كانت إيران ترتجي أن تحقق مكاسب كثيرة بإبرام الإتفاق النووي مع الغرب بقيادة أميركا ، ومما كانت ترتجيه هو رفع الحصار المفروض عليها وإطلاق أموالها المجمدة في المصارف الغربية ودخول الشركات الغربية للأسواق الإيرانية ، واستغلال كل ذلك في خدمة مشروعها التوسعي في المنطقة في عملية إنفلات لشرطي الخليج السابق وتفرد وتوسع لصلاحياته ، ولكن إذا كانت هذه هي حقيقة الأهداف الإيرانية فهل يمكن أن تتحقق بكاملها ؟ وهل يتمكن العرب من استغلال الظروف والمصالح الدولية المتشابكة بلجم إيران عن تحقيق أهدافها الخاصة بالتوسع على حساب دولهم وخصوصاً دول الخليج العربي ؟ وعلى العرب قبل كل شيء أن يكون لهم مشروعهم المقابل للمشروع الإيراني من أجل حماية بلدانهم ، وهذا يستلزم عدة خطوات تكلمنا عنها في مقال سابق ، وإذ بدأ العرب الآن بمحاولة تحييد أو التضييق على الأدوات التي تلعب بها إيران ومنها حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وأتباع إيران في دول الخليج لكنها لم تتمكن لحد الآن من محاصرة الأصابع الإيرانية في العراق المتمثلة في المليشيات المسلحة والأحزاب والحركات الإسلامية الموالية للولي الفقيه وكذلك المرجعيات الأعجمية التي تخدم المشروع الإيراني ، وعلى العرب الإستفادة من التجارب الدولية في التعامل مع إيران ومنها تجربة الملف النووي الإيراني الذي حاولت إيران تصويره بأنه إنتصاراً لها على الغرب وأميركا لكن أميركا استطاعت بذكائها أن تُفرغ هذا الإتفاق شيئاً فشيئاً من مزاياه المتوقعة لصالح إيران ، فمسألة دخول الشركات الغربية للإستثمار في إيران لن تتم ما لم تتغير السياسة الإيرانية تجاه الدول الغربية وأميركا ودول المنطقة ، إضافة إلى الكف عن تقييد الحريات ومنها حرية الصحافة واحترام الأقليات وحقوقها والسماح بمعارضة حقيقية كما يوجد في الغرب وهذا ما لا يمكن توقع حدوثه ، وكذلك ملف الأموال المجمدة فلم تهنأ به إيران حيث سارعت المحاكم الأميركية إلى الحكم بتغريم إيران مبالغ تقدر بعشرة مليارات ونصف المليار دولار كتعويضات لعوائل الضحايا وشركات التأمين عن مسؤولية إيران في أحداث 11 أيلول عام 2001م والموضوع ما زال مفتوحاً لكل من يدعي من الأشخاص أو الشركات بأنه قد أصابه الضرر ، وبالتالي أصبحت الأموال المجمدة في المصارف الغربية على مهب الريح في أي لحظة ، وفي ما يخص ملف الصواريخ البالستية الذي بدت تلوح به أميركا وبمساعدة الدول الغربية للضغط على إيران واستخدامه كورقة لإعادة فرض الحصار على إيران في أي وقت تشاء ، وهذا ما أشارت إليه صحيفة ” كيهان ” الإيرانية بقولها ( إن الاتفاق النووي خدعة وهزيمة جديدة ، لم تقدم سوى مزيد من التنازلات الإيرانية للغرب ) .ومن هذا نستطيع أن نرى ونعرف كيف تعاملت أميركا والدول الغربية بدهاء مع إيران حيث جمدت ملف أسلحتها النووية وجعلتها تحت رحمتها عند حصول أي خرق وكذلك أفقدتها الكثير من الإمتيازات التي كانت تصبو إلى تحقيقها ، ولم يعد لديها سوى تحركها وتوسعها على حساب المنطقة ، وعلى العرب أن يستغلوا هذا التحرك الغربي للعمل بنفس الآلية والذكاء لوقف التوجه الإيراني ، فتشكيل التحالف الإسلامي وتوسيع نطاقه وتفعيله ، وقطع الأصابع الإيرانية التي تعمل بها إيران ، ومساعدة الأقليات العربية وغيرها التي ترزخ تحت الإحتلال والتعسف الإيراني ، واستغلال الملف الإقتصادي بما فيه النفط ، وإيجاد البدائل عن مضيق هرمز ، ومواجهة المشروع الثقافي الإيراني الذي يستغل الشيعة العرب بوضع الخطط لإستيعابهم من قبل دولهم وجعل ولائهم للوطن بدلاً من الولاء للطائفة ، ومحاولة وضع الأُطر الفكرية لمشروع المواجهة ، مع التأكيد أن لا يكون المشروع مؤقتاً بل يكون دائمياً لنشر الإسلام الوسطي المعتدل البعيد عن الطائفية لكي ينتهي إستغلال الدين من هذه الجهة أو تلك بتحشيد الناس وإستغلال عواطفهم لضرب الأوطان وتمزيقها . ومن أجل إنتهاز الفرص وعدم ضياعها فقد جاء تحذير المرجع العربي السيد الصرخي لدول الخليج بقوله (ــ هنا يقال : هل يمكن تدارك ما فات ؟!! وهل يمكن تصحيح المسار ؟!! وهل تقدر وتتحمّل الدول الدخول في المواجهة والدفاع عن وجودها الآن وبأثمان مضاعفة عما كانت عليه فيما لو اختارت المواجهة سابقاً وقبل الإتفاق النووي ؟!! فالدول الآن في وضع خطير لا تُحسَد عليه !!! فبعد الإتفاق النووي إكتسبت إيران قوةً وزخماً وإنفلاتاً تجاه تلك الدول !! وصار نظر إيران شاخصاً إليها ومركَّزاً عليها !! فهل ستختار الدول المواجهة ؟!! وهل هي قادرة عليها والصمود فيها إلى الآخِر ؟!! ) . وعلى الدول العربية وبالذات الخليجية عدم تضييع الفرص وإقتناصها بسرعة وبذكاء لوقف الزحف الإيراني على دولهم وإعادة بناء اللحمة الوطنية بالتأكيد على المواطنة بدل التمذهب الذي يخدم المشروع الإيراني ، ولتعلم هذه الدول أن القاتل للمشروع الإيراني هو المشروع الوطني المعتدل الطرح والوسطي الذي يحترم الأديان والمعتقدات ويعتنق أبناء الوطن بغض النظر عن الدين أو المذهب .