ان سر الالتجاء الى التعصب في يومنا هذا، هو المعاناة الاقتصادية لمجتمعنا، وكبت الحريات، وازدراء اوضاع الطبقة الدنيا التي وعدت بالرخاء والتي تعبت على مرور السنين ولم تعرف من الرفاهية والرخاء الا قراءة الكلمتين.
هذه المعاناة، ثم اليأس، دفعا بشعبنا للتعبير عن سخطه على دولته بالعودة الى الدين والاحتماء به لمحاربة الآلية الحاكمة بالمزيد من التطرف والتعصب الاعمى، حيث لم تترك لهم فرصة التعبير عن رأيهم بالاساليب الحضارية، الا وهي المعارضة والنقد وممارسة حقوقهم في الديمقراطية، علماً بأن قيام المعارضة والنقد يشكل صمام الامان ضد الانفجارات العنيفة وبنفس الوقت يقطع الطريق امام دعاة التعصب والطائفية.
فعلى حكامنا ان يدركوا ان الانسان لفطرته محب للسلام وبعيد عن العنف والتعصب، ولكن عندما يفقد ادنى شجاعة في حقوقه الانسانية وهما كرامته وحريته، فعندها سيسلك كل الطرق للانتقام ويتحول الى وحش كاسر تدفعه غرائزه وحبه للبقاء وللعيش الكريم، الى استعمال اي وسيلة غير شرعية للتعبير عن سخطه واستنكاره.
فبدلاً من الالتفاف حول الحاكم، يقف منه موقف العداء ويبذل قصارى جهده في التخطيط للتخريب بدلاً من الاعمار، وعندها يضع نصب عينيه ان الحاكم هو عدوه علماً بأنه هو ابن الوطن وليس بالغريب عن عاداتنا وتقاليدنا، وهو يعرف جيداً ما يسعدنا وما يؤلمنا، ويعرف تمام المعرفة ان سكون الشعب الاضطراري عن الضيم وشربه اليومي لكأس المذلة والهوان، لا يعني ابداً رضاه عن ذلك، ولا يمكن ان يفسر قبولاً منه للمآسي التي يعيشها او انه تعودها، لانه لابد وان يطفح الكيل في يوم من الايام، وعندها سينفجر هذا الشعب ويظهر كل ما بداخله من مشاعر، ويجد الثغرة او الثغرات التي سيستغلها ضد الحاكم.
ان النتائج الاكيدة لهذه الانظمة اصبحت واضحة – الافلاس الاقتصادي والسياسي والانحطاط الاخلاقي وتبخر المبادئ التي ناضلنا من اجلها وسطر اجدادنا تاريخها بدمائهم للوقوف بوجه التمدد الديني المتطرف.
ولذلك، علينا ان نبدأ بالتغيير وننطلق بثورة بيضاء سلمية تغير وجه مجتمعنا وتعيد الألفة بيننا وتعيد المحبة بعضنا لبعض. ولنتمثل بتاريخ اجدادنا الذين سلمونا الوطن محرراً من الاستعمار وعلمونا ان نحب ترابه ونزرعه بالخير والمحبة لنقطف ثماره وننعم بطعمها اللذيذ وان لا نقدم الى المحكمة من ينتقد نقداً بناءً على انه خائن لوطنه وامته، فالنقد وليد الغيرة والمحبة، فلنفهمه كذلك ونحن والوطن وحدنا الرابحون.