18 ديسمبر، 2024 9:11 م

التظاهرات وتصفية الحسابات

التظاهرات وتصفية الحسابات

لأول مرة في تاريخ العراق الحديث وربما في كل تاريخه تصمد الجماهير المنتفضة كل هذه المدة وبثبات ومواصلة قل نظيرها في تاريخ العالم السياسي .. فعلى الرغم من التضحيات العظيمة التي قدمها أبطال انتفاضة تشرين ومازالوا يوميا يتعرضون للقتل والقمع والخطف والاعتقال والتغييب والتعذيب وحملات الترهيب والعنف فهم مازالوا يرابطون في أماكنهم وساحاتهم التي تحولت يوما بعد آخر الى كرنفال يومي يفيض حيوية وإصرارا وتلاحما وتراصا وقصصا بطولية رغم المصاعب والعواقب التي يواجهونها في كل لحظة..

في الضفة الأخرى مازالت بعض القوى السياسية الحاكمة والممسكة بالسلطة والسلاح حتى هذه اللحظة تعتقد بأن انتفاضة تشرين ماهي الا مؤامرة إسرائيلية بتمويل إماراتي سعودي لسلب الحكم من الشيعة الموالين لإيران.. ومازالت تعتقد أن كل هذا الحراك الشعبي والجماهيري وشعاراته وتوجهاته إنما هو بفعل فاعل خارجي وبمساعدة قوى داخلية سياسية وعملاء دينيين ومدنيين تم تدريبهم وتمويلهم ضمن خطة مدروسة ومحكمة وعلى مراحل وتوقيتات الهدف النهائي منها هو افتعال صراع بين القوى الشيعية وصولا الى حرب أهلية بينهم ..

بلا شك من هو في ضفة الانتفاضة ينظر الى هذه الأفكار بسخرية وألم لأنه يعي جيدا ان ماتدعيه هذه القوى هو العذر الذي تقنع به مناصريها لوأد الانتفاضة والقضاء على قوتها الشبابية وتفتيت ناشطيها بشتى الطرق …
قالحقيقة التي لاتقبل الشك أن هذه المنظومة السياسية والطغمة الحاكمة لم تفشل في ادارة البلاد طيلة ١٦ عاما فحسب بل جعلته ذليلا تابعا للنفوذ الخارجي مما أفقده أي أمل في أن يتعافى من جديد في ظل هذه القوى نفسها..

ومن شر البلية أن هذه الطغمة الفاسدة اتخذت قرارها بتصفية حساباتها مع أطراف الضفة الأخرى من دون أن تستوعب دروس الأيام الماضية أو النداءات الدولية وأوهمت نفسها بأنها ستنتصر في النهاية على إرادة الشعب لأنها مازالت تمتلك السلطة والمال والإعلام والسلاح وعدد من العصابات المسلحة التي تتحرك بحرية بسبب ضعف حكومي واختراق أمني وكل ذلك بدعم أجندة خارجية معروفة..

لكنها غفلت أو تغافلت عن الحقيقة الكبرى في أن شباب الانتفاضة السلميين الذين أجبروا الحكومة على الاستقالة والذين ساندتهم المرجعية وكل القطاعات الجماهيرية أصبحوا اليوم اكثر قوة ووعيا وتماسكا وستقف معهم كل القوى الوطنية فضلا عن التعاطف الدولي والشعبي العالمي المتزايد وأن صولات الباطل مهما علا ضجيجها فإنها خاسرة ذليلة محملة بالخزي والعار .. أما صولات الأبطال السلميين المضمخة بالدماء الطاهرة وأنات أمهات الشهداء ودموع أبائهم وأخوانهم وأبنائهم فإنها من دون شك ستنتصر في نهاية المطاف لأنها صولات الحق..