17 نوفمبر، 2024 10:26 م
Search
Close this search box.

التظاهرات العراقية والفرصة الذهبية التي لايجب ان تضيع

التظاهرات العراقية والفرصة الذهبية التي لايجب ان تضيع

أفضل طريقة لمعالجة كارثة هي تجزئتها الى مشكلات أصغر ومن ثم التعامل مع المشكلات كلا على حده او على شكل مجموعة من المشكلات التي يمكن تناولها معا.  ونحن نتأمل في مطالبات اهالي الأنبار، نجد انها تحولت من المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وإلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب وتشريع قانون العفو العام، وتعديل مسار العملية السياسية ووقف التهميش والإقصاء،  إلى مطالبة صريحة بإسقاط حكومة المالكي. وحتى لو استجابت الحكومة لغالبية تلك المطالب، فستبقى الصراعات السياسية قائمة، ويبفى مستقبل العراق كدولة في خطر حقيقي وسيبفى الفساد ينهش في جسد الدولة الضعيف ولن تنتهي البطالة ولا الفقر ولا الجهل. وذلك لأسباب تتعلق بالسياسيين انفسهم وليس بالشعب العراقي. اذا من الواضح للمراقب ان الخلافات السياسية تلقي بظلالها بوضوح على الشارع وليس العكس، فليس للشارع تأثير في السياسة الحكومية والبرلمانية. وذلك بدليل ان المواطن يعاني في كافة المحافظات ويطالب الحكومة في كل فرصة بلعب دور حقيقي بمحاربة الفساد وتوفير الخدمات ومطالب شعبية عامة وليست غاية في الصعوبة اذا توفرت الارادة السياسية والوطنية الحقة لتلبيتها. والذي يحصل اليوم هو ان الأحزاب تخندقت، ومن بعدها جماهيرها، طائفيا بسبب غياب العمل الوطني والرؤية الناضجة لمستقبل البلاد من كافة الحسابات السياسية واصبح الجميع وبدون استثناء يعمل جاهدا لتنفيذ احد اهم اهداف الاحتلال الأمريكي باضعاف وتقسيم العراق والسيطرة على ثرواتة.     
وقد وجدت ان من المناسب، بل من الملح، ان اضع امام المتظاهرين حقيقة قد تكون غابت عن الكثيرين، او غُيبت على الأرجح من قبل السياسيين الإنتهازيين والاعلاميين الغير وطنيين، والتي من خلالها يتم تحقيق هذه المطالبات واكثر من ذلك بكثير. إضافة الى ذلك فسوف يقدم المتضاهرون خدمة تاريخية جليلة لأبناء الشعب العراقي جميعا لو انهم طالبوا بتعديل قانون الانتخابات البرلمانية الحالي وتشريع قانون الأحزاب وتخلوا عن جزء من، وليس كل، المطالب الأخرى.
سوف لن ادخل القارئ في تفصيل اهمية قانون الأحزاب ولكني ساضع امامة نص المادة الرابعة وفقرة من المادة الثانية والعشرين من قانون الأحزاب المصري، كمثال، وسيكون من اليسير بمكان تفهم اهمية القانون وخاصة في هذه المرحلة الخطيرة من تأريخ العراق:
“المادة الرابعة:
يشترط لتأسيس أو استمرار أى حزب سياسى مايلى:
أولا : أن يكون للحزب اسم لايماثل أو يشابه اسم حزب قائم.
ثانيا : عدم تعارض مبادئ الحزب أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه مع المبادئ الأساسية للدستور أو مقتضيات حماية الأمن القومى المصرى أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الديمقراطى.
ثالثا : عدم قيام الحزب فى مبادئه أو برامجه أو فى مباشرة نشاطه أو فى اختيار قياداته وأعضائه على أساس دينى أو طبقى أو طائفى أو فئوى أو جغرافى أو بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
رابعا : عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أى نوع من التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية.
خامسا : عدم قيام الحزب كفرع لحزب أو تنظيم سياسى أجنبى.
سادسا : علانية مبادئ الحزب وأهدافه وأساليبه وتنظيماته ووسائل ومصادر تمويله.”
المادة الثانية والعشرون:
“تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة إذا كان التنظيم الحزبي غير المشروع معاديا لنظام المجتمع أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري أو أخذ طابع التدريبات العنيفة التي تهدف إلى الإعداد القتالي، أو إذا ارتكبت الجريمة بناء على تخابر مع دولة أجنبية.”
أما موضوع قانون الانتخابات البرلمانية فالقانون بصيغتة الحالية يضع السلطة، كل السلطة، بيد رؤساء الكتل، ويقوم رؤساء الكتل بفرض ارادتهم على اعضاء البرلمان التابعين لهم. فنحن في الحقيقة لم ننتخب اعضاء برلمان يمثلوننا، بل انتخبنا المالكي وعلاوي والصدر والبرزاني والطلباني والحكيم. واتفق هؤلاء على تشكيل الحكومة بعد مخاض عسير واتفاقيات ثنائية والتفافات وخداع، وجاءت المحصلة النهائية بمحاصصة مقيتة، وطائفية بغيضة، ونزاعات لها اول وليس لها آخر، مما عطل عمل الحكومة والبرلمان معا وادى الى تفشي الفساد ونهب المال العام.  ويعرَّض العراق اليوم الى تأثيرات خارجية من كل من هب ودب كنتيجة حتمية لضعف الأداء الحكومي بسبب الخلافات الداخلية. فعلى سبيل المثال، يتذكر الكثير منا الجلسة “الأولى” للبرلمان بعد انتخابات عام 2010 والتي عقدت بعد حوالي العشرة اشهر، حين طلب رئيس البرلمان من النواب التصويت بالايجاب على اتفاقية اربيل والتي لم يعرفوا ماهيتها اصلاً. وحين اعترض البعض منهم، قال رئيس البرلمان بأن رؤساء الكتل قد اتفقوا على ذلك فعلا فلا جدوى من الاعتراض الآن. وتم في تلك الجلسة انتخاب رئيسا للعراق ولمجلس الوزراء والنواب. وفي مثال آخر، وعندما اشتدت المطالبة بسحب الثقة عن المالكي قبل اشهر، اوضح السيد مقدى الصدر للصحفيين انة مع سحب الثقة وان على الكتل ان تجمع المائة والعشرين صوتا وسيضيف “هو” أربعين صوتا اليها. وكأنما لا رأي على الاطلاق لنواب التيار الصدري! فما الفرق اذا عند منتخبيهم اذا ما كانوا قد انتخبوا زيداً أو عمر؟  اذا اتفقنا اذاً، ان لا دور حقيقي للاشخاص الذين اختارهم الناخب عدا التنافر والتناقب، والأهم من ذلك عدم تمثيل الناخب ومصالحةِ لدى الحكومة ووضع الانتماءات الدينية والعرقية والطائفية قبل الوطنية منها، فهذا استهتار وعدم احترام للناخب من قبل الاحزاب المتسلطة، والتي سوف لن تعمل على تغيير ذلك لان فيه خطر حقيقي ليس على وجودهم في السلطة فقط، بل ان ابعادهم عنها ربما يؤدي بهم الى مواجهة العدالة بسبب فسادهم وتسببهم في فقدان الأمن.
هناك انظمة انتخابية عديدة معتمدة في الدول الديمقراطية بما يتناسب مع وضعها الخاص. ووضعنا نحن في العراق وبطريقة الانتخابات المعتمدة حاليا يستدعي استنفار كافة الجهود الوطنية والاعلامية الخيرة لتوعية المواطن والضغط على صناع القرار لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية بما يخدم البلد اولا وقبل كل شيء آخر. وادناة شرح مبسط لطريقة انتخاب معتمدة في استراليا وايرلندا على المستوى الوطني وفي الولايات المتحدة على المستوى المحلي، اضافة الى العديد من الجامعات الاوربية في انتخابات جمعيات الطلاب ليس فقط لانها اكثر تمثيلا من نظام انتخاباتنا البرلمانية الحالي وحسب، بل ستنهي سيطرة الأحزاب المتسلطة على مقدرات البلاد:  
صوت واحد قابل للتحويل:
يعتبر هذا النظام شكلا هاما من اشكال التمثيل النسبي، ويستخدم على نطاق واسع في العديد من البلدان وبأشكال مختلفة ، لأنه يعطي نتيجة متناسبة أكثر من نظم القائمة الحزبية المستخدم في العراق حاليا، وبالتأكيد اكثر تناسبا من الكثير من أنظمة التصويت التعددية أو بالأغلبية.
تحت هذا النظام، يصوت الناخبون للأفراد، وليس للأحزاب كما هو الحال في نظام القائمة الحزبية المعمول به حالياً. أن السمة الرئيسية لنظام صوت واحد قابل للتحويل أن الناخبين يرتبون المرشحين وفقاً لتسلسل خياراتهم؛ بمعنى آخر،  اولا، ثانيا، ثالثا…تاسعاً.  بدلاً من مجرد التصويت لمرشح واحد، سيكون لدى الناخبين فرصة التعبير عن مجموعة من التفضيلات للعديد من المرشحين على ورقة الاقتراع. مثل نظم القائمة الحزبية، ولكن هذا النظام يعتمد على وجود دوائر انتخابية متعددة.

وهناك عدد من الصيغ الرياضية يمكن استخدام واحدة منها لإنجاز مهمة حساب عدد الأصوات المطلوبة للفوز بأي مقعد وبذلك يتم التخلص من هيمنة رؤساء الأحزاب المتسلطين على الدولة ورؤساء الكتل السياسية في البرلمان، ويؤدي الى خلق حالة تصويت حضارية في البرلمان دون انسحاب كتلة بأكملها وتعطيل عمل مجلس النواب. بالإضافة الى عبور اعضاء البرلمان للتصويت على مشروع قانون معين الى الجهة المعارضة اذا ما كانوا مقتنعين بأن ذلك يخدم الصالح العام، او حتى مناطقهم الخاصة خدمة لناخبيهم وبدون تأثير من أحد. 
أن اهمية ذلك تأتي من حقيقة ان البرلمان هو الكيان الوحيد المنتخب في العراق، وعلية ان لم يقم بدور حقيقي لخدمة العراق وشعبة من خلال تشريع قوانين من شأنها ان تخدم البلاد وتجعل التغيير ممكنا عبر صناديق الإقتراع، فأن وجودة لا يختلف عن عدمه، اذا ان الديمقراطية لا تنتهي بالانتخابات، بل تبدا منها.  ان لم يقم البرلمان بدورة الوطني ووضع مستقبل العراق وشعبة امام كل المغريات والانتماءات، فستبقى الصراعات كما هي علية، وسيستمر تدمير اقتصاد البلاد من خلال الفساد المستشري في مرافق الدولة، وستستمر التدخلات الخارجية في شؤونة الداخلية، وسيبقى العراق مفككا وضعيفا وغير مستقر، هذا اذا لم يتفكك على اسس طائفية وعرقية، وسيبقى العراقيون هم الخاسر الأكبر.    

أحدث المقالات