ثانياً : التعصب الفكري
الإيمان بنظرية دليل ثقة بعلميتها وقدرتها على الإجابة على أسئلة لا يستطيع غيرها الإجابة عنها، ومدى قدرتها على الصمود امام التساؤلات والانتقادات يزيد رصانتها ووثاقتها، وهو الأسلوب والمنهج العلمي المعتمد، بينما تكون العلمية نقيضاً للتعصب، كوّن العلم لا يُؤْمِن بالتعصب وإنما بالدليل، فالنظرية مقدسة ما دامت تجيب على التساؤلات، وليس من ضمن مبادئ المنهج العلمي الدفاع عن نظرية غير قادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها .
التعصب لا يقتصر على الجانب الديني وإنما يتعداه الى الجانب العلمي، ليسيطر على فكر وعقلية البعض، لينتج عنها نظرة تعالي وتكبر لدعاة نظرية معينة أو علم معين، بينما تكون هنالك نظرة دونية للآخرين، ليكون المنطلق نحن الأذكى والأفضل والأكثر علمية، بينما يكون الاخرين عبارة عن مجموعة واهمين أو مغالطين لأنفسهم، وهذا يستتبعه ضياع القيمة العلمية لاراء البعض بسبب التعصب العلمي لعلم أو نظرية معينة،وهذا ناتج عن الإيمان بمنهج التفاضل، بينما ان المنهج الأساس الذي يحكم العلوم هو منهج التكامل، فلا استغناء لعلم عن علم اخر، ولا نظرية علمية عن نظرية اخرى، اذ من الصعب وجود نظرية تغطي جميع جوانب مساحتها وتجيب عن جميع الأسئلة المطروحة، وبالتالي فهي تبقى دائماً بحاجة النظريات والعلوم الاخرى لتغطية المساحات الاخرى لتعم الفائدة .
هنالك فرق كبير بين منهج الاقناع ومنهج الاسكات، يكون دافع الاول هو البحث عن الحقيقة وإشراك اكبر قدر ممكن بها أو البحث عنها، وهو ديدن العلماء والمفكرين، بينما منهج الاسكات هو محاولة الانتصار على الاخرين بكثافة الوسائل والأدوات، لان صاحب هذا المنهج متعصب لرأيه ولا يحتمل ان يقال أو ينشر غير الذي يقوله، ليكون تعصبه لرأيه ونظريته سبباً في خروجه من دائرة الفعل الحضاري، لان النظريات العلمية الرصينة نتيجة لتراكمات علمية وابحاث اشترك بها مجموعة من العلماء والمفكرين الذين قد لا يتواجدون في مكان واحد، وإنما اشتركوا في حقيقة واحدة وهي تقبل انتقاد الاخرين والبحث بجدية لرد الشبهات واثبات اعلمية نظرياتهم وليس لأجل اسكات الاخرين .