18 ديسمبر، 2024 7:09 م

التعايش السلمي حجر الزاوية في بناء العراق الموحد

التعايش السلمي حجر الزاوية في بناء العراق الموحد

إن مفهوم التعايش السلمي هو انتهاج سياسة تقوم على مبدأ قبول فكرة تعدد المذاهب الإيديولوجية والتفاهم في القضايا التي تخص البلد . كما تدعو الأديان كافة إلى التعايش السلمي فيما بينها، وتشجيع لغة الحوار والتفاهم والتعاون بين أطياف المجتمع المختلفة.
حيث يمثل التعايش السلمي حجر الزاوية في بناء وطن موحد ينعم بالاستقرار ويسعى الى تحقيق التنمية المستدامة في كل المجالات، ورغم ما لحق بالعراق من انهيار في مختلف القطاعات إلا أنه يمتلك بقية من عمق تاريخي وأرث انساني وحس وطني يمكن من خلاله تحقيق انطلاقة لتعايش سلمي مستدام بين طوائف وشرائح المجتمع يهدف في النهاية لبناء وطن آمن للجميع، ويمكن ذلك من خلال حزمة ضخمة من السياسات والاجراءات منها بناء هوية وطنية عراقية تنصهر وتندمج تحت لوائها كافة القوميات والاثنيات والطوائف التي يتكون منها المجتمع العراقي من اجل زيادة اللحمة الوطنية والتخلص من آثار الانتماءات الضيقة، والسعي لبناء الدولة انطلاقاً من مفهوم الدولة الحديثة المبنية على التعددية الحزبية والانتخابات الديمقراطية ومحاربة الفساد المالي والإداري وتحقيق التنمية، لتحسين مستوى ونوعية الحياة لعموم المواطنين،
إن المجتمع العراقي قائم على التعدد فهو يواجه مشاكل الاختلاف الديني والتنوع الثقافي والتباين القيمي، بسبب تباين الخلفيات المؤسسة لهذا التعدد، وهي مشاكل يمكن التعامل معها بوعي يحوَّل التناقض إلى تكامل، والتصادم الي تعايش، والتعصب إلي تسامح. أما التعامل معها بانفعال فسوف يزيد النار اشتعالا.
إن التنوع والتعدد والاختلاف في الكون واقع ملموس تحدث عنه القرآن الكريم في أكثر من سورة ، والاختلاف في الحياة الإنسانية ضرورة اجتماعية وإرادة إلهية ، وهو من الموضوعات التي مازالت تشغل بال المجتمعات الإنسانية اليوم بسبب الحروب، والصراعات، ومحاولات الهيمنة، التي جعلت التعايش بين أفراد المجتمعات أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً في مجتمع يتسم بتعدد وتنوع مكوناته ثقافيا واثنيا وعرقيا كالمجتمع العراقي ,الذي هو ذات غالبية مسلمة, وهنا تتجلى ضرورة إبراز عظمة ومنهجية الاسلام في اشاعة ثقافة التعايش السلمي كإحدى أهم الضرورات الإنسانية والأخلاقية، وقد جاء الإسلام بشريعةٍ عادلةٍ، ونظمٍ إنسانيةٍ رفيعةٍ تحترم الإنسان، وتكرّمه بصرف النظر عن دينه وعقيدته، ويعطي حلولا واقعية في كيفية تحقيق التعايش في مجتمع تعددت أديانه وتنوعت ثقافاته وتباينت أفكاره؟
و يمكن الإجابة على كل هذا في دراسة أهم شروط و معوقات التعايش السلمي وانعكاساته على اللحمة الوطنية من خلال الآتي :

أولا: تعليم السلام إرساء لأسس المواطنة
في معظم البلدان الذي مزقتها الصراعات على مر الحقب الزمنية المختلفة ساهمت الصراعات المتجددة في خلق وضع يشهد مجتمعات تعاني من الصدمات والانقسامات. وهذا المنهاج هو خطوة أولى نحو فهم نظري للسلام والتحول إلى خلافات بعيدة عن العنف، ووضع أسس المشاركة المجتمعية من قبل المواطنين.
إن تعليم السلام يتسم بالتكلفة المؤثرة والمستدامة. ولو تمكنا من تعليم قادة العراق أفكار التعايش السلمي وتحول الصراع فستتغلغل هذه الأفكار في المجتمعات وتخفف في الوقت المناسب من عبء تكاليف القوات المسلحة المتعلقة بالعنف المستمر والأمن المطلوب حالياً للحفاظ على سلامة الآخرين. وينبغي الأخذ بنظر الاعتبار أن يكون ذلك مستنيراً بالأفكار الخاصة والسياق المحدد بالسلام والصراع.

ثانيا: المشاركة السياسية والسلام وتوفير العدالة
يقوض استمرار العنف والنزاع المسلح أمن الفرد ورفاهه. وتتطلب الوقاية من العنف وتحقيق سلام مستدام وجود مؤسسات ديمقراطية وتمثيلية ومنظومة فعالة للعدالة الناجزة.
إن عدم الاستبعاد، والدعوة والترويج والديمقراطية والمشاركة السياسية للمواطن تعد عنصرا أساسيا , يمكن أن يساهم في تأجيج النزاع أو أن يحد منه أو يقضي عليه. فالمواطن يمكن أن يقوم بدور حيوي في بناء عملية السلام ويساعد في معالجة العواقب الناجمة عن إهمال هذه العملية. ويمكن للمبادرات الوطنية ، أن تساعد على الانتفاع منها من قبل الزعماء السياسيين.
ان تنوير المواطن بشأن الزعماء السياسيين وطريقة عمل النظم السياسية. والأفراد بحاجة إلى المعلومات والمهارات اللازمة للمشاركة في التصويت، وفهم الرهانات والمخاطر والخطط التي تدور حولها عملية التصويت والانتخاب، والاهتمام بما تسفر عنه هذه العملية. إ
ن حملة لتوعية الناخبين قبل الانتخابات والدعوة لزيادة نسبة ميل المرأة إلى المشاركة بالتصويت سوف تساهم إلى خفض منسوب الترهيب وزيادة اقبال الناخبين على التصويت .
ومن شأن زيادة تمثيل المرأة في الحياة السياسية والمناصب العامة تقليص أوجه التفاوت بين الجنسين من خلال تقديم نماذج إيجابية لدور المرأة في الحياة العامة وزيادة طموحاتها في الانخراط في السياسات المحلية
ويمكن للتثقيف الجيد للمواطن أن يساعد في تعزيز التفكير النقدي والمشاركة السياسية، ويمكنه أيضاً زيادة النسبة التمثيلية للمواطنين . ويصبحوا أكثر ميلاً إلى الانخراط في الحياة السياسية إذا توفرت لهم فرص جيدة وبيئة مواءمة ومفتوحة تدعم مناقشة الموضوعات الخلافية أو المثيرة للجدل وتتيح لهم سماع وجهات نظر مختلفة أو التعبير عنها.
أن الانفتاح في المناقشات التي تجري تؤدي إلى زيادة الاهتمام بالسياسة وتعزز الرغبة بالمشاركة فيها. وتفيد البيانات أن وجود مناخ مفتوح وتشاركي يساعد المواطنين على رفع مستوى مشاركتهم في الحياة المدنية والسياسية. إضافة الى أن الثقافة و التعليم الجيد يمكن الانتفاع منهما على نطاق واسع وبصورة منصفة على الحفاظ على الممارسات والمؤسسات الديمقراطية. فالمستويات العالية من الثقافة الوطنية تقف وراء تحول الأنظمة نحو الديمقراطية .
و من المرجح أن يُعبِّر المواطن الساخط عن سخطه بوسائل غير عنيفة عن طريق المنظمات والأنشطة المدنية السلمية مثل الاحتجاجات والمقاطعة والإضراب والتجمعات والمظاهرات السياسية وعدم التعاون الاجتماعي والمقاومة.
وهناك علاقة معقدة ما بين ثقافة وحاجات المواطن والنزاع المسلح , فيمكن لعوامل الفقر والبطالة واليأس الناجمة عن الافتقار إلى تعليم جيد أن تقوم بدور تعبوي لصالح المليشيات المسلحة. فالشباب الذين يفتقرون إلى التعليم أكثر ميلاً للانضمام إلى المجموعات المتمردة مقارنة بالشباب الحاصلين على التعليم. وتزداد المشكلة تعقيداً في حالة عدم المساواة إذ تفيد البيانات أن البلدان التي تعاني من تفاوت واسع في حاجات المواطنين أكثر عرضة من غيرها للوقوع في براثن النزاع المسلح. غير أن توفير المزيد من الحاجات لا يشكل بحد ذاته حلاً سحرياً, بل أن فتح أسواق العمل وعدم جعلها في حالة ركود، حتى لا يتولد الاحباط ويزيد الغليان لدى الشباب العاطلين عن العمل وخاصة الخريجين الذين يبحثون عن فرص عمل ملائمة لتخصصاتهم.
إن الامور التي تغرس في نفوس وعقول المواطنين كالتحيز والتعصب والتشويهات التاريخية تصبح أرضاً خصبة لتوليد العنف, وبمقدورها أن تعزز الصور والأفكار النمطية وتفاقم المظالم السياسية والاجتماعية. ويمكن أن تكون أيضاً مصدر شقاق وتنازع وتظلُّم واسع النطاق.
أن البلدان التي تعاني من تفاوت واسع في الانتفاع بالحاجات وقلة التعليم والثقافة الذي تواجهها أكثر عرضة من غيرها للوقوع في براثن النزاع المسلح, الذي يعد من أكبر العوائق في تقدم البلد ،.
ويمكن المساعدة في معالجة الخلافات أو أوجه التباين بين المجموعات القومية والدينية عندما تتاح لهم الفرصة والإمكانيات اللازمة لذلك. فعندما تختار النخب السياسية الإبقاء على الوضع الراهن من خلال مناهجها أو عن طريق العزل على أساس العرق أو القومية أو الدين أو اللغة، فإنها تغرس أو تجذِّر سلوكية التعصب والتمييز لدى المواطنين . ويمكن للمناهج السياسية أن تساعد على تعزيز العلاقات الإيجابية بين المجموعات بعد النزاع المسلح أو على العكس قد تلحق بها الضرر. ويعتمد نجاح أي منهج سياسي على توفر قادة وطنين مدربين ومتحمسين وملتزمين.
ومن شأن التعليم والثقافة من أجل السلام المصمم تصميماً جيداً، أن يخفض نسبة العنف لدى المواطن ، مثل الاعتداء على الآخرين وممارسة الترهيب والمشاركة في النزاعات المسلحة. و بناء على ذلك يجدر ادراج التعليم في الخطط الدولية لبناء السلام بوصفه ضرورة ذات أولوية، ولكن القضايا الأمنية تميل إلى تسنم موقع الأولوية بدلاً من التعليم في هذا المقام.

ثالثا: القيام بدور حاسم في بناء نظام قضائي فعال
إن وجود نظام قضائي فعال أمر بالغ الأهمية لاستدامة مجتمعات يسودها السلام. ولكن يفتقر الكثير من المواطنين العراقيين للمهارات اللازمة لفهم النظام القضائي المعقد. ومن الملاحظ أن المواطنين الحاصلين على تعليم ابتدائي على معرفة جزئية بالنظام القضائي واصلاحاته، مقارنة بالمواطنين الحاصلين على مستوى تعليمي عال . ويمكن لبرامج التعليم القائمة على المجتمع المحلي أو الجماعة أن تساعد في تعزيز الفهم للحقوق القانونية، لا سيما بالنسبة للفئات المهمشة.
ومن الضروري أيضاً بناء قدرات موظفي الأجهزة القضائية وانفاذ القانون. فتدني مستوى التدريب وعملية بناء القدرات يمكن أن يعرقل العدالة ويؤدي إلى تأخيرات وثغرات وجمع غير كاف للشواهد والبينات، وعدم التنفيذ وسوء المعاملة. فبالإمكان تحول الأجهزة القضائية وأفراد الشرطة الوطنية بفضل برامج تدريبية تقوم بدور حاسم في بناء نظام قضائي فعال , و مؤسسات عامة تحظى بثقة الجمهور .