23 ديسمبر، 2024 8:33 ص

التعديلات الدستورية الملحة 1

التعديلات الدستورية الملحة 1

انتفاضة تشرين الشبابية حركت الماء الراكد، وجعلت موضوع التعديل الدستوري، يتقدم إلى الواجهة، مما دفع الطبقة السياسية، متمثلة بالسلطة التشريعية أن تشكل لجنة للتعديل الدستوري. وفي الوقت الذي لا نستطيع أن نعول على هذه اللجنة، المتشكلة من نواب، معظمهم من نفس الأحزاب التي خرجت حشود الثوار مُدينة لسياساتها، مما يجعل الأصل في الشك بأهليتها لهذه المهمة الخطيرة. ولكننا نحتاج أيضا من أجل بعث وعي دستوري في المجتمع، لاسيما لدى ثوار تشرين، أن نسهم في تسليط الضوء على التعديلات الدستورية الملحة، لاسيما تلك التي تمتلك قدرا من الواقعية، أي من إمكانية تمريرها في الظرف الراهن، لكن دون إهمال الإشارة إلى تطلعاتنا المستقبلية البعيدة أو متوسطة المدى، حتى لو اعتبرنا تحقيقها مؤجلا حاليا.

من الضروري جدا، أن يراعى في التعديل الدستوري، أن تجعل الأولوية للإنسان، وكرامته وحقوقه، لتكون المادة الأولى مخصصة لتأكيد هذا المبدأ، متقدما حتى على هوية وطبيعة الدولة. ونتمنى أن تتكون هذه المادة (الأولى) من بندين على النحو الآتي:

أولا: كرامة الإنسان هي المبدأ الدستوري الأسمى في العراق، وحرمة الإنسان تعلو ولا يعلى عليها، على رأسها حرمة حياته وكرامته وحريته وحقوقه وسلامته وأمنه وعيشه الكريم، والدولة مسؤولة عن صيانتها، وجعلها المعيار المعتمد في أداء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وجميع مؤسسات الدولة التابعة لها.

ثانيا: المساواة في المواطنة والإنسانية أساس دستوري ثابت وشامل ومطلق، تكفل الدولة سريانه على جميع الأفراد بلا استثناء، فيما لهم وفيما عليهم، وفي جميع المجالات.

أما المادة المعنية بتعريف الدولة (جمهورية العراق)، فنعتقد إن المادة الأولى في دستور 2005، لا ينبغي تغييرها، إلا من حيث إعادة الصياغة، دون تغيير المضمون، فيكون التعريف للدولة كالآتي:

جمهورية العراق دولة ديمقراطية اتحادية واحدة، مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها نيابي.

أما ما نتطلع إليه مستقبلا، هو تأكيد علمانية الدولة، تلك العلمانية التي تحفظ للدين مكانته، وتكفل بها حرية الدين والعقيدة، مع الفصل التام بين الدين وعموم العقيدة إيجابا أو سلبا من جهة، وشؤون الدولة والسياسية من جهة أخرى، ليكون نص المادة المعنية مستقبلا، ولو في المستقبل البعيد، أو المتوسط كالآتي:

جمهورية العراق دولة ديمقراطية علمانية، اتحادية واحدة، مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها نيابي.

أما الدعوة من قبل الكثيرين اليوم إلى العودة إلى النظام الرئاسي والدولة المركزية، فهو متأت من خيبة الأمل، من خلال التطبيق السيئ، دون الالتفات إلى إن العيب في التطبيق، وليس في أصل مبدأي الفيدرالية والنظام البرلماني. فكما أشرت في مقالات سابقة، فكل من النظام الرئاسي والحكم المركزي، هما من لوازم النظم الديكتاتورية، أكثر من كونها من لوازم النظم الديمقراطية. فنحن إذا عالجنا أخطاء التطبيق السيئ لمجلس النواب، بحل الأحزاب للدورة الانتخابية الأولى بعد ثورة تشرين، باعتماد الترشيح الفردي لهذه الدورة حصرا، وإعطاء فرصة أثناء هذه الدورة لتأسيس أحزاب وطنية ديمقراطية غير دينية وغير متخندقة طائفيا، وقائمة على أسس المواطنة والدولة المدنية، ثم إذا منع من الدورة التالية تشكيل الائتلافات الانتخابية، وكذلك الائتلافات النيابية ما بعد الانتخابات، باستثناء تشكيل الائتلاف الحكومي المعمول به في الديمقراطيات الراسخة، في حال لم يملك الحزب ذو العدد الأكبر من المقاعد، حصرا عبر الانتخابات الأكثرية المطلقة، وليكون الترشيح بعد الدورة الأولى بطريقين، إما الترشيح ضمن حزب من الأحزاب التي ستتشكل على أسس صحيحة، وإما الترشيح الفردي، وحظر تشكيل الائتلافات الانتخابية، كما مر، ثم بطريقة توفق بين الانتخاب عبر الدوائر الصغيرة، والانتخاب من القائمة الوطنية، وسأبين سبب هذا المقترح والآلية المطلوب اعتمادها لتحقيق ذلك في حلقة قادمة من هذه السلسلة. وهكذا بالنسبة للتطبيق للفيدرالية الذي يسجل الكثيرون الملاحظات عليه، فهذا لا يدعو للمطالبة بالعودة إلى الدولة المركزية، بل بإعادة صياغة العلاقة بين إقليم كردستان والسلطة الاتحادية، كما قلت في مقالة سابقة، بمنح الإقليم كامل حقوقه من جهة، ومن جهة أخرى عدم القبول بتمدده على حقوق عراق ما خارج الإقليم، فيما يتعلق بالاستحقاقات المالية والنفطية، والتعامل في الكثير من القضايا كدولة مستقلة، أكثر مما هو إقليم في إطار دولة اتحادية. ويجب هنا التمييز بين أداء الأحزاب الكردية المتنفذة في كردستان، وبين الشعب الكردي. أما الخشية من النظام اللامركزي إذا ما شمل بقية أنحاء العراق، وتأسست أقاليم أخرى، من أن يؤدي ذلك إلى تكريس الفساد المالي والإداري، فإن ذلك ليس بسبب الإدارة اللامركزية، وإنما بسبب الفساد المتفشي على صعيد السلطات الاتحادية وسلطة الإقليم والحكومات المحلية للمحافظات، وهنا يجب استئصال الفساد، وليس العودة إلى الدولة المركزية، ولا يسع المجال هنا لبيان إيجابيات النظام الفيدرالي، وسرد الأمثلة الرائدة كجمهورية ألمانيا الاتحادية. كما أعيد إن ما حصل عليه الكرد يعتبر حقا مكتسبا لا يجوز الرجوع عنه، باستثناء ما يجب تصحيحه من التطبيق للفيدرالية، وبما لا يؤثر سلبا على عراق ما خارج الإقليم، ولا يسلب الكرد حقوقهم، على أن يشمل إعادة تشكيل الأحزاب السياسية على أسس صحيحة في كردستان، كما هو الحال مع سائر العراق.