يشهد العراق هذه الأيام أزمة مياه حادة ويعاني سكان البلاد من شح المياه وتلوثها والتعطيش جراء زيادة التخزين في بلدان الجوار وبناء السدود و التغيرات المناخية.
اثار فقدان المياه واضحة للعيان في المحافظات الجنوبية التي تتجسد بالهجرة من الريف الى المدن وترك الارض دون زراعة , بل ان مياه الشرب غير متوفرة وتنقل لبعض المناطق بالسيارات الحوضية , ونفوق الالاف من رؤوس الماشية , وجفاف الاهوار , ويصعب حصر الاثار التي خلفتها سياسة التعطيش وعدم ضمان قسمة عادلة للمياه مع ايران وتركيا .
فقد بنت ايران سدودا على مصادر المياه الواردة الى العراق ولم تستجب الى اطلاق دفعات منها لتخطي الازمة وتقاسم الضرر ومن دون ان تراعي حصة العراق من المياه , اما تركيا وعدت بتصريف ما معدله 420 م³/ث، كدفعة لإنقاذ الوضع الا انها لم تفي بوعدها , وان التصريفات ارتفعت من 66 إلى 133 م³/ث عند الحدود الشمالية، مع إضافة الفرات يستقبل العراق حاليًا أقل من 40% من حصته التاريخية من المياه؛ وزيادة الحصة الى 420 م³/ث تشكل مجرد تخفيف مؤقت لا يسد سوى نسبة بسيطة من العجز الحالي ويمكن تلمس عمق الازمة من خلال نظرة الى واقع النهرين اللذين تحولا الى مجرد سواقي في بعض المدن وجفت الجداول المتفرعة منهما.
واذا كانت الدولتان الجارتان لا تستجيب الى المناشدات والمطالبات العراقية بقسمة عادلة للمياه وتخفيف الضرر على وفق القانون الدولي والاعراف المعمول بها وذلك في استغلال مفضوح لضعف الحكومة العراقية في تحصيل حقها في المياه بالضغط عليهما واستخدام الورقة التجارية البينية معهما , فان السياسة المائية للحكومة ايضا تتحمل قسطها في الازمة ..
ان هذه السياسة ليست بمستوى الكارثة , صحيح انها قلصت الموسم الزراعي , بل اوقفته في رقعة جغرافية كبيرة جدا ومنعت بعض الفلاحين من زراعة بعض المحاصيل الزراعية , الا ان ذلك غير كاف ، وما يزال القطاع الزراعي متأخرا بدرحة كبيرة في استخدام الوسائل التكنولوجيا الحديثة من الري بالتنقيط او المرشات الى بناء السدود الصغيرة لحصاد مياه الامطار في موسمها ، ولا نتمكن من توفيرها لوقت الحاجة , كما ان المياه الثقيلة لغاية الان لا تتم الاستفادة المثلى منها ,فليس يجري اهدارها فقط , وانما تلوث نوعية المياه على شحتها ، وحتى محطة تحلية المياه في البصرة تحتاج الى اربع سنوات قادمة كي ينعم بها الاهالي اذا سارت الامور بلا عراقيل ومعوقات ، والاكثر استهتارا ضخ ملايين البراميل من المياه في الابار النفطية للحفاظ على ضغطها في حين البحر قريب ولا يكلف الامر سوى شبكة انابيب واجبار الشركات على تنفيذها .
ان اجبار الجارين التركي والايراني يمكن من خلال طرق ابواب المجتمع الدولي وربط الاستفادة من السوق الاقتصادية العراقية بمدى استجابتهما الى حقوق العراق بحصة مائية عادلة مضمونة والكف عن سياسة التعطيش التي تتبعانها .