من الحقائق التي لا تقبل الشك أن العرب لم يكن لهم أي وجود في كوردستان قبل عمليات ما تُسمّى بالفتح الإسلامي في زمن الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وبعد ازدياد الفتوحات – أي الاحتلال للأراضي الكوردستانية – في كوردستان والتي كانت تعرف في السابق ( بلاد الكورد )
أُدخل نظام الدواوين إلى الدولة الإسلامية في زمن عمر بن الخطاب ولاسيما بعد اتساع رقعة الدولة في عصره فأنشئت الدواوين بشكل رسمي وهو أول من دوّنها فكان هناك ديوان ( الجند ) وديوان ( الخزانة ) وديوان ( العطاء ) .
ثم تطور مهام هذا الديوان في العصرين الأموي والعباسي وكانت لغة الدواوين متنوعة في العصر الأموي وكانت اللغات الأجنبية لغات رسمية في الديوان .
ثم بدأت بعد ذلك حملة التعريب في نظام الدواوين لأنهم بدأوا يخشون على المناصب ( أي العرب ) لأن هذا الأمر سيضعف من تكوين الدولة القومية العربية التي اتخذت الدين غطاء لها !
ويُعد الخليفة عبدالملك بن مروان ( 86هـــ – 705م ) مؤسس حركة التعريب في مرافق الدولة وأنظمتها الإدارية فكانت لغة الدواوين السائدة في زمن عبدالملك بن مروان بالعراق الفارسية وفي بلاد الشام الرومية وفي مصر القبطية واليونانية وهذا دليل وبرهان مهم أن هذه الدول لم تكن عربية !
ثم قام عبدالملك بن مروان بتعريب الدواوين لتقليص نفوذ غير العرب في الدولة لأنه مخالف لمشروعهم القومي التهميشي الإقصائي لخدمة العروبة !
وفي زمن الحجاج بن يوسف الثقفي ( 95هـــ – 714م ) حوّل ديوان الخراج من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية !
ولنرجع إلى الوراء قليلًا حول الوجود العربي في العراق فوجودهم يرجع إلى هجرة القبائل العربية بعد ما تُسمّى بعمليات الفتح إلى الموصل فمدينة الموصل قبل أن يدخل الإسلام إليها في سنة (637 م ) كانت تتكون من ثلاث محلات وهي : ( محلة الزرادشتيين واليهود والمسيحيين – اليعاقبة – ) وفي عهد عمر بن الخطاب توجهت القبائل العربية إلى الموصل وتم توطين أول عشيرة عربية في الموصل باسم الخزرج وعرفت فيما بعد باسم محلة الخزرج في الجانب الأيمن من المدينة ثم بعد ذلك في القرن السابع عشر شهدت حركة انتقال للقبائل العربية البدوية ( قبيلة الشمر ) إلى منطقة الجزيرة غرب نهر دجلة، وفي أواخر القرن الثامن عشر بدأت هجرة العشائر العربية كالعبيد والجبور باتجاه غرب كركوك .
فمدينة الموصل لم تكن ذات طابع عربي إطلاقًا وأول من خطّها وأسكنها العرب كان الصحابي هرثمة بن عرفجة البارقي ( 34هـ – 654 م ) في زمن عمر بن الخطاب .
وفي خلافة عثمان بن عفان ( 35 هـــ – 656 م ) تولّى حكيم بن سلام الحزامي حكم الموصل سنة ( 654 ) من ( 34-36 هــ ) وسار على نهج عرفجة في توطين العرب فيها وفي خلافة علي بن أبي طالب ( 40 هـــ – 661م ) ولّى على الموصل معقل بن قيس الرياحي فازدادت هجرة القبائل العربية إلى الموصل !
والموصل هي تلك المدينة التي تحدّث عنها المؤرخون والجغرافيون والبلدانيون والرّحّالة و تقع في الضفة الغربية من نهر دجلة ولم تكن الضفة الشرقية مأهولة بالسكان سوى عدد قليل وبموجب إحصاء بلدية الموصل في تشرين الأول سنة (1933 ) كان فيها 64 دارًا فقط وكُلّهم من القومية الكوردية ولم يكن فيها أية قبيلة عربية ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى كلمة الجنرال ساندرس عند افتتاحه الجسر الجديد والذي يربط الموصل بالضفة الشرقية من نهر دجلة إذ قال في كلمته : ” … لا يخفى أنه بإنجاز هذا الجسر قد صار سبك حلقة مهمة من حلقات المواصلات التي تربط الآن بلاد كوردستان مع العراق ” نشرت كلمة الجنرال ساندرس في جريدة الموصل بالعدد (351 ) في 22 آذار سنة (1921) .
وهذا دليل واضح وصريح أن الجانب الأيسر من المدينة لم يكن محسوبًا على الموصل إطلاقًا من الناحيتين التأريخية والجغرافية .
كما أن ولاية الموصل ( جنوب كوردستان ) وفقًا لجميع التقديرات العراقية والبريطانية والتركية كانت ذات طابع الأكثرية الكوردية من سكان الولاية فبحسب البيانات الحكومة العراقية أن الكورد والإيزيديين يبلغان 65% وعند الحكومة التركية 56% وعند الحكومة البريطانية 57%
أما العرب فبحسب البيانات لدى الحكومة العراقية هم 20,8% ولدى الحكومة التركية 8,6% ولدى الحكومة البريطانية 23,7% !
فالكورد في ولاية الموصل هم الأغلبية بحسب هذه البيانات فأصبحت ولاية الموصل ضحية للصراعات السياسية والاقتصادية للدول الكبرى من خلال انضمامه إلى العراق في سنة (1925 ) لخلق نوع من التوازن المذهبي !
وعندما كُتب أول مسودة دستور في تشكيل الحكومة العراقية سنة (1921 ) وبعد نشره في الجريدة الرسمية سنة (1925 ) لم يذكر الدستور في مواده حقوق الكورد !
فلو أمعنا النظر في بيان 11 آذار ( 1970) والذي يعد أول اعتراف بالشعب الكوردي على الورق إلا أن الحكومة العراقية البعثية لم تلتزم ببنود البيان وماطلت بعدم تنفيذه وازدادت الفجوة بين البارزاني الخالد والحكومة العراقية ولاسيما بعد محاولة الاغتيال لإدريس بارزاني في بغداد وكذلك البارزاني الخالد وترحيل الكورد الفيليين وتجريدهم من الجنسية العراقية ومسألة ضم كركوك إلى مناطق الحكم الذاتي وبعد ذلك اتجه العراق من دكتاتورية الحزب الواحد إلى دكتاتورية الشخص الواحد بعد إزاحةحكم أحمد حسن بكر في سنة ( 1979 ) عن السلطة لصالح صدام حسين فأصبح صدام هو رئيسًا للجمهورية ورئيسًا للوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس قيادة الثورة والأمين العام للقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الأوحد والضرورة !
وفي العهد الجمهوري لحزب البعث العربي الفاشي أصبحت سياسة التعريب جزءًا من سياسة الدولة وتحت إشراف الجهات العليا منها وقد اتخذت سياسة التعريب ثلاثة محاور كالآتي :
1- محور تعريب منطقة الجزيرة غرب محافظة نينوى .
2- محور تعريب منطقة كركوك .
3- محور تعريب مناطق الكورد الفيليين في شرق بغداد.
وقد شملت سياسة التعريب المنطقة الممتدة من قضاء بدرة في محافظة واسط مرورًا بمحافظة كركوك وصولًا إلى قضاء شنگال في غرب محافظة نينوى .
ومن السياسات البعثية الشوفينية عند استلامهم لمقاليد السلطة منعوا من تسجيل الأراضي والبيوتات بأسماء الكورد في الجانب الأيسر من المدينة واستمرت هذه السياسة إلى وقت قريب بعد ( 2003 ) والآن بعد أن أصبحت المدينة بيد بعض الجهات التي لا تعرف شيئًا عن واقع هذه المدينة بدأوا بالتلاعب بالعقارات في بغداد وتغيير ديموغرافي بعد تحرير المدينة من تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) فضلًا عن تعريب العقول والتأريخ في المدينة من طمس الحقائق التي تتعلق بالتأريخ الكوردي وهويته القومية .
ومن خلال الاطلاع لممارسات حزب البعث الشوفيني في انتهاج سياسة التعريب في المناطق الكوردستانية على يدهم منذ وصولهم إلى سدة الحكم 1968-2003 بالشكل الآتي :
فقاموا بتوزيع الأراضي السكنية على العرب الوافدين إلى كركوك مع تقديم الدعم المالي لبناء الدور السكنية فيها كي تزداد نسبتهم في تلك المناطق وتوطين القبائل العربية من المحافظات الجنوبية والغربية العراقية مع توزيع الأراضي الكوردية والتركمانية على القبائل الوافدة إليها من قبل حكومة البعث الفاشي علاوة على ذلك طرد الموظفين الكورد من مؤسسات الدولة ولاسيما شركة نفط الشمال ونقلهم إلى خارج محافظة كركوك وإحلال الموظفين العرب محلهم !
ومنع الكورد من شراء العقارات وعدم بيع عقاراتهم لغير العرب .
إضافة على ما تقدم قامت حكومة البعث بالتلاعب بالحدود الإدارية لمحافظات كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين لصالح العرب .
وكذلك استخدام ما يسمى بتصحيح الهوية القومية وذلك من خلال إجبار الكورد الإيزيديين والشبك والعشائر الكوردية كالگرگرية والكيكان والهسنيان بتسجيل أنفسهم عرب القومية بأوامر رسمية من قيادة حزب البعث الفاشي !
فضلًا عن مصادرة وممتلكات الكورد الذين التحقوا بالثورة الكوردية واحتجاز أراضيهم والترحيل القسري وتغيير الأسماء الكوردية إلى اللغة العربية كذلك تشكيل المنظمات السرية في محافظة كركوك واغتيال المواطنين الكورد وخلق حالة من الرعب في نفوسهم كي يتركوا المنطقة برمتها .
وفي سنة (1991 ) استطاع الكورد من خلال انتفاضة شعبية لتحرير جزء من الأراضي الكوردستانية وشُكلّت المنطقة الآمنة وكان لدور أمريكا وبريطانيا وفرنسا أهمية كبيرة في تشكيل الملاذ الآمن لحماية الكورد من حزب البعث الفاشي وفرضت القوات الكوردية سيطرتها على ثلاث محافظات وهي : ( أربيل والسليمانية ودهوك ) وتشكل لدينا أول برلمان وحكومة كوردستانية في 5 تموز ( 1992 ) .
وبعد سقوط نظام البعث الشوفيني في (2003 ) وُضع دستور للعراق في 2005 وصوّت عليه الشعب العراقي لإيجاد آلية قانونية من أجل تطبيق المادة ( 140 ) والتي تعطلت على يد الشوفينيين الجدد وتجدر الإشارة إلى أن مساحة المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم تقدر بــ 51,4% من مجموع مساحة إقليم كوردستان والبالغة (78736 ) كم² أي ما يعادل 18% من مساحة العراق وقد سُمّيت هذه المناطق بــ (المتنازعة عليها ) وهو ظلم لأهلي تلك المناطق.
وقُبيل أحداث 16 أكتوبر ( 2017 ) كانت كركوك وجميع المناطق الكوردستانية المتنازعة عليها تحت سيطرة قوات الپيشمرگة البطلة ولم تحدث أية خروقات أو استخدام ممارسة العنف ضد العرب فيها ولكن بعد أحداث 16 أكتوبر ومجيء محافظ كركوك المدعو ( راكان الجبوري ) اقتفى أثر البعثية في بث روح التعريب من جديد في كركوك المحتلة من خلال محاربة الكورد وطردهم من كركوك وانتهج سياسة التعريب الجديدة من خلال توزيع ( 1600 ) قطعة أرض سكنية على العرب الوافدين إليها من الحشد الشعبي الذين شاركوا في احتلالها وكذلك توجيه كتاب إلى قائمقام داقوق وذلك بإخلاء قريتين كورديتين والقرار الذي صدر بحق هاتين القريتين كونهما من القرى الكوردية، وضمن عمليات التعريب في زمن البعث في سنة ( 1968 ) جلبت بعض العشائر العربية من محافظتي صلاح الدين وديالى واستولوا على أراضي الكورد وبعد سقوط نظام البعث خرجوا منها !
ولا تختلف عقلية راكان الجبوري عن صدام حسين في ممارسة سياسة التعريب في كركوك المحتلة وخلال سنة (2019 ) بلغ عدد العوائل العربية التي استوطنت فيها ( 7166 ) عائلة عربية من نينوى وصلاح الدين وديالى وبعض المحافظات الجنوبية وكذلك نقل البطاقة التموينية. والبطاقة الشخصية ( هوية الأحوال المدنية ) للعرب الوافدين اليها .
وأصدر الجبوري أمرًا بإعادة (81 ) عائلة عربية إلى قرية شناغا الكوردية التابعة لناحية (سرگران ) الواقعة في جنوب غرب كركوك .
فيحاول راكان الجبوري محافظة 16 أكتوبر طمس هوية كركوك الكوردستانية من خلال سياسته العنصرية المقيتة المبنية على الحقد الدفين المضمر تجاه الكورد .
وبما أن العراق تأسس على أسس غير منطقية من الناحية التأريخية والجغرافية والقومية والسياسية وانضمام ولاية الموصل إليها قسرًا وإنكار الحقوق القومية للشعب الكوردي والتعامل معهم بنظام الحزب الواحد والقائد الواحد والأيديولوجية الواحدة وطمس الهوية الكوردستانية كل هذا عقّد من المشهد السياسي في العراق منذ تأسيسه وإلى هذا اليوم فالحل أن يعود كل شيء إلى أصله وننتهي من العراق ومشكلاته التي لا تعد ولا تحصى وبين الحين والآخر نرى الهجمات على إقليم كوردستان بحكم ما حققه من التقدم في مجال البنى التحتية والتقدم الحاصل فيها من جميع الجوانب ولاسيما بعد مجيء العاصمة أربيل بالمرتبة الخامسة من بين الدول العالمية من حيث الأمن كل هذا الشيء لم يعجب الساسة في المنطقة الخضراء والذين ينادون بالعراق الموحّد من شماله إلى جنوبه فهذا غارق بأحلام البعثية و الذين يريدون عودتنا إلى المربع الأول وإلغاء مصطلح إقليم كوردستان واستعمال مصطلح شمال العراق بدلًا منه الشعارات التي تطلقونها أصبحت مستهلكة ولا قيمة لها لأن العراق لم يكن في يوم من الأيام موحدًا سوى بقوة الدكتاتورية التي استخدمها صدام حسين ضد العراقيين وانتهى ذلك الزمان وولى بسلبياته والشعب الكوردستاني ماض ٍ نحو الاستقلال في المستقبل ولا عودة إلى الوراء !