18 ديسمبر، 2024 7:49 م

التعليم الالكتروني في زمن (الكورونا)

التعليم الالكتروني في زمن (الكورونا)

فايروس (أعمى وغبي وبلا معنى) – كما يصفه الفيلسوف سلافوي جيجك – يدعى (كورونا) ولقبه العلمي (COVID -19) يضرب النظام العالمي العولمي ليعيد تنظيمه من جديد بعدما كشف عن هشاشته في مختلف النواحي وفضح كل ابنيته : السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية والاجتماعية والثقافية ايضا. و هو يشل حركة العالم كله ويجبرهم على الوقوف صمتا لاعادة النظر والتأمل بهيكلية الانظمة الحالية.
ومن هذه الانظمة التي سيشملها التغيير – رغما – نظام التعليم في العراق الذي عانى من مشاكل وصعوبات متلازمة والتي من اهمها : طرائق التدريس القديمة والمناهج الدراسية المتهالكة. لقد ارغم هذا الفايروس البايولوجي بـ “فرمتة ” سريعة وعاجلة لنظامنا التعليمي القديم ليطرح بديلا بين ليلة وضحاها يعرف بنظام “التعليم الالكتروني”.
التعليم الالكتروني المحوسب والذي يعرف اختصارا بـ التعليم الالكتروني هو: تعريب لعــدد من المصطلحـــــــات ، منها: (E-Learning) ، (Web-based learning) ، ( Distance Education) ، (Distance Learning ) ، (Computerized Electronic Learning) (Online Education ). ولم يكن ظهوره وليد اللحظة الراهنة في الانظمة التعليمية العالمية وانما شهد منتصف التسعينيات من القرن الماضي ظهور البوادر الاولى في التأليف والترويج لهذا النظام التعليمي الذي يعتمد بالدرجة الاولى على استعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة في التدريس عبرالانترنت حصرا ، ولكن مع بداية الالفية الثانية وخلال العقد الاول منه ازداد عدد المؤلفات والبرامجيات التي تبني معرفة علمية رصينة لهذا النظام حيث تبنته كثير من الجامعات .
وعلينا ان نفرق بين التعليم الالكتروني – وهنا اتحدث عن الدراسات الانسانية – الذي يستفيد من التكنولوجيا الالكترونية للوصول الى المناهج التعليمية خارج القاعات الدراسية المعتادة من دون وجود الاستاذ وباعتماد الانترنت 100% و التعليم المزدوج الذي يستفيد من الاثنين . علما ان أغلبية الجامعات العالمية تستعمل التعليم المزدوج وبنسب متفاوتة. ان التعليم الالكتروني – وبشكل عام – يعتمد بالدرجة الاولى على جهود الطالب الذاتية حيث يتحول الاستاذ من المحور الذي تدور حوله المحاور الاخرى الى مرشد وموجه خارج دائرة المحاور. من هنا فقاعة الدرس ليست المكان الذي يتوجب حضور الطالب فيه دائما وانما شاركتها قاعات المكتبات العامة والخاصة واماكن السكن والمقاهي (الكافيهات) والاماكن العامة. لذلك تغيرت نسبــة ( الحضورفي القاعات / عدم الحضور) من ( 80% حضور- 20% عدم حضور تقريبا) الى ( 40% حضور – 60% عدم حضور تقريبا ) بسبب التركيز على الدروس العملية التي تعتمد على تكنولوجيا التعليم الالكتروني.
أما جامعاتنا العراقية ، وفي حقل الدراسات الانسانية على وجه الخصوص ، فان التعليم فيها يعتمد بالدرجة الاولى على حضور الطالب 100% في القاعات الدراسية ، وهذا يعني انه تعليم مضاد تماما للتعليم الالكتروني المحوسب ويلتقي بنسبة 40% في احسن الاحوال مع التعليم المزودج . لذلك فان الانتقال فجأة من نظام تعليمي نظري يستمد المعلومة من مصدر واحد وهو الاستاذ الى التعليم الالكتروني ذي الوسائط المتعددة في اجواء ثورة معلوماتية ودون سابق معرفة يعد امرا صادما وفوضويا ، ولكن اذا نظرنا بعين التحدي والتفاؤل! نستطيع ان نصف تلك الفوضى بانها خلاقة في حال تخطينا عتبة الوقت الحاضر واتجهنا نحو المستقبل. فالتعليم الالكتروني والتعليم المزدوج يعدان بعملية تعليمية رصينة يكتسب فيها الطالب مهارات وتجارب متنوعة ومختلفة تؤهله الى المنافسة في سوق العمل. ويستند هذا الزعم الى عشرات المصادر والمراجع والمعاجم ومئات الكتب والمؤلفات والدراسات في حقل التعليم الالكتروني سواء في بناء المناهج الدراسية واقتراح طرائق التدريس واعداد البرامجيات في الاختصاصات العلمية والانسانية كافة.
إن فهم التعليم الإلكتروني أمر بسيط فهو : التعليم باستخدام التقنيات الإلكترونية للوصول إلى المناهج التعليمية خارج الفصول الدراسية التقليدية ، بيد اننا لا يمكن ان نحدد التعليم الإلكتروني على أنه دورات يتم تقديمها بشكل خاص عبر الإنترنت من مكان إلى مكان آخر او هو فصل دراسي يقدم على قرص مدمج (CD او DVD) او مقطع فيديو يتم رفعه على قناة تلفزيونية اوقناة يوتيوب . وكذلك هو ليس كتابا ومحاضرات بصيغة Pdf ترفع على قنوات التليغرام او المنصات الاخرى ، وانما هو عملية تعليمية الكترونية تفاعلية بين الطلبة انفسهم من جهة وبينهم وبين الاستاذ من جهة اخرى وهو الذي يتواصل معهم ويحدد مشاركاتهم ومهامهم واختباراتهم و واجباتهم اليومية. والامر المهم في هذا اللـــــون من التعلـــيم هو معرفــــــــة ردود الافعـــــــــال ( Feedback) والاستجابات التي يتلقاها الاستاذ من طلبته والتي تسهم بتطوير وتحسين الاداء للمجموعة التعليمية كلها.
ومن الايجابيات الاخرى لهذا النوع من التعليم انه يتوافق ويتماهى مع احدث النظريات التعليمية مثل البنيوية التي تؤكد على ان الطالب هو الذي (( يبني معلوماته داخليا متأثرا بالبيئة المحيطة به والمجتمع واللغة وان لكل متعلم طريقة وخصوصية في فهم المعلومة وليس بالضرورة كما يدركها المعلم )). فالتعليم ليس نقلا للمعلومات او حفظا لها عن طريق التكرار الذي يقوم به المعلم وانما نقل المعلومات الى الطالب تعد نقطة البداية التي تبدأ بها العملية التعليمية. ومن ثم يأتي دور الطالب الذي يقوم (( بصناعة المعنى الشخصي الذاتي الناتج عن المعرفة)) وعندها يتحول دور المعلم الى مرشد أو موجه يركز على تهيئة بيئة التعلم والمساعدة في الوصول الى مصادر المعلومة.
ان لهذا النوع من التعليم أهميته وضرورته في عصر السايبر والثورة المعرفية الهائلة في وسائل التواصل عبر الشبكة العنكبوتية . وليس هناك بد من ان تجد نفسك (عزيزي الطالب وأخي الاستاذ ) منخرطا فيه بشكل او بآخر. لان التعليم الالكتروني اصبح وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها في عصر لم يعد الكتاب المنهجي او الملزمة الدراسية او المحاضرة المسموعة التي يلقنها الاستاذ مباشرة الى طلابه من الادوات والوسائل التعليمية الراجحة والرصينة لمواكبة روح العصرالكوروني والمابعد – كوروني !.