تعتبر التظاهرات ظاهرة من اهم ظواهر النظام الديمقراطي ، وهي حالة صحية في الوقوف على سلبيات الآداء الحكومي ، ومحاسبة المقصرين ، كما انها حق مكفول للجميع كونها تشكّل المشهد السياسي ، اذ لا تظاهرات في الانظمة الديكتاتورية ، ولكنها مرافقة للنظام الديمقراطي ومعبرة عنه ، وهي احدى اهم أشكال التعبير عن آراء الشارع ومطالبه وربما لم نبالغ اذا قلنا انها أدقها وأكثرها تعبيراً ، ولكن مثل هكذا تظاهرات تحصل في طرفاً استثنائي هو غاية في الخطورة ، يجب ان تخضع الى التنظيم وقوانين تنظم عملها ، من حيث اعداد المتظاهرين والمكان والزمان ، اذ يعيش البلاد منعطف خطير جداً مع وجود التنظيمات الإرهابية التي تحاول استغلال الثغرات وإيجاد فجوة للنفاذ وتنفيذ الاجندات الخطيرة في تمزيق وحدة البلاد وتدمير وجوده .
التظاهرات الاخيرة التي حدثت في ساحة التحرير هي سلوك حضاري لا يمكن القول عكس ذلك ، وهي احد إنجازات التحول الديمقراطي في البلاد ، حيث اتاحت للمواطن فرصة التعبير عن مطالبه وآراءه ، ولكن تصبح هذه التظاهرات في دائرة الشك اذا تغيرت النوايا ، ودخلت الشبهات بين شعاراتها ، وحملت بين حامليها النوايا السيئة والأجندات الخطيرة في ضرب العمل السياسي وتدمير اي تقدم او إنجاز يمكن ان يحسب لهذه الحكومة او تلك ، والا تظاهرات الأخوة سائقي القطارات التي عكست وضعاً خطيراً في طريقة التعبير عن السخط او التظاهر السلمي على عدم تسلم راتب المنتسبين في الشركة العامة للسكك الحديد ، فماذا يعني تحرك قطارين من محطتهما الرئيسية فجر اليوم 29 تموز، دون اذن من الجهات الرسمية،وتوقف الاول وسط ساحة عدن والثاني وسط ساحة قحطان فعزلتا الكرخ وتسببتا في احداث ازدحام شديد وارتباك مرور قوي، وتأخر الموظفين، والأهم استياء المواطنين وكثر انتقادهم للحكومة والادارة العليا، والحجة هو رواتب الأخوة منتسبي الشركة ، وبالتالي دفع السائقين الى اتخاذ مثل هذا الإجراء الخطير ، والذي يعد خروج على السلطة والقرار التنفيذي في الشركة ، وان كنا لا نعلم من اصدر الامر لهولاء السائقين او من هي الجهات التي تقف خلف مثل هكذا اجراء ليس من صلاحية احد سوى الشركة العامة للسكك الحديد .
ان اخطر ما يميّز هكذا تظاهرات هو خروجها عن الهدف التي من اجلها خرجت ، لان هناك جهات تحاول استغلال هكذا تظاهرات لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بها ، لاسيما ان مثل هكذا جهات القدرة على توظيف التظاهر على النحو الذي يخدم مصالحها وأجندتها ، كما ان المندسين واصحاب الأهداف الخبيثة الذين ما زال حلم عودة المعادلة الضالمة يراودهم دخلوا بين اروقة هذه المظاهرات لاثارة الناس والجمهور على الحكومة ، والا دعونا نركز على من يقف خلف تلك التظاهرات وماذا يريد ؟!! ، ليست القضية قضية كهرباء ، لان تظاهرات البصرة تحولت من التظاهر الى التصادم ، والى تهديد المسؤولين بالمحافظة ، وبالتالي تغيرت الأهداف من المطالبة بالحقوق آلى التهديد ، كما لا نعلم ما هس العلاقة بين تلك التظاهرات وبين اسقاط تسع ابراج نقل الطاقة الكهربائية شمال البصرة ، والتي تخدم المواطن البصري بل عموم العراقيين .
لا خلاف ان الشعب العراقي تعرض لظلم كبير من ساسته ومسؤوليه ، ومن حقه الطبيعي الذي كفله الدستور المطالبة بتلك الحقوق ، من خلال الصوت تو من خلال التظاهر وهي تبسط حقوق يمارسها المواطن العراقي ، على ان لا تجيّر مطالبهم وتسيس لأغراض حزبية الغاية منها ارباك الوضع السياسي العام ، وإيجاد ثغرة أمنية من احل تهديد أمن المواطن واستقراره ، خصوصاً وان الارهاب الداعشي هدد مرارا وتكرارا بدخول بغداد ، ويعدها معركته المصيرية التي ينبغي تنفيذها في ساعة الصفر ، لهذا على العقلاء ان يعوا حجم الخطر المحدق بالعراق وشعبه ، وتفويت الفرصة على هولاء المندسين ، والوقوف بحزم امام كل من يحاول تخريب مطالب الناس وتحريفها ، كما يسعى البعض من هذه الجهات والأجندات الى تأصيل فكرة التظاهرات ك وجعلها سمة يتسم بها هولاء المتظاهرين ، مثلما حصل في ساحات الاعتصام والتي تحولت الى تظاهرات ومن ثم الى سقوط مريع وأجندات خطيرة انكشفت فيما بعد نواياها ومخططاتها ، والتي يراد منها ان يكون الشعب العراقي شعباً مشاغباً لا يتسق وطبيعة التحول الديمقراطي في البلاد ، وبما يخدم الأهداف الاستراتيجية الخبيثة في سقوط النظام والعملية السياسية برمتها ، وهذا ما يسعى اليه دول الجوار الإقليمي ويسعون الى تنفيذه قريباً.