22 ديسمبر، 2024 10:56 م

التعايش السلمي المجتمعي مسؤولية الدولة

التعايش السلمي المجتمعي مسؤولية الدولة

مما يحسب للنظام الدكتاتوري السابق في العراق انك لا يمكن ان تسمع او تشاهد صراعا او حتى جدالا بين اطياف الشعب كطوائف او اعراق او اثنيات ، ربما عشائريا بشكل محدود وكان يوئد اي نزاع في مهده اذا حصل ، اما ان يتجرا رجل على الكلام العلني او في وسائل الاعلام ضد طائفة بعينها او رمز تاريخي او ديني لأي طرف فهذا مستحيل ويعرض الرجل المسيء وعائلته وقسم كبير من عشيرته الى عقوبات ارتجالية غير منضبطة بقانون تصل في بعض الحالات الى الإعدام ، لذلك كان هذا الامر في طي النسيان ولا تجد له ذكرا حاله حال المخدرات ، فنسبة الطائفية في العراق كانت صفر وكذلك المخدرات ،
فكان صدام يظلم الافراد ويحارب المعارضين ويعتقل اصحاب الراي السياسي ويقسو على جماعات متمردة باستخدام الجيش الوطني ولكنه لا يعمم ولا يفرق فقد أعدم بارق الحاج حنطه (قائد عسكري شيعي) و اعدم حسين كامل (زوج ابنته ومن عشيرته) لسبب متشابه في نظره وهو المخالفة،
الحكومات اليوم “ديموقراطية” ويتمتع المواطن في ظلها وتحت حماية الدستور بقدر كبير من الحرية في الراي والتعبير والسفر والاختيار وهذا تغيير طيب يحسب للمرحلة الجديدة لكن النفوس المسيئة تحتاج الى الضبط فترك الامور على غاربها غير صحيح بل غير صحي وخطر جدا فبعض النفوس تتوق الى الإساءة وتتلذذ بالاعتداء -إذا ظنت نفسها محصنة- خصوصا في بيئتنا الحارة الباردة ومجتمعنا الشديد التطرف فمعلوم انك “كحاكم” في العراق تُقدس لفترة ثم تُسحل في الشوارع ويُمثُل بجثتك او تعلق في ساحة الوثبة ولم يسلم احد من هذا المصير على مر التاريخ الا ماندر ، كذلك فان النزاع المجتمعي في هذا البلد لا ينتهي بمشاحنات كلامية وانما بقاتل ومقتول وامامنا سنوات الطائفية 2006-2009 غير بعيد فقد انقلب ذلك الشعب المتحاب المتصاهر طوال قرون الى فرق موت وسيطرات اعدام ومدن ملغومة وصارت الشوارع مقابرا بمجرد شرارة مفتعلة من ايران عضدتها امريكا واخوتنا العرب لمصالح سياسية معينة في حينها ،
اذن هذا النوع من الناس موجود وهو قنابل موقوتة ووحوش نائمة ما ان تسمح لها بالاستيقاظ دون قيد حتى تنطلق وتفتك ، المسؤولون في العراق اليوم كون الحكم بيد طائفة واحدة من طوائف الشعب مع “وهم الاقليات” للمكونات الاخرى ، فقد ظن قادة هذه الطائفة ان قهر المكونات الاخرى وتهميشها وترك السفلة للتطاول والكيل بمكيالين وتطبيق القانون على جهة دون اخرى ، ظنت ان هذا من الاخلاص للمذهب او نشر العقيدة السليمة او تصحيح التاريخ او ربما تعجيل ظهور المهدي ، وهذا خطا فادح ، فالمهدي لا يظهر على اكتاف المظلومين لينصر الظالمين وان الفساد في الارض لن يطهر الارض بل يفنيها ،
لذا فان التغاضي عن المسيئين اجتماعيا وطائفيا وعرقيا له عواقب وخيمة وارتدادات خطرة مهما وصل الشعب من الوعي والاعتبار فان النفوس السيئة متجددة وولادة فالشاعر السافل المتحلل من القيم قد يلد شاعرا سافلا مثله والسياسي المجرم قد يخلف مجرما مثله وعلى هذا فان وعي المجتمع ضد التناحر او التشاحن لن يجدي شيئا اذا انطلقت شرارة بغيضة من طائفي مؤثر بين جهلة متعصبين ثم بعدها يفرض الاصطفاف نفسه وتعم روح المناصرة والمبارزة وعند ذلك لات ساعة مندم ،
فمنعا لكل هذا تتخذ الدول ذات الاعراق المتعددة والطوائف والاديان قوانين صارمة تجرم العنصرية والطائفية والازدراء وتحاصر الاثارة المجتمعية ، وتنفذ هذه القوانين والعقوبات بحدية وجدية دون النظر الى مصدر الاساءة ان كان من قومية الحاكم وطائفته ام لا ، والا فان النار ستاكل بعد ذلك الجميع حاكما ومحكوما ، وامامنا شواهد التاريخ ،
فعلى عقلاء هذا البلد وفقهاء هذه الدولة ومشرعيها الالتفات لهذا وترك النهب والسلب والفساد جانبا لأسبوعين فقط والتخلي عن التعصب المذهبي والعرقي لفترة من الزمن واقرار قوانين تعالج ذلك وجعلها مرعية التنفيذ للتوقير في النفوس ان لا احد ينجو منها ان اساء ، فان الذي يامن العقاب يسيء الخلق .