من القوانين السلوكية الواضحة , أن أي نظام حكم لا يمكنه أن يكون ضد الشعب إلا عندما يكون مدعوما بقوى خارجية , أو أنه يمثل قِوى خارجية ويقوم بدور الوكيل لتنفيذ مشاريعها وتحقيق مصالحها.
وعندما يُحكَم أي بلد بمثل هذه الحكومات فأن ما يقوم به الشعب لا يحقق شيئا , لأن الحكومة محمية بالقوى الخارجية التي تنفذ أجنداتها بإتقان , وهذا يعني أن أي تظاهر أو إحتجاج سيتحول إلى تقاهر , أي تدمير للشعب , وإدخاله في متاهات تصارعية تؤمّن بقاء الحكومة الموكلة بتنفيذ مشاريع الآخرين , وتمكينها من تدمير البلاد والعباد وفقا لذرائع وسينوريوهات يتم إعدادها في دوائر الفتك بالشعوب والبلدان.
وما يجري في بعض البلدان من إحتجاجات وتظاهرات وإجتياحات للمباني والمناطق والمؤسسات , ربما سينقلب إلى تقاهر وتقهقر ومزيد من المعاناة والمكابدات , التي سيتم إعدادها وتحضيرها لتكبيل الجماهير بتداعياتها وإشغالهم بتفاعلاتها , التي يتم تغذيتها وفقا لبرامج مدروسة وخطط مرسومة بعناية , ومجرّبة في مختبرات سبي الشعوب وإهلاكها عن بكرة أبيها.
فالمجتمعات المحكومة بقوى ذات مصالح تمثلها حكومات موكلة بها لا يمكنها أن تنجز شيئا , لأنها قد سقطت في حفرة العاطفية والفئوية والتحزبية , وتمترست خلف الجدران الإنفعالية , التي تزداد سمكا وصلادة وقدرة على الإحتكاك والتصادم والإحتدام.
فبعض المجتمعات قد تم هندستها إجتماعيا وفقا لمصالح الآخرين , فتحوّلت إلى وجود عشوائي مضطرب , فتناست وطنها وقيمها ومصالحها وأخلاقها وهويتها , وإنتماءها الإنساني والوطني والقومي والديني , وصارت كتلة ملتهبة من التفاعلات السلبية والتناحرات الهمجية الصاخبة.
ولهذا فأن هذه المجتمعات لن تنجز شيئا مفيدا ونافعا , وإنما سيتم قلب نشاطاتها وتوجهاتها لما يخدم مصالح القوى التي أوجدت حكوماتها , والتي تساهم في بناء الحالة النافعة لمنطلقاتها العقائدية والسياسية.
فلا يهم القوى الأخرى إلا أهدافها , وبما أنها وجدت الساحة الملائمة لتمرير مخططاتها , فأنها تبذل أقصى جهودها لتحقيق إرادتها وفرضها على المجتمعات , التي إرتضت الذل والهوان والإمتهان ونكران المصالح الوطنية والهوية.
وتظاهراتها لن تأتي بجديد نافع , وإنما ستأخذها إلى ما هو أشد وأقسى وأمّر , لأن تعقيد الأمور وتنمية التصارعات هو المطلوب للحفاظ على المصالح الكبرى الإقليمية منها والعالمية.
ولأن هذه القوى تعمل بقدرات متطورة ونظريات مجربة , فأن الجماهير ستكون لقمة سهلة ومادة أولية جاهزة لتصنيع المطلوب والمتفق مع المصالح والأجندات المفروضة , ما دامت الطائفية والفئوية هي القانون والدستور والقوة التي تتحكم بالوجود القائم فيها.
وبما أن الهمجية قد جلست على الكراسي فأن الخير بعيد , والشر هو الحصيلة المثلى التي ترتجى من الجهلة والتابعين , القابعين في كراسي التوكل والتواكل على القوي القادر القابض على مصير المتوهمين بالسلطة والحكم , وما هم إلا منفذين لأجندات الآخرين , ومحكومين بأمرهم وحسب.
ولن تقوم قائمة لمجتمع محكوم بالوكالة , إلا بتحريره من الوكلاء الأوفياء لإرادة الآخرين!!