يفاجئنا دولة الرئيس نوري باشا المالكي عاهل العراقي الجديد ، بين الحين والآخر، بتصريحات ومواقف سياسية تنطوي على درجة كبيرة من الاستفزاز لجموع المتظاهرين والمعتصمين في المناطق الست المنتفضة من العراق الحبيب وها هم يدخلون شهرهم الثامن مطالبين بحقوقهم ومطالبهم البسيطة والشرعية ،
ربما تؤدي إلى نتائج عكسية تماما لم يتنبه لها ،
ونحن نشير هنا إلى تصريحاته التي أدلى بها قبل أيام .
عوامل ووسائل الإعلام العراقي والعربي والدولي ،
وحذر فيها المتظاهرين ومن يدعمهم ومن يقف ورائهم من تركيا ودول الخليج . من المضي قدما في التدخل في الشؤون الداخلية العراقية ،
وهدد بأنه سيرد بالطريقة نفسها ،
وسيدعم المتمردين في هذه الدول بما يسبب مشاكل لها .
فهذا التهديد ،
يمكن إن يكون مقبولا ومفهوما ،
لو انه صدر عن رئيس دولة ذات سيادة ، تسيطر على أراضيها وحدودها ، وتحمي أمنها الداخلي ، وتملك جيشا قويا جرارا ،
ولكن السيد المالكي لا يستطيع مغادرة قصره داخل المنطقة الخضراء ولو لمرة واحدة وأتمنى كما يتمنى غيري أن أشاهد جلالة دولة .
رئيس الوزراء السيد المالكي يزور وزارة أو دائرة أو مدينة أو محافظة طيلة حكمة .
أو لزيارة جاره قصر مسؤول أمريكي في المنطقة نفسها ، إلا بعد إخطار القوات الأمريكية مسبقا ،
وقبل يوم كامل وحتى هذه اللحظة ،
حتى توفر له الحماية الأمنية المطلوبة .
وربما يفيد التذكير بان السيد نوري المالكي رئيس وزراء العراق .
فإذا كانت حكومة السيد المالكي لا تستطيع أن تحمي مطار بغداد والطرق المؤدية إليه ،
وبما يعفي الطيارين من الحركات البهلوانية التي يتبعونها للإقلاع والهبوط ،
وتوقف المجازر الجماعية التي تحصد أرواح مئة مواطن عراقي بريء يوميا علي الأقل ،
وتوفر الخدمات الأساسية ، أو الحد الأدنى منها ، لأبناء العراق المنكوب ،
فكيف يمكن إن تهدد دول الجوار بدعم المتمردين فيها ؟
وهل يملك اتخاذ هذا القرار بدون موافقة السيد الأمريكي؟
السيد المالكي مستاء من التدخلات القطرية والتركية والسعودية ،
في الشأن العراقي الداخلي، وينسي المالكي حقيقتين أساسيتين ،
أولاهما انه كان أول من شجع هذه التدخلات واستعان بها ، عندما كان معارضا لحكومة بلاده يعيش في المنفى ،
وما زال حتى هذه اللحظة يحمل ساسة العراق الجديد جوازات سفر أوربية وسورية وإيرانية .
ولا نعرف ما إذا كان يحمل جواز سفر عراقياً ، بل ويطالب بقواعد أمريكية دائمة في العراق ،
والثانية انه يحرّم على الدول المجاورة التدخل في شؤون العراق الداخلية .
بينما كان يغفل إن في العراق قوات لأكثر من خمس وثلاثين دولة إلى جانب قوات الاحتلال الأمريكية ،
تمارس القتل يوميا في حق العراقيين ، وتدمر قرى ومدنا بأكملها فوق رؤوس أصحابها .
مقاومة الاحتلال الأجنبي حق مشروع سواء كان أمريكيا أو إيرانينا آو أجنبيا مهما تكن جنسية آو جهة الاحتلال ،
والعراق محتل باعتراف أمريكا والأمم المتحدة ولجوء بعض رجالات المقاومة لدول الجوار طلبا للمساعدة أمر طبيعي ومنطقي ومتوقع ،
والسيد المالكي لجأ إلى الدول نفسها طلبا للمساعدة رغم انه كان متمردا على حكومة مركزية ، وليس على قوات احتلال أجنبي .
ولكن المصيبة إن دول الجوار لا تدعم هذه المقاومة ، بل تغلق الأبواب في وجهها ،
أو بالأحرى لا تدعمها بالشكل المطلوب ، وان دعمت ، فان بعض هذا الدعم يذهب إلى ميليشيات طائفية موالية وداعمة للاحتلال ،
مثلما هو حال الدعم الإيراني لميليشيا التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق .
و يبدو إن جلالة المالكي يذهب إلى الحج والناس راجعة .
ولعل تهديدات السيد المالكي هذه تكون حافزا لسورية ودول الجوار الأخرى ،
للقيام بدور الجوار الفيتنامي ، أو الجوار الجنوب الإفريقي اللذين أديا إلى هزيمة أمريكا في هانوي ،
وانهيار النظام العنصري البغيض في بريتوريا . فطالما أنها دول متهمة فلا ضير عليها . أوضاع العراق تتدهور ليس بسبب تدخل الدول المجاورة في شؤونه الداخلية ،
وإنما لان مشروع الاحتلال الإيراني وصل إلى طريق مسدود
ولم يبق إلا الاعتراف رسميا بفشله في الأمم المتحدة لان القوات الأمريكية لا تزال على ارض العراق .
فعندما تقول الأمم المتحدة إن التعذيب والقتل فاقا ما كانا عليه في زمن الرئيس صدام حسين ،
وتجمع 16 وكالة استخبارات أمريكية على أن غزو العراق واحتلاله زادا من خطر الإرهاب ،
وخلقا جيلا جديدا من الجهاديين أكثر خطورة من الجيل السابق ، فان على السيد المالكي وكل الذين تعاونوا مع الاحتلال وأجهزته البحث عن ملاذ آمن ،
وبأسرع وقت ممكن ، قبل إن تنقلب الأمور كليا ضدهم ، ويشكل لهم الشعب العراقي محاكم جرائم حرب لمحاكمتهم بالصورة التي حاكموا بها سابقا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ورفاقه ال55 .
المرحلة المقبلة عنوانها مواجهة أمريكية ـ إيرانية علي أرضية المفاعل النووي الإيراني ،
وعلينا إن نتوقع تدخلا إيرانيا سوريا اكبر في الشأن العراقي يؤدي إلي إشغال القوات الأمريكية في حرب استنزاف دموية .
فمثلما استخدمت الولايات المتحدة المجاهدين في أفغانستان لجعل القيادة السوفييتية تفكر إلف مرة قبل توسيع وجودها ومهاجمة باكستان ،
سيستخدم البلدان وربما بدعم صيني روسي ، المجاهدين أنفسهم لتوريط أمريكا أكثر في المستنقع العراقي ،
والتفكير مليون مرة قبل غزو سورية أو إيران أو الاثنتين معا .
السيد المالكي ، والذي من المفترض إن يكون من أكثر السياسيين حنكة ،
يدرك كل هذه الحقائق ، وربما ما هو أكثر منها ، ولهذا تبدو تصرفاته وتصريحاته مرتبكة ،
فلعله أدرك إن النار التي أشعلها في ثوب العراق بدأت تصل إلى طرف الثوب في بغداد ،
وان دول الجوار مستعدة ليس لإطفائها ، وإنما لصب المزيد من الزيت لتسريع اشتعالها .
ومن المفارقة إن تصريحاته الأخيرة تشجعهم على ذلك .