع العراقي لم يفصل بين الوظيفة والدرجة العلمية ، فقد عد الألقاب العلمية وظائفاً ، في حين هي مواصفة نوعية للتدريسي .
ويقترح البحث تسمية مدرس مرتبة أولى ، مدرس مرتبة ثانية ، مدرس مرتبة ثالثة ، مدرس مرتبة رابعة ، لتحديد المرتبة أو الدرجة الوظيفية للمدرس الجامعي واشتراط مرتبة علمية معينة لشغل أي من هذه الوظائف ، مع تحديد اشتراطات نوعية لشغل كل من هذه الدرجات الوظيفية ( النشاط العلمي ، والقدرة الادائية ) والتأهيل الدراسي (الشهادة) ويقترح الباحثون أن تكون أدنى شهادة لشغل هذه الوظائف دكتوراه فلسفة أو ما يعادلها .
واعتماداً على تدرج المراتب العلمية يتحدد الدور الوظيفي ، وتتدرج المهمات التعليمية ، من حيث العبء التدريسي الأساس المباشر ، والأعباء الأخرى المساعدة ، أي تحديد دور لأستاذ ، والأستاذ المشارك ، فالأستاذ المساعد. وعلى أساس هذا التدرج في الأدوار والمهمات وحجمها ، يتحدد الملاك العلمي نوعاً وكماً .
وهذا يعني أن الوظيفة التعليمية يتكامل أداؤها من خلال ثلاثة مستويات ادائية تعكس الهرم الادائي لمهنة التدريس ( وهي تعكس نوع أداء كل مستوى ودوره وطبيعة مهماته) والذي يمكن تمثيله بالشكل الأتي :

شكل يبين الهرم الادائي للوظيفية التعليمية
أي ان المهمات تتباين حجماً ونوعاً واهمية في أي اتجاه سلكت صعوداً او هبوطاً ، فمهمة التدريس المباشر تتسع صعوداً ، والمهمات الاخرى المساعدة تتسع هبوطاً ، وان الوظيفة التعليمية تنجز بتكامل الاداء لهذه المستويات الثلاثة .
وهذا يعني وجوب المحافظة على نسب معينة من هذه المكونات الثلاثة لتتكامل العملية التعليمية ، وتؤدى بفاعلية وكفاية .
وهنا تجب الاشارة الى ان وظيفة مدرس مساعد يجب ان تكون خارج الوظائف التدريسية ، إذ هي من الوظائف المساندة التي تتصل بتهيئة بعض المستلزمات المساعدة ، والقيام ببعض المهمات التي يكلفه بها التدريسي .
ان تحديد نسب لكل من هذه المرتبات العلمية والوظيفية يعد مطلباً جوهرياً لنجاح العملية التعليمية وكفايتها ، فمثلاً الاستاذ يجب ان يتبعه عدد من الاساتذة المشاركين ، وكذلك عدد من الاساتذة المساعدين ، يساندهم عدد من المدرسين المساعدين ، وهذا التحديد للنوع والعدد هو ليس لتحديد نوع الاداء وحسب ، وانما هو ايضاً عملية اعداد التدريسي وتهيئته لاداء المرحلة التالية (المستوى العلمي والمهني الاعلى ) .
جدول (2) هيكل التدريسيون موزعون بحسب المراتب العلمية في الجامعات
مدرس مساعد % مدرس % أستاذ مساعد % أستاذ % مجموع
8617 3،45 4806 3 ،25 4065 4 ،21 1523 8 19011
المصدر : وزارة التعليم العالي ولبحث العلمي ، الاحصاء الجامعي 2006
لذا فإن هذا التدرج في المراتب العلمية يعد امراً لازماً للمحافظة على رصانة المؤسسة العلمية . ولتقدير مدى الرصانه في الجامعات يمكن الرجوع الى الجدول (2 ) ليلحظ بأن نسبة المدرس المساعد تمثل ( 3،45) من هيكل التدريسيين في عينة البحث وهذا مؤشر خطر على الاداء النوعي للمؤسسة التعليمية ، إذ المفروض ان الاعتماد الاساس في التدريس هو على مرتبة استاذ فالاستاذ المشارك ، فالاستاذ المساعد وان دور المدرس المساعد في اسناد العملية التعليمية لا يحتاج الى هذه النسبة الكبرى وانما الى نسبة بسيطة جداً ، فدورهم محدود جداً بخاصة في الدراسات الانسانية ، اما في الدراسات العلمية فلا يتعدى المختبر والمعمل . كذلك يظهر الجدول أن نسبة من هم بمرتبة مدرس تشكل (3 ،25) وهذا مؤشر غير جيد إذ يعني ان هؤلاء معظمهم تنقصهم الخبرة والقدرة النوعية ، والذي يعد سلبية اخرى على المؤسسة التعليمية إذ إن نسبة (6 ،70) (مدرس مساعد ومدرس) هم المكون الاكبر للتدريسيين في الجامعات وهو مؤشر سلبي ، ففي الجامعات الرصينة تكون نسبتهم ضئيلة جداً لذا ينبغي ان يشكلوا نسبة صغرى من الهيكل النوعي للتدريسيين ، وهذا مؤشر على حداثه الملاك العلمي للجامعات المبحوثه ، وقلة الخبرة والقدرة الادائية المحدودة . اما نسبة من هم بمرتبة استاذ مساعد فهي (4 ،21)، ومرتبة استاذ (8%) ، وهذا ايضاً مؤشر سلبي على نوعية الملاك ، فضلاً عن انه يعكس :
– اداء ً متدنياً .
– كلفاً عالية .
ولعل من الاسباب التي ادت الى ذلك :
– اتساع حجم الطلبة في الجامعات .
– التعيين العشوائي المفروض من الوزارة ، وعجز الجامعات عن عدم الاستجابة للوزارة (لان الموضوع لايهم المسؤولين طالما ان مكاسبهم ومصالحهم لن تضرر) .
ترتب على ذلك :
– وجود نسبة كبرى من العناصر غير المؤهله للتدريس والبحث .
– تدني نسب التدريسيين من حملة المراتب العلمية المتقدمة .
– تدني المستوى العلمي للخريج .
جدول (3)التدريسيون موزعون بحسب مستوى التأهيل
دبلوم % ماجستير % دكتوراه % المجموع
13 07 ،0 10863 14 ،57 8135 79،42 19011
المصدر : وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، الاحصاء الجامعي 2006
والادهى والامر من ذلك ، حينما تطلع على المؤشرات التي يريكها الجدول ( 3 ) اذ تجد ان النسبة الكبرى من هؤلاء التدريسيين هم من حملة الماجستير إذ يؤشر الجدول ان هذه النسبة تصـــل الى (14 ،57%) وان نسبة حملة الدبلوم العالي تمثل (07 ،0%) . ولعلك يصيبك الذهول فيما لو علمت ان هذه الــنسبة ( 14،57 %) (حملة الدبلوم والماجستير) ستزداد إذا ما دققت في حمــلة دكتـوراه ( والمقصود بها دكتوراه فلسفة ) لانك ستجد كثيراً ممن انظووا تحت لواء هذا المسمى (دكتوراه) هم دون ذلك فكثير منهم من حملة شهادات مساوية في الاستحقاق لحملة الماجستير ذلك انهم يحملون دكتوراه حلقة ثالثة من فرنسا اومن الدول التي تعتمد النظام الفرنسي (دول المغرب العربي) ، (وهنا يجب الاشارة الى ان معادلة الشهادة لاتعني الشهادة وانما المعادلة بالاستحقاقات) . لذا يوصي البحث بعدم جواز ذكر لفظة دكتور لمن يحمل مثل هذه الشهاده ، لقد ضلل ذلك كثيراً فلا يمكن تمييزهم عن حملة الدكتوراه بخاصة ممن يحمل لقب مدرس فاعلى فأضحى منهم من يشغل منصب رئيس جامعة وعميد ، ومساعد . وهي من المناصب التي يعد الحصول على الدكتوراه شرطاً اساساً لشغلها وهذا مؤشر على عدم امانة هؤلاء وتضليلهم فضلاً عن لا ابالية الوزارة ، وعدم تدقيقها في اوليات المرشحين لشغل المناصب أو الذين يشغلونها ، وهنا يوصي البحث بضرورة الرجوع الى الاوليات لهؤلاء وتدقيقها .

العبء التدريسي :
حددت القوانين والتعليمات النافذة ساعات الدوام الفعلي للتدريسي ، ومنها ساعات التدريس الفعلي في قاعات الدرس وخارجه ، وقد حددت هذه القوانين الأنصبة التدريسية بين (8) للأستاذ ،
(10) أستاذ مساعد ، (12) مدرس و (14) للمدرس مساعد . ولعل مبررات هذا التحديد هو تباين وتدرج نوع الأداء المطلوب من كل مرتبة علمية إذ قد يحتاج الأستاذ للأعداد للمحاضرة الواحدة وقتاً يعادل في الأقل ثلاثة أضعاف الوقت الذي يستغرقه في عرضها وتوضيحها في القاعة ، وهنا ينبغي الإشارة إلى إن وقت التدريسي يتوزع على سبيل المثال إلى :
– إلقاء المحاضرات (النصاب) .
– التهيئة والأعداد للمحاضرات .
– الاطلاع على التطورات العلمية في مجال الاختصاص .
– الاطلاع على التطورات العلمية في مجالات علمية أخرى .
– القراءة في المجالات العامة لزيادة الفسحة الثقافية لديه .
– البحث العلمي المعمق (ابتكار وإبداع علمي ، اختراع .. تطوير نظرية ، اكتشاف ، … ) .
– حضور المؤتمرات والندوات والتهيئة لها .
– تقويم البحوث والدراسات .
– تقديم الاستشارات والقيام بالدراسات لصالح مؤسسات المجتمع .
– إلقاء المحاضرات العامة .
– حضور بعض المنتديات الفكرية والثقافية العامة .
– الأشراف على طلبه الدراسات العليا .
والى غير ذلك ….
أن ملاحظة توزيع وقت التدريسي على هذه الفقرات ، يظهر بأن أعباءه كبرى ، وان مهماته ثقيلة ، الأمر الذي يدعو إلى إعادة دراسة واقع الأنصبة ، وتخفيضها لصالح المهمات الأخرى ، بشكل يتيح للتدريسي وقتاً وافياً لإنجاز هذه المهمات ، ذلك لما لها من دور مباشر في تطوير قدراته وارتقاء مستوى كفاية أدائه ، فضلاً عن ذلك ، ينبغي أن يراعى توزيع ساعاته التدريسية على أيام الأسبوع بالشكل الذي يحقق له أقصى إفادة من الوقت لصالح مهماته… .
وقد يبدو الموضوع غير مكتمل مالم تتطرق الدراسة إلى الترقية العلمية ، التي تعكس التطور النوعي للتدريسي ، فضلاً عن المقدرة الذهنية ، وهي بالتالي تبين عملية الانتقال واليته من مرحلة إلى أخرى . وتشترط التعليمات شروطاً خاصة لكل ترقية ، تشترك جميعاً في قضاء مدة محددة في مرتبة معينة أساساً لاستحقاق الترقية للمرتبة العلمية التالية ، فضلاً عن اشتراطات عدد من البحوث التي يجب أن تحصل على تقييمات معينة . ومما تجدر الإشارة أليه أن البحوث مهما ارتقت تقييماتها حتى اذا كانت جميعاً ذات تقدير أصيل ، فإن التدريسي لا يرقى إلا إلى المرتبة التالية .
ولما كان البحث مخاضاً فكرياً وعملية ذهنية فهو تعبير ودالة عليها ، إذ يبين مقدرة التدريسي وإمكاناته . ولما كانت الترقية العلمية هي دالة على القدرات العقلية والتفكيرية ، فأن البحث يرى :
– عدم اشتراط قضاء مدة محددة في مرتبة علمية معينة اساساً للترقية الى المرتبة التالية ، او اية مرتبة يستحقها الباحث بالاستناد الى امكاناته .
– جواز الارتقاء من أدنى مرتبة علمية الى أعلى مرتبة علمية في سلم الترقيات العلمية دونما اشتراط المرور بالمرتبات السابقة ، طالما ان الترقية هي مقياس القدرات العلمية والعقلية للتدريسي ، أي انها مقياس نوعي .
– ان يذكر في استمارة الترقية العبارة : ما هي الدرجة التي يستحقها الباحث ، بدلاً من العبارة : هل يصلح للترقية الى درجة كذا (أي الدرجة التالية) ، فالترقية اشبه ما تكون بالامتحان الذي يحدد على أساسه استحقاق الممتحن .
– ان يتم تقويم البحوث للترقية مباشرة بعد قبولها للنشر وليس اشتراط ان تقدم البحوث للترقية جملة واحدة .
– عدم اشتراط نشر البحوث اساساً للتقديم للترقية والاكتفاء بالقبول للنشر لايخضع لارادة الباحث ، وانما لارادة هيئة التحرير ، وان الاستحقاق يكون بإنجاز البحث وقبوله.
الطالب :
إن الطالب هو مبرر وجود التعليم العالي ، ومادته الاولية ، فضلاً عن انه (الخريج) أداة تطور المجتمع وتقدمه ، وهو أهم مواد ومدخلات العملية التعليمية . وهذا يفرض الاهتمام والعناية به تنشئة وتعليماً ، وبناء شخصيته وتحديد سماتها الوطنية والاجتماعية والثقافية والإنسانية ، وإكسابها مهارات وأنماط سلوكية ، وثقافية ، واعداده أعداداً نوعياً علمياً ومهنياً .
فالطالب هو حلقة الوصل بين الجامعة والمجتمع ، فالجامعة هي جسر العبور للطالب إلى الحياة العملية ، وخطرها يكمن في مرحلة العبور ، إذ هي التي تشكل الصورة المستقبلية للمجتمع القادم وصحة تكوينيه الفكري والثقافي . وهذا يبين عظم وجسامة المهمة التي تضطلع بها الجامعة وخطرها ومسؤولياتها التاريخية ، وخطر دورها في التأثير في مسارات المجتمع .. وهنا يقتضي الإفصاح عن ان الجامعة هي إحدى حلقات تكوين الطالب وليست الوحيدة ، فالطالب يعد وتبنى قدراته في المراحل التي تسبق التعليم الجامعي ، وعلى أساس هذا الأعداد تبنى قدرات واتجاهات الطالب ومواقفه وتتحدد توجهاته ، وهي بالتالي التي قد تسهم مباشرة في تحديد مستقبله في الدراسة العالية .
وهنا لابد من القول بأن الدراسة لاتتوقف على قدرات الطالب (التي يوضحها كشف درجاته) وحسب ، وانما على ميوله ، لذا فأن تحديد الاتجاه المستقبلي له يجب ان يقوم على هذا الاساس ، أي انه لا يجب ان يتم القبول على اساس درجاته فقط ، ولا على اساس رغبته ، لان معظم الطلاب لا يدركون ذلك ، وانما يتأثرون بالآخرين وبالموجات او الصرعات التي تجتاح وسطهم ، وتؤثر في اختياراتهم .
عليه يجب ان تستند اساليب اختيار الطلبة للمجال المعرفي الذي سيدرسون فيه على اسس علمية ومعايير موضوعية يتم اختيارها بعناية ودقة متناهية ، وعبر دراسات معمقة ، واطلاع على تجارب امم البناء (أي التي تهتم ببناء مجتمعها ومستقبلها) ، وان تعد من قبل متخصصين ، والاستعانة ببيوت الخبرة العالمية في هذا المجال ، والاطلاع على سياقات ذلك في الجامعات الرصينة ، فما ينصحك مثل خبير حكيم ، فالبشر ليسوا سواء في مجال ذلك ، ولا عيب في تقدير الذات ، والاعتراف بذلك ، ولكن العيب والجريمة في نكران ذلك . على أن تتم الإفادة من ذلك وتكييفها مع ما يلائم الواقع ، لا النقل الحرفي والاستنساخ ، ثم التطبيق الشكلي ، فقد طبق ذلك في إحدى الجامعات .ومنذ أواخر الثمانينيات ولكن شكلياً وحسب وذلك باعتماد اختبار كشف القدرات العقلية للطلبة لتحديد إمكانية نجاحهم الاني- أي في أثناء الدراسة – والمستقبلي أي نجاحهم وتفوقهم وتميزهم في اثناء العمل .
ان هذه الاختبارات تبنى على اساس كشف مدى قدرة الطالب على الدراسة والنجاح في مجال معرفي معين ، فضلاً عن انه يجب الاخذ بالحسبان ميل الطالب ورغبته لتحديد مساره الدراسي المستقبلي ، وهناك اختبارات اخرى يمكن ان تحدد نوعية الدراسة والمجال الذي يصلح له الطالب .
عليه يجب اعادة النظر في سياسات القبول في الجامعات وعدم اعتماد القبول على اساس ما تفرضه الحاسبة الذي ادى بالتالي الى تخريج اميين ، والتي تبدو واضحة جداً بخاصة في الدراسات : (اللغات : عربية – انكليزية … ، الرياضيات الفيزياء ..) وغيرها مما انعكس اثره بشكل غير مباشر في مدخلات الجامعة ، إذ باتت نوعيات الطلبة متدنية في هذه المجالات ، وذلك لانخفاض مستوى الاعداد في مرحلة ما قبل الجامعة ، وهذا ما سيؤدي الى التنامي الهندسي باساس سالب ، فتتفاقم المشكلة ويزداد خطرها .
ويرى البحث ضرورة الاهتمام بدراسة واقع الدراسة في المراحل السابقة للجامعة ، والاهتمام بها معلمين ومدرسين ، واساليب ومستلزمات … بسبب تدني مستويات مخرجات التربية . ولمعالجة ذلك يقترح البحث :
– تقسيم الدراسة في الجامعة الى مجالات تضم مجاميع من الكليات التي تنضوي تحت هذا المجال .
– القبول على أساس هذه المجالات ، على اساس سنة تحضيرية يتم فيها بناء وتكوين الطالب ، وسد العجز في قدراته المعرفية (بسبب عجز النظام التربوي) .
– في المرحلة السابقة تكون توجهاته اكثر تبلوراً ووضوحاً فضلاً عن تطور قدراته المعرفية .
– اعتماد اختبار كشف القدرات العقلية واعتماد نتائجها ونتائج السنة التحضيرية فضلاً عن الميول لتحديد التخصص الدراسي الذي يصلح له ويحقق نجحاً فيه مستقبلاً .
إن في ذلك لحد للهدر في القدرات والطاقات وجعله في حدوده الدنيا ، وإنعاش سوق العمل بقدرات متميزة . هذا في مجال القبول وأسلوبه ، وأسسه ، وسيتم الحديث عن التخطيط للقبول في الاتي :
تخطيط القبول :
تضع الدول التي تتبنى نمط التخطيط المركزي الشامل تخطيط القبول واستحداث الاقسام العلمية والكليات على أساس احتياجات قطاعات الدولة من القوى العاملة ، اما في الدول التي تعتمد الية السوق في تحديد الاحتياجات من القوى العاملة ، فان الآلية ذاتها هي التي تحكم تخطيط القبول واستحداث الدراسات . فتخطيط القبول يبنى على أساس توقع الاحتياجات المستقبلية من القوى العاملة واستشراف المستقبل . اي ان احتياجات السوق هي العامل الأساس في تحديد اتجاه الطلبة نحو الدراسات ذات الطلب العالي في السوق .
اما الواقع فيعكس ، عدم وجود تخطيط على مستوى حجم القبول ونوعه وكذلك الحال في استحداث الكليات والاقسام العلمية فلا يكون على أساس الحاجة الفعلية لقطاعات الدولة . فما يسمى تخطيط القبول في و. التعليم العالي والبحث العلمي ، لا يبنى كما في الدول ذات نمط التخطيط المركزي الشامل ، ولا على أساس آلية السوق ، وانما يقوم فقط على أساس حجم الطاقة الاستيعابية مع زيادات نسبية عن السنة السابقة ، وذلك لاستيعاب الزيادة في الخريجين الذين يتقدمون للدراسة ، اما حجم ونوع الدراسة فلا تأثير له ، وهذا يؤشر مستوى الجهل وإللا مسؤولية لدى الأجهزة المسؤولة عن ذلك في و. التعليم . وسبب ذلك ان معظمهم ان لم يكن جميعهم تدريسيون جيء بهم لغرض الحصول على مزايا المنصب المعنوية والمادية ، وما يوفره لهم المنصب ، فهم ليسوا مهنيين يمتلكون المهارة فضلاً عن عدم توافر أي خبرة لديهم ، والانكى من ذلك فإنهم لم يعدوا اعداداً مهنياً ، وهذا قد لا ينطبق على و. التعليم بخاصة وحسب وانما قد ينطبق على الوزارات الاخرى بعامة في مجال التخطيط للاحتياجات.
اذن بعامة فأن تخطيط القبول في و. التعليم العالي ما هو الا حجم الطاقة الاستيعابية ، للجامعات والمعاهد وحسب – وهذا سيؤدي الى :
– بطالة نوعية – تقوم على أساس عدم اشتغال الخريج في أعمال تلائم تخصصه .
– هدر بالطاقات والأموال والوقت .
ولقد استمر الحال كما هو عليه في المرحلة الحالية ، للسبب ذاته الذي سبق فقد تبوء مواقع المسؤولية في الوزارة ملاكات غير مؤهلة ، فضلاً عن عدم امتلاكها القدرة وانما يجري اختيارها على أساس الترشيحات التي ترفع والقائمة على أساس المعارف والاصدقاء بعيداً عن القدرة والكفاية.
اما استحداث الكليات ، فانه لا يقوم ايضاً على أساس الحاجة المتوقعة ، والقائمة على اساس استشراف المستقبل ، وانما تقوم :
– على اساس توافر عدد من التدريسيين في تخصص معين ، وبمراتب علمية ، تهئ الاساس القانوني لاستحداث هذا القسم .
– رغبة ادارة الجامعة باستحداث كليات معينة ، لانه بحسب تصوراتهم ان الجامعة يجب ان تضم جميع التخصصات (تكامل الجامعة) .
– تكاليف مضاعفة من حيث :
• كلف الدراسة التي تحملتها الدولة في الدراسة الجامعية .
• فرق الاجر الذي يتقاضاه خريج الكلية مقارنة بالاجر الذي يتقاضاه خريج الدراسة الاعدادية ، وذلك عند تعيين خريج الكلية بعمل لا يتوافق مع تخصصه فهو يعمل بمستوى خريج الاعدادية .
لقد انعكس ذلك وجوداً لكليات تفوق حاجة البلد من هذا التخصص ادى ذلك الى:-
– ضياع الجهود في تخريج ملاكات لا تتوافر حاجة لهم .
– تحميل الدولة عبء توفير وظائف لهؤلاء
– وجود موظفين يحملون تخصصات لاعلاقة لها بالعمل الذي يمارسونه ،(بطاله نوعية )
– الامر الذي حمل الميزانية اعباء مالية غير مبرره .
وفي هذا الصدد يوصي البحث باعتماد الية السوق في تخطيط التعليم العالي ، الذي يقوم على اساس استشراف حركة التطور التكنولوجي وتأثيرها في تطور سوق العمل ، وتحديد الاحتياجات كماً ونوعاً على هذا الاساس ، ومن ثم بناء خطط قبولها ، وهنا يوصي البحث بالإسراع بأعداد وتهيئة متخصصين في مجال التخطيط التربوي واكسابهم المهارات اللازمة ، على ان يتم اختيارهم بدقة وموضوعية وعلى اساس الكفاية .

مجالات الدراسة :
نجم عن سياسات القبول على اساس الطاقة الاستعابية للجامعات وعدم اعتماد التخطيط العلمي السليم القائم على اساس الحاجة الفعلية لسوق العمل ، الى ارتفاع نسب القبول في كليات تكون الحاجة الى خريجيها في ادناها ، في حين تجد العكس في الكليات ذات الحاجة السوقية العالية

جدول (4) يبين اعداد الطلبة الموجودين في الكليات وموزعين بحسب تخصص الكلية
كليات علمية 74366 9 ،37%
كليات انسانية 121679 1 ،62%
المجموع 196045 –
المصدر : وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الاحصاء الجامعي 2006
فمثلاً تجد ان نسبة الطلبة الموجودين في الدراسات الانسانية تصل الى (1 ،62%) كما يضهر من الجدول (4) ، وهذا على حساب الموجودين في الدراسات ذات التخصصات العلمية والتطبيقية ، وهي الكليات التي تعد الاساس في التقدم العلمي والتكنولوجي إذ بلغت نسبتهم (9 ،37%) . وهذا الاتجاه الواسع جداً في القبول في الدراسات الانسانية لم يقم على اساس رغبة الطالب ولا على أساس حاجة السوق ، بل إن ذلك ناجم عن عدم التخطيط السليم في القبول والاستحداث العشوائي للكليات التي تكون الحاجة الى مخرجاتها محدودة جداً ، فضلاً عن التوسع بالبعثات والزمالات والإجازات الدراسية لتخصصات غير مطلوبة كل ذلك بسبب عدم التخطيط السليم ، والذي يجب ان يقوم على أساس استشراف حركة السوق واتجاهها وتحديد نوع القدرات المتوقع ان يكون الطلب عليها وحجم هذا الطلب وتهيئة المستلزمات ، على اساس ذلك مما ادى الى:
– التوسع في استحداث الكليات الإنسانية على حساب الكليات العلمية والتطبيقية والتكنولوجية .
– ارتفاع نسب خريجي التخصصات الإنسانية .
– هدر بالجهود والطاقات .
– بطالة نوعية
– كلف ضائعة عالية
– تضخيم هيكل الدولة بموظفين محدودي القدرات ( يعملون فعلياً بمستوى تأهيل الثانوية لعدم الافادة من تخصصاتهم )
– اجور عمل عالية(ناجمةعن العمل في غير التخصص،والذي يعني العمل بمستوى خريج الاعدادية ) ولذا يفترض ان يكون الاجر بهذا المستوى.

سوق العمل :
يعد سوق العمل المتغير الأشد تأثيراً في تحديد اتجاهات مخرجات العملية التعليمية ، فهو المستقبل لهذه المخرجات ، فمنه تتحدد القدرات المطلوبة في الخريج ( مواصفات القوى العاملة المطلوبة ) ، واليه تؤول ، ان تغير متطلبات السوق ، يشكل ضغطاً كبيراً على الجامعات يمكن وصفه بانه ضغط يتزايد باستمرار ، يتطلب اجراء دراسات مستمرة ومتتابعة لتحديد مواصفات المخرجات التي تتغير باستمرار ، بسبب التطور المتسارع في احتياجات سوق العمل ، إذ هو ناجم عن التطور المتسارع المستمر في مجال العلم ، التي أضحت تنعكس تطوراً سريعاً في مجال التكنولوجية ، الامر الذي يفرض على الجامعات ان تقوم بدراسات تستشرف قوة العمل المطلوبة مستقبلاً ، متخذة من التطورات العلمية المتوقعة ، التي ستتحول إلى تطور تكنولوجي ، متغيراً مؤثراً ومحدداً لمواصفات قوة العمل االمتوقع الطلب عليها .
غير ان الواقع لايبين ذلك ، فالجامعات والمؤسسات التعليمية بوادٍ ، وسوق العمل بوادٍ اخر ، ولا صلة بين الواديين ، فاستحداث الكليات والاقسام العلمية ، وتحديد الاعداد من الخريجين لايحكمه السوق ، وانما تحكمه امور اخرى لا علاقة لها بالسوق ، وقد سبق تبيانها في المحور السابق لذلك تجد ان الجامعات تخرج افراداً الافادة منهم محدودة ، وان مؤهلاتهم لاتمكنهم من العمل في المؤسسات المجتمعية ، لذلك نجد ان مؤسسات الدولة مترهله بهم .
بعامة فإن المنطق يفرض وجود حالة من التوازن بين متطلبات سوق العمل وبين ما توفره المؤسسات التعليمية من ملاكات بالكم والنوع .
عليه يقترح البحث ان يكون هناك تعاوناً وثيقاً بين الجامعات ، وسوق العمل لتحديد مواصفات القوى العاملة المطلوب اعدادها ، فسوق العمل يحدد الطلب الكمي والنوعي للقوى العاملة ، الذي ينجم عنه انحسار الطلب على تخصصات ، في حين قد يتسع لتخصصات أخرى ، الذي ينعكس على اتجاهات الطلب على التعليم العالي .
التسهيلات :
لا تكتمل العملية التعليمية ، ما لم يتوافر لها في الجامعة ، المستلزمات الضرورية الاخرى ، التي تعد مطلباً جوهرياً يعين الوسط الجامعي على التطور ، ويؤثر بشكل مباشر في مستوى التدريس ونوعه ، ويوفر للطالب مصادر الاستزادة عما أكتسبه في المحاضرة ، وعوامل توكيد تدعم ما تعلمه في قاعة الدرس . مثل ، المكتبات ، المختبرات ، المعامل ، وسائل الاتصال ، والشبكات الدولية … .
المكتبات :
تعد المكتبات رافداً مهماً داعماً للتدريسي ، والطالب لما يجب ان توفره من معلومة من خلال المطبوعات التي يفترض تحديثها باستمرار بتغذيتها باحدث الاصدارات في مجال العلوم التخصصية بخاصة ، وفي المجالات العلمية والثقافية بعامة .
غير ان الواقع يظهر افتقار المكتبات الى الاصدارات الحديثة فمعظم مكتبات الجامعات المبحوثة تتوافر فيها المصادر القديمة بنسبة كبرى ، فمعظمها يرجع الى زمن قد غادره التاريخ منذ امد بعيد ، إذ قد لا تبلغ الاهمية النسبية للموجودات المكتبية الحديثة نسبة تذكر الى موجود المكتبة فمعظمها قديم متقادم قد غفا عليه الدهر ، فضلاً عن ذلك كشف البحث عن ان بعضاً من هذه المكتبات يضم كتباً يجب ان لاتضمها مكتبة جامعية ، وهذا يعطي انطباعاً عن عدم ايلاء الاهتمام الكافي للحصول على الكتاب العلمي . فقد اوضح بعض المبحوثين من منسوبي المكتبات انهم هم الذي يتسوقون الكتب ويحددون المطلوب منها ، وهذا يعني ، ان اقتناء المطبوع لا يقوم على اساس الموضوع ، والكاتب ، وجهة الإصدار وسنته وقرار القسم العلمي ، وانما على أساس رؤية وإدراك الموظف المسؤول عن ذلك في المكتبات .
ولتجاوز ذلك يقترح البحث ان تشكل في كل جامعة لجان متخصصة من ذوي الاختصاص والاطلاع والمتابعة لما يصدر عن دور النشر تكون مسؤولة عن تحديد نوع المطبوعات المطلوبة وتحديد جهات الاصدار ، والكاتب – أي التحديد الدقيق لمواصفات المطبوع المطلوب – على ان تكون على مستوى القسم العلمي ، وعلى مستوى التخصص العام والدقيق .
كما يلحظ على نوع وطبيعة الخدمات والتسهيلات التي تقدمهما المكتبة ، انها متدنية جداً ، فضلاً عن نوع التعامل وطبيعته ، مما يؤشر عدم الاهتمام بملاكات المكتبات من حيث النوعية والاعداد والتأهيل .
بعامة ان المكتبات الجامعية تعاني من عجز كبير من المستجدات في مجالات الكتب والنشريات والدوريات العلمية ، كذلك تخلف الاجراءات ونوعية الملاكات العاملة فيها .
وسائل الاتصال (الشبكات الدولية) :
تعاني الجامعات من تلكؤ بين في مجال الاتصالات (الشبكات العالمية) ، التي تعد رافداً اضافياً بل اصبح اساساً في تزويد الطالب والأستاذ بالمعلومة ، الانية، ففضلاً عن عدم تناسبها مع حجم المستفيدين من خدمتها ، فإنها ليست مجانية وانما مقابل اجور تدفع من المستفيد لصالح الجامعة ادارة ومنسوبين ، في الوقت الذي يصرف عليها من موازنة الدولة ، وهي خدمة من مجمل الخدمات التي يجب ان تقدم للطالب والتدريسي ، ومن الأمور المهمة التي يجب التنبيه اليها ، ان اجور الاستخدام ليست قليلة ، فقد يصعب على بعضهم دفعها ، لقد جاء ذلك بسبب ايجاد مصادر لصندوق التعليم العالي ، وذلك لدعم المنسوبين من رئيس الجامعة الذي يستلم اعلى مبلغ فنزولاً الى ادنى موظف والذي يستلم اقل المبالغ من صندوق التعليم العالي لذلك لايعترض على ذلك احد طالما انهم جميعاً مستفيدون ، لا بل ان بعض الجامعات اتجهت نحو استخدام هذه الوسيلة لتنزيل النغمات للهاتف الخليوي والصور ، و … ، لابل اكثر من ذلك اتاحة الفرص لاجراء الاتصالات مع الاقارب والمعارف عبر هذه الشبكات كتابة ومحادثة ، ولكل سعره وكلفته مما ابتعد بالوسيلة عن سبب وجودها ومبرره .
وهنا يقترح البحث ضرورة جعل هذه الخدمة مجانية ، وتوسيعها لتستوعب حجم الحاجات اليها وتناسبها مع طلابها من التدريسين والطلاب والباحثين في الجامعة ، وان يقوم ذلك على اساس دراسة جادة . فضلاً عما تقدم يلحظ تخلف الشبكات في بعض الجامعات وبطئها ، واستمرار انقطاعها ، ومما يلحظ على بعض الجامعات عدم اهتمامها التام بها فقد كشف احد المبحوثين بأن الشبكة قطعت عن المكتبة وعن بعض الكليات الأخرى وعن بعض مرافق الجامعة الاخرى اكثر من ثمانية اشهر ولم يثر ذلك اهتمام المسؤولين ، ولم يعمل في هذه الجامعة سوى موقع واحد لانه يدر اموالاً على الجامعة ولو احصيت رواده لوجدت النسبة الكبرى منهم من غير الطلبة والتدريسيين في الجامعة لابل انهم ليسوا من الجامعة اصلاً.
المختبرات والمعامل :
تعد المختبرات احدى المرتكزات الاساس لتعليم الطلبة ، ولاجراء التجارب الخاصة للدراسات والابحاث التي يقوم بها التدريسيون ، الامر الذي يفرض تطويرها باستمرار باستخدام احدث المستجدات من اجهزة ومعدات .
غير ان المتابعة الميدانية تسمع صراخ هذه المختبرات والمعامل وعويلها على حالتها مفصحة عن واقعها ، قائلة ليست المكتبات وحدها المظلومة والمهملة من قبل الادارة ، بل انا الاشد ظلامة ، فالأجهزة متخلفة ومتقادمة فضلاً عن انها غير محددة على وفق ماهو موجود في مختبرات الجامعات الرصينة والاحتياجات الفعلية ، لابل ان بعضها لديها خزين من اجهزة غير مستخدمة ، ولا يعلم عنها احد شيئاً ولماذا اشتريت ، وهذا يرجع الى عدة اسباب قد يكون منها :
– ضعف الصلة او انعدامها ولاتصال والتواصل العلمي مع الجامعات الاخرى الوطنية والاقليمية والعالمية ، بالنسبة للتدريسيين .
– عدم تخطيط الاحتياجات للأجهزة والمعدات والمواد المختبرية على أساس الدراسة المتأنية وتحديد الحاجة الفعلية وتقدير حجمها ، وانما على اساس رأي رئيس القسم وبعض التدريسيين ذوي العلاقة الحسنة مع العميد ورئيس القسم وذوي النفوذ ، وقد يكون التحديد في معظم الأحيان للأجهزة اما على اساس حاجة رئيس القسم وبعض التدريسيين لتجارب يجرونها هم لبحوثهم الخاصة او ان تكون ميزة تنافسية يتنافسون بها للحصول على طلبة الدراسات العليا لان هذه الأجهزة حكر لرئيس القسم ، أو للتدريسي المسؤول عن المختبر أو لكليهما ، هذا فضلاً عن مصدر اخر للأجهزة والمواد مثل وكلاء الشركات المجهزة ومدى علاقتهم برئيس القسم أو بالعاملين ، فهي قد لاتقوم على اساس الحاجة الفعلية لمتطلبات التعليم المختبري وانما على قدرة اولئك الوكلاء على الاقناع لترويج سلعهم .
– لذلك تجد كدساً من الاجهزة المخزونة التي لايعلم عنها احد وذلك يرجع الى عدم تخطيط شرائها أواستيرادها ، القائم على الحاجة الحقيقية والفعلية ، وانما لمسألة رأها التدريسي الذي طلب شراءها ، ونقل او ترك العمل قبل ان تصل هذه الاجهزة او المواد التي حددها فضلاً عن ذلك ارتجالية تحديد الاحتياجات وسرعته.
– كذلك وجود تخصيصات يفترض ان تصرف، لان التخصيص في كثير من الاحيان لا يقوم على اساس الحاجة الفعلية وانما على رأي وتقدير ر. الجامعة ، العميد ، ر. القسم (وهذا ينطبق على معظم التخصيصات المالية) ، فيقوم المسؤولون بالشراء العشوائي (غير المخطط سلفاً) لصرف المبلغ فقط ، وكأن المبلغ قد جاء من بلد اخر او انه كسب ، ولا يفكرون بانه صرف غير مبرر وهدر في ثروة البلد.
ويوصي البحث في هذا المجال بتشكيل لجان مركزية تتولى المتابعة الأشراف على عمليات جرد الموجودات المختبرية في الجامعات ، واتخاذ ما يقتضى على وفق ما ستظهره من نتائج.
واستدراكاً لما لم يطرح ، فان حجم هذه المختبرات والمعامل لا يتناسب وحجم الطلبة ، في بعض الجامعات .
المستلزمات الأخرى :
لايقل دور المستلزمات الاخرى في بناء الطالب وتكوينه العلمي والنفسي والثقافي عن دور المستلزمات التي تقدم بيانها ، إذ تعاني الجامعات بعامة من عدم توافر نوادي ومنتديات للطلبة وكذلك التدريسيين ، فضلاً عن عدم توافر التسهيلات في مجال الانشطة اللاصفية مثل الرسم ، والموسيقى ، والاهتمام بالنشاط الرياضي ، ووسائل التسلية الاخرى. الامر الذي يوجب الاهتمام بذلك وعده مسألة اساساً لاتقل أهمية عن الاهتمام بالجانب العلمي للطالب .
المنهج :
يعد سوق العمل المصدر الأساس لتحديد حجم الطلب على القوى العاملة ونوعه ، يتجسد ذلك بتحديد القدرات المطلوب توفيرها من المؤسسات التعليمية . ان إعداد هذه القدرات يتم إنجازه من خلال العملية التعليمية ، والتي إحدى أدواتها واهمها المنهج . إذ يتم ترجمة هذه القدرات وتحديد متطلبات بنائها ومستلزمات التكوين والأعداد ، ويتم ذلك بتحديد مكونات المنهج ، وتحديد مفردات كل مكون من مكوناته التي بالتالي تسهم في بناء هذه القدرات بتعبيرٍ اخر ، فان احتياجات سوق العمل من القدرات النوعية في الافراد ، تحول الى حاجات تعليمية ، ثم تحديد مكونات المنهج النوعية ، وما هي المفردات التي يضمها كل مكون . ان هذا يفرض ان لا يحدد المنهج ويعد ، بمعزل عن سوق العمل ، بل ان سوق العمل هو المصدر الاساس لتحديد المناهج واعدادها فضلاً عن المصادر الاخرى التكميلية . وفي هذا المجال قد تكون الإشارة الى ما جاء بمقترحات اليونسكو حول المناهج ذات نفع ، فقد حددت اليونسكو مراحل اربع لاعداد وتطوير المنهج (كريشان ، 105) :

– المرحلة الأولى :
تتصل هذه المرحلة بالقدرات المطلوب تحقيقها في المتخرج ، مع الاخذ في الحسبان الحاجات الاجتماعية والاقتصادية . ويمكن تحقيق ذلك من خلال :
– وصف العمل وتحليله الى خطوات تؤدي الى تنفيذ العمل .
– التنبؤ بالتطورات التكنولوجية ذات الصلة بالعمل .
– تحليل الواجبات وتفاصيلها ، وتحديد نوع الاداء المطلوب ودرجة صعوبته.
– وضع الأهداف التعليمية العامة .
– وضع الاهداف المساعدة (الخاصة) .

– المرحلة الثانية :
يتم في هذه المرحلة تهيئة عناصر المنهج في ضوء الاهداف المحددة في المرحلة السابقة ، بالاستناد الى نظريات التعليم والتعلم ، على ان يكون بناء المنهج على اساس تحقيق التعلم .
– المرحلة الثالثة :
تقويم نقدي للمنهج من قبل الخبراء في الحقل التخصصي على ان يتم التعديل في ضوء ارائهم ، ثم تعاد اليهم بعد أجراء التعديلات المطلوبة لغرض المصادقة قبل اعتمادها .
– المرحلة الرابعة :
ويجري في هذه المرحلة اختيار عينة معينة من المتعلمين لتطبيق المنهج ، ويجري التعديل او الاعتماد النهائي في ضوء ذلك .
ومن الجدير بالإشارة الى انه بالإمكان الاستعانة باللجان الاستشارية والخبراء ، و … في عملية اعداد وتطوير المنهج .
غير ان الواقع وما أدراك ما الواقع ، يؤشر غياب العلاقة بين الجامعة والمجتمع (سوق العمل) ، الآمر الذي يجسد انعدام الترابط بين المنهج والواقع ، إذ يقوم أعداد المنهج وتحديد مفرداته على اساس مقترحات يطرحها مدرسو المواد ، وتقدم هذه المكونات والمفردات الى اللجان القطاعية ، لمناقشتها واقرارها بعد ذلك وقد تضاف مادة او تلغى اخرى بناء على وجود تدريسي يرى اضافتها ليقوم بتدريسها او الغائها لعدم وجود من يدرسها ، والغاء غيرها على ذات الاساس ، أي ان المنهج يعد مكونات ومفردات ، في جزيرة نائية بعيدة عن الساحل ومعرفة ما يجري فيه ، لا جسر يربط بينهما ولا وسيلة تحقق الاتصال والتواصل بينهما . لذلك تجد معظم المناهج تتجه الى تكديس المعلومات لدى الطالب ، فهي لم تبن على اساس الحاجة الفعلية للمجتمع ، ولا تعد الخريج لممارسة دور ما في الحياة ، فهي لم تحدد على اساس تكوين الفرد بما يوافق حاجات المجتمع ، بل تبنى على اساس اجتهاد الكلية فالقسم ، فالتدريسي .
تأسيساً يلحظ ان الجامعات تخرج سنوياً الاف من الافراد الذين لا يمكن الافادة من مؤهلاتهم بصورة ملموسة في المشروعات الصناعية والزراعية والخدمات … مباشرة وهذا مؤشر خطر على الخلل الكبير في نظم التعليم والمناهج ، فلا يمكن اعداد الملاكات بعيداً عن سوق العمل وتحديد احتياجاته ، والا فإن ذلك يمثل هدراً في الاموال والجهود ، وتعطيلاً للطاقات ، واعاقة لتطور المجتمع وتقدمه .
والامر الذي زاد المشكلة تفاقماً هو عدم وضوح او امتلاك مؤسسات الدولة والمجتمع ، تصوراً مقدماً عن حجم ونوع القوى العاملة المطلوبة ، وقد سبقت الاشارة الى ذلك .
بعامة توجد فجوة واسعة بين المتخرجين (كماً ونوعاً) ، وبين الحاجة الفعلية ، الامر الذي يفرض اعادة اعداده وتأهيله بعد تخرجه وتهيئته لممارسة العمل .
وفي هذا المجال يرى البحث ((ان المناهج الجامعية تختلف في مكوناتها ومضمونها عن تلبية احتياجات المجتمع ، وعن مواكبة التطورات العلمية )) .
عليه يوصي البحث بـ :
– التنسيق مع سوق العمل لتحديد حجم ونوع قوة العمل المطلوبة .
– الاتصال والتواصل المستمر بين المؤسسات التعليمية وبين مؤسسات المجتمع لتحديد موصفات الملاكات المطلوبة .
– التفاعل مع مؤسسات المجتمع عن طريق اشتراك التدريسيين بالعمل في هذه المؤسسة بهدف اكتساب الخبرة والمهارة ، وحل المعضلات التي تواجهها ميدانياً فضلاً عن التعرف على الاحتياجات من قوة العمل المطلوبة كماً ونوعاً .
– إعداد المناهج على اساس بناء القدرات المطلوبة لاتكديس المعلومات والمعارف .
– المراجعة المستمرة للمناهج لاعادة التوازن فيها لتتوافق مع حاجات السوق.
التقويم :
يعد التطور سمة العجز والقصور ، فمهما اوتي البشر من قدرة على التخيل والتخمين ، يبقى عاجزاً عن بلوغ الكمال ، فالبشر قدرتهم محدودة وان تفاوتوا في ذلك وأحاطتهم ناقصة ، فلا يدركون كل المتغيرات ، معروفها وطارئها ، وان الواقع خير دلالة على ذلك ، فانحراف الاداء دالة عجز التخطيط . عليه فإن التقويم هو المدخل الاساس للتطوير ، والتطور هو اساس بقاء المنظمة واستمرارها . والمؤسسات التعليمية ينطبق عليها ما يسري على المؤسسات بعامة فالمتتبع لمسيرة التعليم العالي في العراق بخاصة في العقود الأخيرة ، يلحظ أن هناك نظرة عامة ، تتجسد في تدني نوعية الخريجين ، وان العامل الاهم في ذلك هو عامل نابع من داخل المؤسسة التعليمية ، يتصل بأداء المهمات الأساس بخاصة التعليمية منها ، وهذا قد يؤشر ان عمليات التحسين التي تتخذها الجامعة لتجاوز الحال في الأغلب لا تكون مستندة الى دراسة موضوعية او الى بيانات دقيقة واقعية ، وهذا ما قد يظهر اثره في النتائج باتجاه تحسينها كما انه قد لايظهر ، ونحن هنا لا نبخس المؤسسات التعليمية جهدها ، ولكنا والمجتمع نطمح منها الإكثر والأفضل ، فهي وسيلة المجتمع في تقدمه وتطوره ورفاهته ، وهذا يبين ثقل المهمات التي ينتظر المجتمع انجازها من هذه المؤسسات . مما يفرض عليها ان تتجاوز الوضع الى الأفضل ، ولا يتأتي ذلك ما لم تحدد الأهداف والمهمات والمسؤوليات والادوار بشكل واضح ودقيق ، لا لبس فيه ، وان يترجم ذلك الى مؤشرات اداء (نتائج مادية) ، وان تسعى الى جمع البيانات والمعلومات حول ذلك ، وتحليلها واستخراج مؤشراتها ، ومقارنتها وتحديد الاسباب واتخاذ اللازم للتصحيح والتعديل على اساس ذلك لتتجاوز الحال نحو الافضل .
عليه فإن نجاح المؤسسة التعليمية يعتمد على نتائج مدى تحقق مسارها المخطط ، وان كفايتها وفاعليتها (مؤشرات نجاحها) يتوقفان على مستوى الاداء ونوعيته .
تأسيساً فإن التقويم هو المهمة التي تقيس مدى تحقق الاهداف ، وان يتم ذلك على وفق نماذج تعد بدقة واناة وموضوعية متناهية ، فالنموذج المعتمد في التقويم هو وسيلة فعالة تعين الجامعة في الوقوف على نقاط القوة والضعف ، والعمل على تعزيز الأولى ، ومعالجة الثانية ، كل ذلك بقصد التطوير .
ان النموذج مهما توافرت فيه من عناصر القوة والموضوعية فإنه لا يكفي ، مالم يتوافر له اناس جادون في انجاز متطلباته ، بالاعتماد على بيانات ومعلومات حقيقية وموضوعية غير مبنية على التضليل – وهنا يجب مراعاة هذه المشكلة عند اعداده بحيث يتضمن ما يكشف عن ذلك – مع الاخذ بالاعتبار انه ليس بالامكان اعتماد إنموذج واحد لكل الجامعات ، فظروفها متباينة وامكاناتها متفاوتة كذلك لا يمكن تطبيق معايير موحدة للاداء تتوافق مع كل المؤسسات التعليمية .
ولما كان التقويم هو خاتمة المطاف ودلالة الأداء ومعيار النجاح ، فهو ينطبق على الجامعات والكليات والقسم العلمي ، وحدات تنظيمية ، وعلى القيادة الجامعية ، رئيساً ، وعميداً ، ورئيس قسم ، ومدرس ، افراداً .
ان مراجعة النماذج المستخدمة في التقويم على المستويات المذكورة كافة وتدقيقها يظهر :
– ان هذه النماذج هي في الأغلب مستوردة .
– انها لم توضع على أساس الأدوار المطلوبة .
– تضمينها لمعلومات وبيانات صماء لا تعكس الواقع مثل عدد المؤتمرات ، عدد البحوث … فالعدد لا يعني شيئاً .
فضلاً عن ذلك خضوعها للمعايير الشخصية ، ودرجة التحيز فيها عالية ، كذلك فإنه يراعى في أعدادها تجميل وتزويق للواقع ، كذلك قد تملأ بعض النماذج من قبل موظفين غير مؤهلين فضلاً عن ذلك فهي لا تتجاوز ان تكون عملية روتينية ، فهي ليست سوى تقليد منقول ، اتجهت الوزارة الى اعتماده في اواخر الثمانينيات ، بخاصة بعد تشكيل جهاز الأشراف والتقويم .
اما فيما يتصل باختبارات الطلبة ، التي يجب ان تولى أقصى اهتمام ، لانها المخاض الأساس للعملية التعليمية ، فهي اكثر ما تقيس قدرة الطلبة على الحفظ ، وهذا ناشئ عن طرق التدريس المعتمدة والتي هي الطريقة التلقينية في الغالب، فهي لا تتجه الى قياس القدرات لدى الطالب وهل تحقق بناؤها ام لا .
ان هذا يؤشر عدم ايلاء الأهمية المطلوبة ، لابل اهمال عملية اختيار التدريسي واعداده ، وهذا مؤشر اخر على ان لجان اختبار الكفاية هم غير متخصصين ، او انهم لا يعرفون ما هي العناصر المطلوب توافرها في المدرس الجامعي ، فضلاً عن الضغوط والمحسوبيات ،… الى غير ذلك . كذلك فان دورات اعداد المدرسين ليست سوى دورات شكلية ، حتى ان بعض من هذه الدورات ينفذها مدربون غير اكفاء فضلاً عن انهم غير متخصصين ، لا يملكون الخبرة ولا المعرفة في ذلك .
كل ذلك يدعو الى الاعتراف بالواقع ، والابتعاد عن المبالغة في تقدير الموقف ، وكذلك المبالغة في تقدير الذات وادعاء القدرات ، وتسهيل الحلول . واعتماد الدراسة الموضوعية ، من خلال :
– فريق جاد متخصص يتميز بكفاية عالية ، مشهود له بالقدرة والاقتدار .
– بيت خبرة استشاري عالمي .
– الخبرات العراقية في الداخل او في الخارج .
والا فإن المؤسسات التعليمية سوف لن تبرح مكانها وان برحته فبالاتجاه المعاكس

————–
 الآنا الآعلى
‎علي جابر
بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ                                  
 وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا
في هذه الحياة خلق الآنسان ناقصآ وعليه أن يسير نحو الكمال من خلال الآسس والمبادء التي وضعها الله  له وجعل الله ثلاثة انيات تتصارع فيما بينها لآجل الآستحواذ على شخصية الانسان الاساسيه وذالك لتمييز بين ماهو مثالي وماهو عتيادي والآنسان فيما وضع نفسه وهذه الانيات كلآ لها غرائزها الخاصة وسأتحدث عنها بصورة اجمالية مبينآ ما اردت الاشاره اليه في هذه المقالة وهذه الانيات هي
اولآ. الهو , وهي القاعدة الطبيعية او البداهة الاعتيادية التي يمارسها الآنسان لسد كل مايحتاج اليه بصورة فطرية مثال معرفة الرضيع بموضع الحليب من ثدي امه وكيفية  شربه وهذه الآنية يعبر عنها علماء الآخلاق بلفطرة اي فطرة الله التي فطر الناس عليها وهذه الآنا تكون تكون طبيعيه وجامده غير مبالية للقيم والمبادى التي وضعها المجتمع اذ تتعامل معها بصورة فطرية كما هو الحال لبعض القبائل البدوية والحضرية
ثانيآ. الآنا , وهذه الآنا تكون حلقة ترابط بين الفطرة والقيم الآجتماعية اي اذا جاع الآنسان قد تأمره النفس الهوهية بالآكل بغض النظر اذا كان الطعام باردآ او حارآ نيآ او ناظجآ اذا في الدرجة الاساسية هو سد رمق الجوع اما الآنا فهي تكون معتدلة متوازنة ترعى ماهو مستحسنآ اجتماعيآ او يجب ان يكون الطعام ناظجآ ومعدن بأناء نظيف وغيره وهكذا
وهذه الانا هي كثير مايكون عليه ابناء البشر اذ يكونون معتدليآ بين الفطرة والقيم الآجتماعية
ثالثآ. الآنا العليا كما وصفها فرويد هي شخصية المرء في صورتها الآكثر تحفظآ وعقلانية حيث لاتتحكم في افعاله الاالقيم والمبادى الاخلاقية مع البعد الكامل عن جميع الآفعال الشهوانية تمثل الآنا الآعلى الضمير وهو مايتعلمه الطفل من والديه ومدرسته ومجتمعه من معايير اخلاقية وهذا ايضآ ما اشار اليه المصلحين والحكماء من ترويض النفس والزامها بألقيم والسير نحو اعلى مراتب الكمال ودحر الشهوة وحب الانا وهذه المراض النفسية هي التي قد تغير مجرى شخصية وحياة الفرد اذ لو اهمل الانسان المبادء فقد يتحول من انسان الى حيوان بهيمي واذ ما  حافظ على نفسه وعلى العلوم التي يتلقها من مصادر الفكر المزيف فسيكون مثالي بطبعه
كما قال الامام الصادق عجبت لمن يتفكر في مأكوله كيف لا يتفكر في معقوله
وعن وعن زيد الشحام عن الامام الباقر(ع) في قوله تعالى ((فلينظر الانسان الى طعامه)) قال: قلت: ما طعامه؟ قال علمه ممن ياخذه
اي ان الانسان لا يتخلى عن القيم الحقيقية من اجل قيم مزيفة او شهوة انيه وحسبك من معلم الانسانية الامام علي .ع. عندما يقول لولا الدين والتقى لكنت ادهى العرب
هذا مثالآ تصديقيآ على الانا العاليا وكيف يمكن للنسان ان يتخلى عن كل الانيات والشهوات الا مبدء الانسانية الحقه
والروح الملكوتيه التي اشار اليها القران بلنفس الراضية والمرضية والزكية والصديقة والطاهرة والمخلصة والمستغفره و العاليا .  والحمد الله رب العالمين