23 ديسمبر، 2024 7:08 م

التعايش والإنتعاش

التعايش والإنتعاش

التعايش مبدأ عربي إسلامي وضع أسسه وأرسى دعائمه الرسول الكريم (ص) عند وصوله المدينة التي تنورت بطلعته , والحناجر تنشد ” طلع البدر علينا…..” .
حيث رفع راية التآخي والألفة والتراحم.
فآخى بين الأنصار والمهاجرين , وأطلق روح الأخوة والتآلف ما بين الأوس والخزرج.
وحالما تحقق التعايش الإنساني الإيجابي , إنتعش الدين ثقافيا وإقتصاديا وعسكريا , وإزداد قوة وهيبة , وقدرة على الإمتداد في الآفاق.
وتسابقت الشعوب والمجتمعات إلى الإيمان بالله ورسوله وكتابه المبين.
فكانت معركة بدر , وفتح مكة , وتوالت بعدهما الفتوحات , وقدرات التأثير والتعبير الأسمى عن الآيات والإنتماء للدين.
وأعظم ما في قانون التعايش العربي الإسلامي , أنه حقق التفاعل الصحيح ما بين الإختلافات , فأصبحت أمة الإسلام أمة متآخية , فيها شعوب وأمم ذات لغات وعادات وتقاليد وثقافات متعددة ومتنوعة , لكنها تعايشت وتواصلت وتحققت , وأكدت وجودها  الحضاري الإنساني الوهاج.
وفي الزمن المعاصر , نرى أن الدول المتقدمة القوية الكبرى , قد إستثمرت في مبدأ التعايش ما بين الإختلافات , ولهذا نجدها تحث على الهجرة إليها من أرجاء الدنيا , ويعيش فيها بشر من جميع الأجناس والأعراق والأصول واللغات والمعتقدات , لكنها متفاعلة بآليات التآخي والتراحم والألفة , والعمل الصالح الجاد الذي يسهم في تحقيق المنفعة للجميع , ويحكمه قانون ودستور ينظم السلوك.
وفي مجتمعاتنا التي وُلِدت فيها آليات التعايش والتآخي , أصبحنا نتحدث عن التعايش وكأنه من المستحيلات , فصارنا نكتب عن إستحالة أن يتآلف السين مع الشين , والصاد مع الضاد , أو الدال مع الذال وهلم جرا.
وهذا يعني أن أبناء الأمة يجهلون حقيقتها وجوهرها , أو ينكرون وجودها , ولا يعرفون ثقافتها وتقاليدها , ومعاييرها الأخلاقية والسلوكية والعقائدية , التي تتخاطب مع الناس كافة , بكل ما فيهم من تنوعات وإختلاقات وإتجاهات.
وفي مجتمعنا العربي أمست العروبة وكأنها ضدنا , والدين كأنه محنتنا , ونحن منطلقه , والحاملين لمعانيه وأصوله ومبادئه , والمؤتمنين على صيانة هذه الرسالة المنيرة الساطعة.
وكم يُخجل أن نكتب كتابات ننفي بها إمكانية التعايش ما بين أبناء المجتمع الواحد والدين الواحد , ونلونهم بألوان , ونؤطرهم بأطر , ونمنحهم مسميات , نحشرهم فيها ونكيل عليهم أسوأ الصفات , لكي نحلل ما يجب أن نفعله بهم من القهر والتنكيل والفحشاء والدمار المشين.
فكيف تيقنا بإستحالة التعايش ما بين أوتاد خيمة الدين الواحد , وحسبنا كلَ وتدٍ عمودا لا عمود سواه؟!
فهل رأيتم خيمة بلا أعمدة وأوتاد؟
إن ما يحصل هو إنحرافات تفكير , وتوجهات تجهيل , وإندفاعات تضليل!
وما علينا إلا أن نعود إلى تلك المبادئ الواضحة البسيطة , التي تجمعنا وتطلق قدراتنا , وتستثمر طاقاتنا في الخير والصلاح والفلاح الإنساني.
فهل ندري ما نقول ونكتب؟
أم حسبنا الكلمة مجرد قول؟
وأن القول لا قيمة له ولا معنى!
ونسينا أن الكلمة الطيبة صدقة!!