من المفترض أن غاية التعداد السكاني الذي طال انتظاره منذ ثلاثة عقود مضت هو ترتيب الفوضى بعيدا عن خفايا المؤامرات والخطط التي تعمق المصالح السياسية والحزبية المشتركة ، وبعيدا عن محاولات تكريس النفوذ من خلال بيع الولاءات او تزوير الهويات ، او روليت الأرقام الخالية من البراءة ، لا ليكون أداة لتغيير لديمغرافية مدينة ما ، بما يخدم تلك المصالح الضيقة التي أوشكت على الافلاس ولا تعترف بخطوط حمراء او صفراء او خضراء .
من وجهة نظري ، لم يكن التعداد السكاني الأخير مجرد إجراء إداري عادي ، بل سيتحول إلى ملعب جديد يعكس تعقيدات المشهد السياسي داخل العراق ، ويرسم سيناريو جديد يضاف الى الدراما السياسية العراقية المعقدة ، من خلال السعي للإستفادة من العملية الإحصائية وتوظيف التعداد لتحقيق مكاسب حزبية وفئوية تعزز وجودها الانتخابي و نفوذها وسلطويتها في مفاوضات الحصص والمناصب ضمن الأطر الجيوسياسية المتفق عليها لاحقا وتمنحها أوراق ضغط في المستقبل ، ونحن على أعتاب انتخابات نيابية قادمة عام 2025 ،
لذلك أجد ان عملية التعداد السكاني قد تعمل على تغيير الخارطة السياسية والانتخابية القادمة خصوصا في المناطق المتنازع عليها او في مناطق الصراع والسيطرة في عموم العراق ، سواء كانت داخل البيوتات السياسية نفسها او بطبيعة التحالفات القادمة والسعي الى أبرم اتفاقات سرية وعلنية يمكن ان تُباع وتُشترى لتغيير هوية ما أو لإعادة صياغة خريطة سياسية أو اجتماعية او ثقافية او عشائرية بل حتى تاريخية جديدة ، بما يخدم مصالح طرف ما على حساب طرف أخر ، وهذا برأيي من أخطر ما يكون ، لانه ببساطة اي التعداد السكاني قد يتحول الى ورقة مقايضة في يد ((السياسي)) لتحقيق طموحاته الشخصية .