العراق اليوم بحاجة لتعزيز التعايش هذه المشروع الحضاري والخطاب المتوازن بمفرداته وتطبيقاته وتجلياته والقيم الايجابية التي تعني الوئام والمحبة على الرغم من اختلافهم المذهبي والديني والقومي اكثر من اي وقت مضى حيث ان بلادنا القادرة على البناء الانساني المتضامن بما تحمل من معاني بشهادة ماضيه لم تغب شمس التعايش عنها وفشلت كل المحاولات التي سعت لذلك وعاشوا ابنائه على المودَّة والعطاء وحسن الجوار ، وهي بحد ذاتها مدرسة ثورية نموذجية كبيرة لتوحيد المجتمعات التي فيها من الطوائف والاثنيات والعرقيات الشيء الكثيربما يشاهدوه في ارض الرافدين ، لا يمكن ان يكون هناك تعايشا سلميا مستمراً بين كل هذه الاطياف الجميلة التي تعيش على ارضه منذ فجر التاريخ اذا لا نضمن استقرارا امنياً مرتكزا على المنطق والعقل في هذا البلد مبنيا على معاني الصدق والاخلاص لبناءه ، فالثرثرة والجعجعة وخطب السياسيين بالاصلاح عبر الميكروفونات والفضائيات فقدت مصداقيتها لأنها افتقدت لأي عمل على ارض الواقع ، وما عادت تغني أو تسمن من جوع ، وآلام ومعاناة الناس أكبر من مجرد خطبة .العراق متنوع وتكمن جمالياته في اطيافه المتعددة و لطالما كان التنوع الثقافي والتعدد القومي والديني الذي عرف به عبر تاريخه نموذجًا فريدًا على مستوى المنطقة من حيث غزارة الإرث الحضاري والتاريخي لكل من تلك التجمعات البشرية وتعاقبة أدوارها ومساهماتها في ذلك الإرث الطويل ولمختلف الأسباب والظروف التي مكنتها من تسجيل تلك المساهمات المشتركة ،ولعل محنة «داعش» قد افضت إلى مراجعات عميقة في الوسط الشعبي و السياسي العراقي على اختلاف انتماءاته الحزبية والمذهبية أو حتى الاثنية اذا ماكانت فإنها تعد واحدة من أقوى الهزات والمطبات والأدوات التي تدفع لتعزيز الروابط الاجتماعية واحترام التنوع وتعزيز المثل العليا للتضامن والتسامح في الداخل و المنطقة اذا ما حافظنا عليها و ساهمت تاريخياً في ترسيخ العمق الثقافي والحضاري للمكونات وعلامة تمييز فكانت الفرصة التي سنحت لنهوض العراق من كبوته وان يعود شامخاً مرة اخرى .
ولكن على الجانب الآخر تبرز مشكلة الحفاظ على هذا التعدد والتنوع من الهزات العنيفة والمصاعب التي واكبت هي الأخرى مسيرة العراق عبر الزمن. ولأن التاريخ بمجمله العام إرث إنساني تكمن الاستفادة القصوى منه كونه سجلًا يساعد على استقراء ما حدث في الماضي واستنباط الدروس والعبر من التجارب السابقة لتفادي تكرار ما وقع فيه الماضون من أخطاء، فإن التاريخ في بلد كالعراق رغم عمقه الزمني المتجذر قد فقد إلى حد ما ميزته الأساسية في كونه كان مصدر للعلم و التعليم بسبب الظروف السياسية والاخطاء الكبيرة التي وقعت من قبل الحكومات السابقة ادت الى انهيار المراكز الثقافية والعلمية مع الاسف .
اليوم المطلوب منا ان نعيد ذلك التاريخ العلمي والحضاري الرائع والفريد لتساهم معا القطاعات الأخرى التي تعي خطورة ذلك التوجيه وتكافح لكبح جماح هذا الاستعداد المجتمعي، والدولة على رأس الامورفي توفير المستلزمات التي تحتاجها المرحلة المقبلة وكم نحن اليوم في امس الحاجة الى ان يلتقي العراقيون على علمهم ومادام الجميع مع وحدة العراق وضد التقسيم ، صحيح ان الجرح كبير والمصيبة أكبر، ونهر الدم الذي أراد منه الطائفيون أن يكون نهرا فاصلا بين عراقي وآخر مازال لم يجف بعد، ولكن هناك أمل ، فالعراقيون شعب لديه كل أسباب التعايش والحياة من جديد ، وكل ما ينقصه أن يتخلص من الذين لا يفكرون إلأ بالسلطة و لم تر فيه سوى غنيمة وجسرا لتحقيق أهدافهم الخاصة . اما ابناء العراق الاصلاء يجتمعوا على راية وطنهم وقومهم ، ويريدون دولة قوية وموحدة وبعد ان خرجوا ليعلنوا رفضهم للطائفية والكراهية والفساد، وخرجوا فى المظاهرات الكثيرة ليعلنوا ( لاسنية ولاشيعية دولة واحدة عراقية ).
الطائفية المقيتة التي دمرت مقدرات العراق وحولت الشعب الغنى بكل شيئ من انواع الطاقة والزراعة والمياه ومقومات الحضارة والتاريخ ويعتز بالأرض وخيراته لكن تحول إلى شعب يعانى الامر ثم الامر و كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فضلا عن الإرهاب والفساد، والفاسدون نهبوا ثروات الشعب، ولم تنتج الطائفية فى العراق سوى الفقر والموت، والإرهاب التهم الكل دون استثناء ،ليس فقط المسلم السني والشيعي والمسيحي ، إنما الإيزيدي والصابئي،الكوردي والعربي والتركماني بعد أن كان العراق دائما وطنا يجمع عشرات المذاهب والأعراق في بوتقة حضارية واحدة ،وكانوا متصالحين على رمز بلادهم الواحد،، يتعايش فيها الجميع،، ويوحدوا راياتهم فيه فلا يرفعون سواه راية العراق الموحد، ولا يتنافسون على غيره ، ولا يسمحون لأي رايةٍ حزبيةٍ أن تعلو عليه أو تتقدم ، أو أن تكون لها الأولوية دونه ، إذ أن كل الرايات الأخرى لا يجتمع عليها المواطنون، ولا يتفق عليها ابناء الوطن ، بل إنها قد تكون سبباً في اختلافهم ، وعاملاً في تفرقهم ، وأحياناً قد تتسبب في شجارهم واشتباكهم معاً ، الأمر الذي يجعل منها راياتٍ جاهليةٍ ، وأدواتٍ غير وطنيةٍ .
أمام الدمار الرهيب وأنهار الدم ومئات آلاف في مخيّمات النازحين اليوم فلا بدّ من وقفة ، وإلا تذهب كل هذه المآسي هباءً، إذا كان الساسة سيعيدون إنتاج الأوضاع التي أدّت إليها و ضرورة مشاركة جميع طبقات الشعب في بناء ما خربته الانظمة الحاكمة طيلة أربعين عاماً في العراق .
اما مع الجيران من الدول اثبتت تطورات الأحداث أن موقف الشعب العراقي في المنطقة هو متميز من بين جميع الدول وسياسته هي الانفتاح على جميعها بما فيها الاعداء منهم ، لكن يريد منهم عدم التدخل في شؤونه ، كما أنه لا يتدخل في شؤونهم ، ولا يريد أن يكون بديلاً عن أحد ولا يؤمن بالاحلاف ضد اي كان ويسعى للسلام والمحبة والاستقرار في المنطقة والعالم ويشارك في توطيدها ، ولكن يريد التركيز على بناء العراق ومساهمتهم معه في بنائه وازدهاره ليعود كما كان .
ولا ننسى الخراب الذي حل به بعد ان دخل المحتل الامريكي بغداد بعد عام 2003 و اتخذ جملة من القرارات التي أسهمت بشكل كبير في إفراغ الدولة من محتواها المؤسساتي، فبالإضافة إلى حل الجيش، و كل الأجهزة الأمنية مما اصيبت الدولة بالشلل الكامل ومن جانب اخر فقد سعى الى زرع روح الفتنة المذهبية والقومية ليسود على شؤون البلد وافراغه من كل شيئ حضاري وارثي في سرقة اثاره ، ومع ذلك كانت الانسيابية تسود الكثيرة من مفاصل الحياة الاخرى وما كان ذلك ليكون لولا أن هناك تفاهم وتعايش بين أبناء المجتمع ، وبدونه كادوا ان يكونوا اعداء متضادين يحارب بعضنا بعضا وكما اريد لهم ان تكون الاوضاع على قاعدة فرق تسد ولم تدم دوامة العنف الاكلة لكل ما هو نبيل في وطنهم لولا الاحساس بالخطر المحدق و ليكون ناقوس التعايش السلمي و احترام التعددية بديل عنه وتجاوز الخلافات والاختلافات التي هي من الثوابت القيمية التي تضمن قوة المجتمع ومنعته، وحماية أمنه واستقراره. ولا تهميش لاحد فيه اذا حسنة النوايا وتسامت وعلت القلوب لتنبض بها عن طمأنة .
والعراقيون اهلا لذلك واتخذوا التسامح والتعايش السلمي منهجًا أساسيًّا في حياتهم مدى العصور والقرون يسهمون فيه كي يثبتوا للعالم اجمع وحدتهم وتماسكهم بضمير حي ووجدان سليم وعفة اليدين بعد الاستعانة بالله ونظم امرهم وعدم الخوف إلأ منه فالمرحلة صعبة والمسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجميع لحفظ التعايش والتسامح وهو الهدف المرجو والاسمى .