22 ديسمبر، 2024 7:50 م

التطور التاريخي لمشكلة الطائفية السياسية في العراق – 3

التطور التاريخي لمشكلة الطائفية السياسية في العراق – 3

العراق الملكي- مرحلة التأسيس – 1921-1940
التاريخ أحد العناصر الأكثر أهميةً في تشكيل الهوية القومية لشعب من الشعوب، غير أن الهوية ترتبط، أحيانًا، بالأهواء السياسية والأيديولوجية، أي أنها تُصنع وتُخترع. وصناعة وطن، بحسب أرنست رينان، تقوم، في حالاتٍ كثيرة، على تزوير تاريخه الخاص، وتلفيق الوقائع وابتداع التفسيرات، وهو ما ينطبق تمامًا على تاريخ العراق فهو تمت كتابته وفقا لأهواء النظام الحاكم وكذلك تمت التغطية على الكثير من جوانبه بدعوى الحفاظ على (اللحمة الوطنية ) فكان المخفي منه اخطر مما كتب . تعرف الطائفية بانها ” ميل فردي أو اجتماعي إلى تفضيل تفسير محدد أو مدرسة فقهية محددة لدين أو مذهب على غيرها من الأديان أو المذاهب، يأخذ بتأثير ظروف اقتصادية سياسية صفة تعصبية، تتداخل مع مفهوم اعتبار الذات في تفضيل أبناء المذهب نفسه، أو الدين نفسه، على غيرهم من المنتمين إلى مذاهب وأديان أخرى، ويكون هناك ميل إلى النبذ والرفض، وحتى العزلة عن الآخرين، أي هي: نتاج تفاعل عوامل سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ذات مساس مباشر بحيادية الفرد اليومية، امتزجت مع تهديدات أمنية للهوية الثقافية للمجتمع، لتشكل توجهات اجتماعية تعصبية نحو الآخرين الذين يختلف معهم الطائفي في تفسير الشريعة أو المعتقدات الدينية” . من هذا التعريف يتبين ان الطائفية بحد ذاتها هو اتجاه فردي او اجتماعي ولكن المشكلة الكبيرة هي ما يعرف بالطائفية السياسية . تعرف ” الطائفية السياسية ” بانها منهج يقوم على تسيس الانتماء الطائفي للمواطن وأدلجته في الحياة السياسية على مستوى الأفكار والمجتمعيات والسلطة، وتعارض الطائفية السياسية كلياً فكرة العقد الاجتماعي السياسي الذي يفترض بالدولة مجموع مواطنين (أفراد) أحرار متكافئين ومتساويين بغض النظر عن هوياتهم الفرعية (الجماعية)، متجاهلة بذلك أن الوحدة الأساس في الدولة هو الفرد المواطن وليس الجماعة الفرعية، وعلى هذا الأساس تنشأ الأمة الوطنية للدولة” . مشكلة تناول موضوع الطائفية السياسية في العراق هي محاولة انكار وجودها نهائيا وإلقاء اللوم على الدول الخارجية وما يصطلح عليه “الطرف الثالث” او اعتبارها أساس البناء الوطني للدولة .
في سن الثامنة والثلاثين وتحديدا في الثالث والعشرين من اب 1921 اجلس الإنكليز فيصل بن الحسين على عرش العراق بعد استفتاء تم خلاله طرح سؤال واحد فقط وهو “هل تقبل بفيصل ملكاً وزعيماً للعراق؟” وكانت الإجابات على طريقة تقديم المضابط من لدن فئات وشرائح المجتمع العراقي. كانت نتيجة الاستفتاء كما وصفتها المس بيل ، فيصل ” نُصب بإستفتاء جماعي لأنه مرشحنا نحن ” . وكانت ردود الفعل التي استلمها فيصل واضحة ، فعندما زار الشيخ علي سليمان مع أربعين شيخا بغداد في ( 23 نيسان 1922 ) لمقابلة الملك بعد أن قابلوا المندوب السامي ( كوكس) ، فذكروا له عبارة واضحة بأنهم لن يقسموا بالولاء له إلا أن يصغي للنصائح البريطانية.ثم نظموا مضبطة طويلة وقد ورد فيها “من حيث أن حكومتنا في الدور الابتدائي ومحتاجة الى من يمد إليها يد المساعدة مادياً وادبياً ، فالى أن تبلغ درجة الكمال والاستغناء عن الغير … يجب أن يطلب من حكومة بريطانيا ، المنتدبة من قبل عصبة الأمم على العراق ، كل
المساعدات المطلوبة والتى يتوقف عليها توطيد أركان حكومة العراق كحفظ النظام وتوطيد الأمن واعمار البلاد ويجب أن يعتمد عليها كصديق مخلص للبلاد وأهل البلاد ” . وقد امتنعت السليمانية من المشاركة في الأستفتاء لعدم وفاء الأنجليز بتكوين دولة كوردية يرأسها الشيخ محمود الحفيد، ورفضت كركوك تأدية قسم الولاء لفيصل، ووافقت ولاية الموصل بشروط منها اعطاء الحقوق القومية للأقليات، اما البصرة فكما تقول المس بيل، أرسلت وفدا تطالب بأن يكون فيصل ملكا على العراق على أن يكون للبصرة مجلسها التشريعي الخاص وجيشها وجبايتها اخلاصة للضرائب، أي أن تكون فدرالية شبه مستقلة، فوعدتهم بيل خيرا دون أن تلبي ً أيا من مطالب أهل البصرة . بالإضافة الى وجود شخصيات عراقية كانت تطالب بنظام جمهوري منها على سبيل المثال توفيق الخالدي وحمدي الباجي جي وحسين الرحال وزكي خيري ومزاحم الباجي جي والصحفي محمد عبد الحسين والمحامي عبد الرزاق عدوة وعبد الله جدوع وعوني بكر صدقي وغيرهم .
لم يكن فيصل الأول سعيدا بتولي عرش العراق وكان يتمنى ان يعود الى عرش سوريا وقد كتب لورانس في خطاب بخط يده الي صديقه وزميله في المكتب العربي غريفز، في هذا الخطاب يحاول اقناعه بأن العراق اهم من سوريا فقال: “ان العراق هو الذي سيصبح مركز حركة الاستقلال العربي وليس سوريا. وبغداد ستصبح القاعدة وليس دمشق. ان تعداد سكان سوريا الآن خمسة ملايين وتعداد سكان العراق ثلاثة. لكنه في المستقبل لن يزيد عدد سكان سوريا على سبعة ملايين في حين سيصل تعداد سكان العراق الى 40 مليوناً. ان ذلك سوف يتحقق خلال عشرين سنة لا اكثر”. اما فيصل فقد كان ينظر الى العراق كما ورد في مذكراته في نهاية عام 1932 “العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني، وهذه الحكومة تحكم قسماً كردياً أكثريته جاهلة، بينهم أشخاص ذوو مطامع شخصية يسوقونه للتخلي عنها بدعوى إنها ليست من عنصرهم. وأكثرية شيعية جاهلة منتسبة عنصرياً إلى نفس الحكومة، إلا إن الاضطهادات التي كانت تلحقهم من جراء الحكم التركي الذي لم يمكِّنهم من الاشتراك في الحكم، وعدم التمرن عليه، والذي فتح خندقاً عميقاً بين الشعب العربي المنقسم إلى هذين المذهبين، كل ذلك جعل مع الأسف هذه الأكثرية، أو الأشخاص الذين لهم مطامع خاصة، الدينيون منهم وطلاب الوظائف بدون استحقاق، والذين لم يستفيدوا مادياً من الحكم الجديد يظهرون بأنهم لم يزالوا مضطهدين لكونهم شيعــة، ويشوقون هذه الأكثرية للتخلي عن الحكم الذي يقولون بأنه سيء بحت، ولا ننكر ما لهؤلاء من التأثير على الرأي البسيط الجاهل.” وأضاف الملك في مكان آخر من مذكرته ما تقوله قادة الشيعة: “إن الضرائب على الشيعي والموت على الشيعي والمناصب للسني، ما الذي هو للشيعي، حتى أيامه الدينية لا اعتبار لها”. وكان الملك في ذلك يرد على التيار العربي السني الحاكم . فعلى سبيل المثال كان (توفيق السويدي) وزير المعارف ّ آنذاك بكتب رسمية يرفض مبدأ توزيع مقاعد الطلبة في الكليات والمعاهد بحسب نسب السكان في الألوية، مشيًرا باستهزاء “الى أن الملك يريد أن يأتي بشباب من الشيعة من المقاهي والحوانيت لإدخالهم يفي خدمة الدولة”.
كما كانت ذهنية الملك تعتمد على منح الامتيازات للأعيان والوجوه البارزة، وهذه كانت في الغالب سنية المذهب. ولعل التقرير البريطاني السنوي لعصبة الأمم لعام 1927 كان يتحدث عن هذه الحقيقة عندما أشار إلى ما “أظهره الشيعة من عدم الارتياح إلى النفوذ السني الغالب في حكومة البلاد”.
كان من ضمن قرارات مؤتمر القاهرة الذي عقد في 12 آذار –مارس سنة 1921 “النظر في نوع وشكل القوات العسكرية التي ستقع عليها مسؤوليات الدفاع عن العراق في حال انسحاب القوات البريطانية ” . في 6 كانون الثاني –يناير سنة 1921 تقرر تأسيس جيش وطني عراقي من 5000 مقاتل ، وتخصيص 15 % من إيرادات العراق العامة له على أن يزداد هذا المبلغ حتى يصل إلى 25 % سنويا .كما تقرر أن يعزز بسبع اسراب من الطائرات البريطانية ترابط في قواعد إستراتيجية على أن تنسحب القوات البريطانية المحتلة بالتدريج.
قام المندوب السامي برسي كوكس بتشكيل اللجنة العسكرية البريطانية لتكون مشرفة على تشكيل الجيش العراقي برئاسة وزير الدفاع العراقي جعفر العسكري, وعضوية وزير التربية والتعليم ، عزت باشا، ووزير المالية ، ساسون أفندي والمقدم دينت. ممثل شعبة العينة ، الرائد بويل وامين سر اللجنة النقيب كلايتون . وفي 1 كانون الثاني 1921 التحق الميجر أيدي البريطاني الذي عينته السلطات البريطانية مشاورا للإدارة في وزارة الدفاع , والتحق بوزارة الدفاع في اليوم نفسه وكيل القائد (الرائد ) محي الدين عمر الخيال وعمل الاثنان بتوجيه الوزير جعفر العسكري والمعتمد السامي البريطاني برسي كوكس على مفاوضة مجموعة تتكون من 14 ضابط عراقي لتعيينهم والشروع في إنشاء الجيش العراقي وهم ” العقيد عبد الحميد بن احمد، المقدم عبد الرزاق بن ياسين الخوجة، المقدم شاكر عبد الوهاب الشيخلي، الرائد سعيد حقي ، الرائد محي الدين السهروردي ، الرائد بكر صدقي، الرائد توفيق وهبي معروف، عبد الرزاق حلمي، محسن بن علو ، تحسين مصطفي العسكري والنقيب يوسف الباجة جي ، النقيب يوسف حنظل” . ولم يكن من ضمن اللجنة أي ضابط شيعي او مسيحي او يهودي .
في يوم 6 كانون الثاني سنة 1921 إجتمعت مجموعة الضباط العراقيين في دار عبد القادر باشا الخضيري الواقعة على نهر دجلة في بغداد بقيادة جعفر باشا العسكري هناك وضعوا اللبنة الأولى لتأسيس نواة الجيش العراقي وعندما تولى جعفر العسكري رئاسة الوزراء للمرة الأولى عام 1923 تقدم بمقترح الى المجلس التأسيسي يقضي بجعل الدفاع عن العراق واجب وطني وسن قانون للتجنيد الإجباري في العراق وتمت دعوه عدد اخر من الضباط العثمانيين السابقين بلغ عددهم 111 ضابطا . استشعره الملك فيصل بغياب الشيعة عن الجيش فأمر بفتح دورة خاصة لابناء عموم العشائر العراقية ليمنحوا رتبة ملازم في الجيش، الا ان القادة العسكريين الموجودين في قمة الهرم العسكري والمؤسسة الدينية اسهما من جديد في ان يكون غالبية المنتسبين الى الدورة من العشائر ذاتها الموجودة في أعلى وسط وشمال العراق . كان “شيوخ العشائركانوا يخبرون الملك بأن الكلية العسكرية تتلكأ في قبول أبنائهم، ما دعا الملك لفتح تحقيق تبين من خلاله أن وزارة الدفاع قبلت خلال تلك السنة (26) تلميذاً لم يكن من بينهم سوى تلميذا واحداً فقط من لواءالمنتفك (الناصرية حاليا ً)” .
استقرت تفاصيل مسميات المقر العام للجيش وتسمية رتب الضباط .كما حظر على الضباط الانتماء غالى الأحزاب ولبثت الوزارة فيه شهرا واحدا ثم انتقلت إلى البناء المعروف بأسم (المشيرية ) في داخل القشلة على نهر دجلة حيث يقوم برج الساعة وفتحت دوائرها هناك في شباط 1921 في 6 كانون الثاني 1921 تمت مناقشة فتح دوائر المقر العام للجيش .وتقرر في الاجتماع تأليف المقر العام من أربع دوائر هي : الحركات ،والإدارة واللوازم والطبابة والمحاسبات في الأول من حزيران 1921 صدر قانون التطوع الذي نص على انه ” يجوز لكل عراقي عمره بين 18-40 سنة التطوع للخدمة في الجيش ” وفي التاريخ نفسه تألف أول (مقر ) للتجنيد .وفي 19 تموز 1921 أرسلت أول قافلة من المتطوعين إلى “ثكنة الخيالة ” وكان عددها 160 متطوعا ثم توارد المتطوعون وأصبح بالإمكان تشكيل أول فوج سمي ب(فوج موسى الكاظم ) .وكان أول أمر له (العقيد الشيخ أمين ) .واستأجر خان الكربولي في الكاظمية مقرا له في 17 اب 1921 .وفي 29 تشرين الثاني 1921 نقل فوج موسى الكاظم الى الحلة (مركز محافظة بابل حاليا ) .وفي بداية تشرين الأول 1921 تشكل “صنف المدفعية ” .آذ تشكلت أول بطرية للمدفعية العراقية وكان آمرها الرئيس الأول إبراهيم أدهم.
في الأول من نيسان 1924 تقرر فتح ” المدرسة العسكرية الملكية ” في الرستمية ببغداد ، وفي سنة 1937 عزز الجيش باستخدام سرية دبابات .أما القوة الجوية فقد تأسست في 22 نيسان 1931 .وكانت وزارة الدفاع قد أرسلت في 19 مايس 1927 كلا من حفظي عزيز وبشير يعقوب الى انكلترا للتدريب في كلية القوة الجوية البريطانية( كرانويل ) . وفي 1ايلول 1927 انضم اليهما محمد علي جواد وناطق محمد الطائي وموسى علي وناصر حسين الجنابي .كما وافقت الجهات البريطانية على تدريب 16 عاملا فنيا على إدامة الطائرات ومن هؤلاء عبد الله محمود شهاب وحاتم حسين وميخائيل فتح الله وياسين النعمة وجسام محمد الشاهر وسعيد جورج وسيد محمد عباس .وبعد تخرج دورة الطيران الأولى عادوا الى الوطن وانضموا الى احد الأسراب البريطانية لحين تزويد العراق بالطائرات ولم يتم ذلك حتى 15 اذار –مارس 1931 حين تسلم العراق الطائرات المقاتلة وذهب خمسة من الطيارين إلى لندن وعادوا بالطائرات إلى قاعدة في مطار الوشاش يوم 22 نيسان 1931 .
منذ تشكيل الحكومة العراقية كان قانون التجنيد الاجباري يأخذ حيزا مهما من مناقشات ومداولات الوزارات العراقية المتعاقبة على حكم العراق الحديث . أعلن عدد كبير مـن العشائر من بينها بـنـي حجيم والـزيـاد والـظـوالـم عصيانا مسلحا، واجتمع عدد من عشائر الغراف التي قررت مشاركة عشائر الديوانية في تمردها، واعلن الإضراب في النجف، وشكل العلماء حزبا طالبوا من خلاله بإلغاء التجنيد الإلزامي ولم يكن موقف الأرمن والإيزديين إيجابي . كما تمردت عشائر الفرات، ولم يكن في كل انحاء العراق كانت رافضة للتجنيد الاجباري وليس عشائر الفرات الاوسط والجنوب فقط ، حيث نشر نائب كردي هو السيد اسماعيل الراوندوزي في جريدة الاوقات البغدادية بيانا جاء فيه ” ان بعض الناس يظنون ان المخالفين للتجنيد الاجباري هم اخواننا العرب فقط، الا ان الاكراد هم مخالفين للتجنيد الاجباري” ، كما وقف العديد من زعماء الاكراد ضد المشروع انطلاقا من تجاربهم السابقة ذات الميراث المأساوي الطويل المقترن بالسخرة والابتزاز واذلال الذات الفردية والقومية ايام العثمانيين. وقد وقف الايزيديون ضد مشروع التجنيد الاجباري ، لأنه يتعارض وماهية مبادئهم الدينية التي تقضي بالابتعاد عن الخدمة العسـكرية وقد اعفتهم الدولة العثمانية، أما الحكومة العراقية فحاولت فرض التجنيد االجباري وقاوموه بالقوة، الامر الذي قاد الحكومة الى استخدام القوة ضدهم .
لقد بين فيصل الأول غايته الأساسية من تأسيس الجيش بالقول ” إني لا أطلب من الجيش أن يقوم بحفظ الأمن الخارجي في الوقت الحاضر، الذي سوف نطلبه هو أن يكون مستعدا لإخماد ثورتين تقعان لا سامح الله في آن واحد في منطقتين متباعدتين” . وبالفعل استخدمت وحدات الجيش لأول مرة ضد سلسلة من الحركات المناوئة للسلطة كالحركة الأثورية التي حدثت في صيف 1933م ، وحركات بارزان واليزيدية في شمال والحركات العشائرية في وسط وجنوب العراق العراق .
كانت اكبر مشكلة واجهت الدولة الوليدة هي مشكلة تحديد من هو ” العراقي ” . وخصوصا ان الملك فيصل كان غريبا على الأرض التي جاء ليحكمها فهو لم يولد في العراق ولم يعش فيه حتى وصل بغداد وهو بعمر الثامن والثلاثين بل حتى ابنه الأكبر غازي كان من مواليد الحجاز . بالإضافة الى ذلك كان غالبية الرجال والضباط الذين عملوا معه منذ أيام عرش سوريا كانوا يحملون الجنسية العثمانية . لذلك عملوا على وضع قانون للجنسية العراقية بما يناسب وضعهم .
تاريخيا وقبل انسحاب العثمانيين من العراق كان الحصول على الجنسية القاجارية (الإيرانية ) بمثابة تميز كبير لا يحصل عليه إلا كبار رجال الدين وكبار التجار والميسورين والعوائل الثرية وكانت الأسر ترغب بهذه الجنسية لأنها تعفي حاملها من التجنيد بالجيش العثماني ويحصل بموجبها على نوع من الحصانة والامتياز. يوم سقطت الدولة العثمانية ومع دخول معاهدة لوزان حيز التنفيذ في 6 آب 1923 كان العراقيين تبعيتين تبعية عثمانية وتبعية فارسية . وقد حاولت الطبقة الحاكمة تعزيز مقولة ربط التشيع بالتبعية لإيران لدرجة ان شاعر مثل الرصافي، في كتابه (الرسالة العراقية)، الذي كتبه سنة 1940 يقول “إن إيران هي القبلة السياسية التي تتجه إليها قلوبُ شيعة العراق منذ عهد الدولة العثمانية البائدة. و… إن عراقيتهم تتلاشى تجاه الإيرانية المستحكمة في قلوبهم;. ويضيف:;إن بين التشيع وبين العروبة تناقضا لا يخفى على أسخف العقول” .
بناء على ما تقدم قامت النخبة الحاكمة آنذاك بوضع قانون للجنسية يناسب توجهاتها وحتى قبل صدور القانون الأساسي . صدر قانون الجنسية العراقية رقم (42) لسنة 1924 وبموجبه تم منح الجنسية العراقية للساكنين في العراق وفي المادة الثانية منه، عرف الساكن في العراق بأنه (كل من كان محل إقامته المعتادة في العراق منذ يوم الثالث والعشرين من آب سنة 1921) . لكنه بنفس الوقت وفي فقرات أخرى أعتبر ضمناً إن حامل التبعية العثمانية مواطن من الدرجة الأولى وحامل التبعية الفارسية مواطن من الدرجة الثانية. أعتبر العثماني عراقي الجنسية حكماً وبصفة اصلية، تتوزع هذا الأسر في جنوب و وسط وشمال العراق وتتنوع عرقياً، وفي تمييز عنصري ومجحف كانت تحمل شهادات الجنسية لكثير من العراقيين عبارة (تبعية إيرانية) رغم ولادتهم في العراق وسكن عوائلهم في العراق حتى قبل تأسيس الدولة العراقية.
في حين اصبح العراقي من التبعية الفارسية يحصل على الجنسية العراقية بصفة مكتسبة ، أي يصبح العثماني مواطناً عراقياً من الدرجة الاولى وأن كان ساكناً في تركيا العثمانية والبلاد التابعة لها وبغض النظر عن لغته وعرقه وجنسه . ان قضية الجنسية لم تقتصر على التبعية الفارسية فقط بل امتدت لتشمل كل من الكلدو آشوريين والارمن ، حيث ان الحكومة العراقية اسقطت الجنسية العراقية عن القائمين بالحركة الاثورية في عام 1933 . أصدرت مرسوم اسقاط الجنسية العراقية رقم 62 في الوزارة الكيلانية الأولى (20/3/1933- 8/11/ 1933) وأول من طبقته على المثقفين هي حكومة جميل المدفعي الرابعة (17/8/1937- 24/12/ 1938) التي قامت بنزع الجنسية عن كل من: القصصي والصحفي عبد القادر إسماعيل البستاني من مؤسسي جماعة الأهالي، وأخيه يوسف اسماعيل البستاني والنقابي مهدي هاشم عضو اللجنة المركزية لجمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار، وهم من العاملين في حقل الثقافة العراقية ومن المنتمين للحركات الجذرية وذلك عام 1937. واستمرت هذه الظاهرة فيما بعد انتكاسة حركة مايس 1941 حيث تم اسقاط الجنسية العراقية المكتسبة عن ساطع الحصري وغيره من المتجنسين العرب وبالاخص من الضباط وبعض المدرسين من ذوي التوجه القومي .
كان من أوليات المهام التي كانت تواجه الدولة الناشئة هي كتابة ” النظام الأساسي ” . فقد تعهدت بريطانيا في المادة الأولى من لائحة الانتداب بأن تضع في مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات من تاريخ تنفيذ الانتداب قانون أساسياً للعراق يعرض على مجلس العصبة للمصادقة على أن يضمن هذا القانون الحقوق الأساسية للأهالي الساكنين في البلاد. وقد بدأت أولى المحاولات لوضع القانون الأساسي في أوائل خريف 1921 من قبل عدد من الموظفين البريطانيين في العراق من ضمنهم مستشار وزارة العدلية العراقية المستر دراور والمستر فيجل دافيس والمقدم يونك استعانت بدساتير استراليا ونيوزيلندا. ثم بعد ذلك في آذار عام 1922 قام الملك فيصل الاول بعرض المشروع على لجنة عراقية مؤلفة من وزير العدلية ناجي السويدي ووزير المالية ساسون حسقيل وسكرتير الملك رستم حيدر.، فاعترضت اللجنة على هذه اللائحة لأنها منحت الملك صلاحيات واسعة ثم أرسلت المسودتان الى لندن في وزارة المستعمرات لمراجعتها من قبل المقدم يونك والسير بونهام إدوارد (مستشار العدلية العراقية) وذلك المندوب السامي برسي كوكس، ومشاركة عراقية ضمّت وزير العدلية ناجي السويدي ووزير المالية ساسون حسقيل، وفيما بعد لجنة برئاسة عبدالمحسن السعدون وعضوية السويدي ورءوف الجادرجي فأيدت الأخيرة وجهة نظر اللجنة العراقية. وتمت إعادة المسودة الى بغداد ليقرر مجلس الوزراء بعد ذلك عرضه على لجنة مشتركة عراقية بريطانية تضم وزير العدلية ناجي السويدي والمستر دراور مستشار وزارة العدلية ليخضع المشروع للتنقيح مرة اخرى من قبل وزارة المستعمرات البريطانية بعد ذلك خضع مشروع الدستور للمناقشة في مجلس الوزراء واجراء توجيهات الملك عليه وبعد انتخاب اعضاء المجلس التأسيس العراقي في 25 شباط عام 1924 ابتدأ المجلس بتأليف لجنة من اعضائه لدراسة مشروع الدستور وقد روعي في تأليف اللجنة بضمنها عضوا من كل لواء من الوية العراق وفي 14 حزيران عام 1924 بدأت مناقشات الدستور والتي كانت مقيدة بنصوص المعاهدة البريطانية العراقية واستغرقت المناقشات ثماني عشرة جلسة انتهت في 10 تموز عام 1924 بموافقة المجلس التأسيس على الدستور الذي بدأ يعرف باسم القانون الاساسي العراقي باعتبار ان كلمة دستور غير عربية ولم تتم مصادقة الملك عليه ولم ينشر في الجريدة الرسمية حتى اذار عام 1925. وتضمن القانون الإساسي من (123) مادة موزعة على عشرة أبواب مع مقدمة. وقد وصف الفقيه القانونى الاستاذ عبدالرحمن البزاز عملية كتابة القانون الاساس قائلا ( بأن القانون الاساسى العراقى والحالة هذه لن يكون نتاج ارادة الشعب الحرة المطلقة بل هو نتيجة معاهدة حددت مداه وأشترطت أن يحتوى على مالا يخالفها ، أى أن الدستور أصبح فرعا من أصل المعاهدة ،وكان الوضع الطبيعى والمعقول هو وضع دستور للبلاد أولا وتكوين حكومة شرعية تقوم هى بعقد تلك المعاهدة ليكون لها النفوذ الإلزامى الصحيح ”
طرح (ناجي السويدي)، بوصفه وزيراً للعدلية آنذاك، قانون المحاكم الشرعية المتأسس على القانون الوقتي للمرافعات الشرعية المُقر في العام 1921، والذي عززته المادة 77 من القانون الأساسي العراقي عام 1925 (الدستور الملكي). فجاءت تلك الخطوات إرضاءً للموقف الشيعي المتزمت من إدارة الأحوال الشخصية، والذي قُسّم بموجبه “الاحتكام الشرعي” على أساس محاكم شرعية “جعفرية” و”سُنية”، والأخيرة التزمت بقانون العائلة العثماني، وترأس المحاكم الجعفرية العالم الشيعي هبة الدين الشهرستاني. يُقرّ موظفين بريطانيين رفيعي المستوى، وهما إدجار بونهام كارتر (قاضي رفيع) ونيجل ديفيدسون السكرتير القانوني للمفوض السامي البريطاني بأن الحكومة البريطانية كانت وراء منح “الأحوال الشخصية” إلى رجال الدين الشيعة لـ”ضمان دعمهم للنظام ولنا”.
قدم المندوب السامي البريطاني اول مسودة المعاهدة العراقية – البريطانية المزمع عقدها والتي ستحل محل الانتداب . شكل عبد الرحمن النقيب الوزارة ثانية، فوافقت حكومته على المعاهدة في 13 تشرين الأول 1922، فقدم جعفر ابو التمن وزير التجارة استقالته في اليوم الثاني احتجاجا .طلب المندوب السامي البريطاني من فيصل الأول الايعاز الى عبد الرحمن النقيب باعادة تاليف الوزارة ، تكون مهمتها نشر مشروع المعاهدة واجراء انتخابات المجلس التاسيسي بطريقة تؤمن مجيء اكثرية يمكنها امرار المعاهدة في المجلس .شكل النقيب وزارته الثالثة في 20 ايلول 1922 وقد ايدت الوزارة قرارها السابق في المصادقة على المعاهدة وتم نشرها بعد ثلاثة ايام . وحددت الوزارة يوم 24 تشرين الاول من العام نفسه موعدا للبدء بانتخابات المجلس التاسيسي اتخذت حكومة النقيب خطوات مهمة لاجراء الانتخابات ، ودعا وزير الداخلية عبد المحسن السعدون لاستخدام القوة في اجراءها ، وقدم استقالته في 6 تشرين الثاني لعدم استجابة الحكومة لطلبه ، ثم قدم النقيب هو الاخر استقالة حكومته في 16 من الشهر نفسه .
عهد الى جعفر العسكري بتاليف الحكومة الجديدة في 22 تشرين الثاني 1922 ، وتم تحديد يوم 25 شباط 1924 مرحلة نهائية للانتخابات ، وقد افتتح الملك المجلس التاسيسي في 27 اذار 1924 ، وهو اول مجلس منتخب يجتمع في بغداد اصبح عبد المحسن السعدون رئيسا للمجلس التاسيسي وياسين الهاشمي وداوود الحيدري نائبين للرئيس ، وبدأ المجلس اعماله بتاليف لجنة لتدقيق المعاهدة ورفع تقرير عنها من 15 عضو برئاسة الهاشمي ، وقد عقدت اللجنة عدة اجتماعات واعدت تقريرا بعد ذلك يتكون من 65 صفحة . تناول التقرير جوانب المعاهدة المختلفة ، ولم يكتف بنقدها وانما طلب رفضها اذا لم تجر عليها التعديلات المطلوبة . اصدر السير برسي كوكس المندوب السامي البريطاني الذي خلف برسي كوكس انذارا اعلن فيه انه في حال عدم الموافقة على المعاهدة بحلول 10 حزيران ، فان بريطانيا ستلجأ الى وسائل مختلفة لتنفيذ انتدابها على العراق ، وقد ادى هذا الانذار الى الموافقة على المعاهدة في اللحظات الاخيرة ، اذ صوّت الى جانبها 37 عضوا من عدد الحاضرين البالغ 69 عضو وعارضها 24 عضو وامتنع 8 اعضاء عن التصويت ، مما فسح المجال لاصدار القانون الاساسي ( الدستور ) والقانون الانتخابي لاحقا .
اجريت اول انتخابات نيابية في العراق في عهد وزارة ياسين الهاشمي في 8 حزيران 1925 وعقد اجتماعه الاول في 16 تموز من العام نفسه وانتخب رشيد عالي الكيلاني رئيسا للمجلس ، وقام المجلس بالتصديق على النظام الداخلي للمجلس في 25 اب من العام نفسه .صدرت من علماء الدين فتوى شرعية تحرم المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي المراد منه الموافقة على المعاهدة فوصلت المواجهة بين علماء الدين والمعارضة من جهة وبين الحكومة والملك والأنجليز من جهة اخرى الى ذروتها.
قام نجل عالم الدين محمد الخالصي بتعليق فتوى تحريم المشاركة في الأنتخابات على باب الصحن الكاظمي الشريف، فقامت الحكومة بأعتقاله، فرد عالم الدين الخالصي على ذلك بدعوة الأسواق الى الأضراب، كما اعلن امام حشد كبير من اهالي الكاظمية تخليه عن بيعة الملك والمطالبة بأعلان جمهورية مستقلة.
فردت الحكومة بأصدار قانون جديد للهجرة يسمح بأبعاد المواطنين الذين يمارسون نشاط ضد الحكومة، فأسس الأنجليز وعملائهم ’سنة ثانية اتبعها صدام حسين في تهجير الكورد الفيلية والمواطنين العراقيين الى ايران، كما بثت الحكومة دعاية عبر وسائلها الأعلامية بأن علماء الدين في النجف والكاظمية وكربلاء من اصول ايرانية. إ جاء في تقرير رفعه القنصل الإيراني في بغداد الى وزارة الخارجية الايرانية الى” أن اوضاع العراق في هذه الايام شديدة الاضطراب، ولا أحد يستطيع أن يحدد أفاق المستقبل وقد وجهت الإدارة الإنكليزية العليا انذار الى الشيخ محمد الخالصي والسيد الصدر بوجوب مغادرة العراق خلال 24ساعة ” .
قامت الحكومة ايضا بأعتقال الخالصي الأب وولديه واثنين من افراد عائلته “أبعدوه خشية أثارة المشاكل، اذ نفي الى إيران يوم27 ﺁب 1922م “، وابعاد علماء الدين المحتجين على ذلك ووضع آخرين تحت مراقبة الشرطة، كما قامت الحكومة بأغلاق الصحف المعارضة للأتفاقية وحل الأحزاب الوطنية، فعندما خلا الجو للحكومة من المعارضين قام المجلس التأسيسي بتوقيع المعاهدة ليلة 10 /11من حزيران 1924 وبدأ الأنتقام من الفلاحين المشاركين في ثورة العشرين بتمليك اراضيهم لرؤساء القبائل الذين ساندوا الأحتلال والمعاهدة.
في هذه الاثناء جاء الى العراق “ساطع الحصري ” فعينه الملك فيصل مديراً لدار الآثار ورئيساً لكلية الحقوق، ثم ولّاه منصب المدير العام في وزارة المعارف في بغداد . وساطع الحصري كما يروي المؤرخ خير الدين الزركلي هو “ساطع بن محمد هلال الحصري، أبو خلدون، كاتب وباحث من علماء التربية، تترّك ثم تعرّب، حلبي الأصل وُلد بصنعاء وكان والده رئيس محكمة فيها، تعلّم في إسطنبول وتنقّل في التعليم والإدارة، كما أصدر مجلة بالتركية في التربية، قيل إنها الأولى من نوعها بتلك اللغة. ووضع 12 كتاباً بالتركية طُبعت كلها كما أخبرني هو” . وقد وصف حسن العلوي موقف الحصري من العراق بالقول “مناوئ إلى حد البغض للوطنيين العراقيين سنة كانوا أم شيعة. مناوئ للعراقيين الشيعة وطنيين كانوا أم عملاء. مناوئ للأكراد في الحالتين. وكان الحصري يمارس الطائفية بدهاء، خاصة في تعامله مع الطلبة الشيعة في إرسال البعثات إلى الخارج، إذ يذكر الراحل عبد الكريم الأزري عن إنحياز الحصري ضد طلبة الشيعة في إرسال البعثات فيقول: ” لا أذكر تماماً عدد طلاب البعثة العلمية الموفدة إلى خارج العراق في السنة الدراسية 1931 ولكني أتذكر أن عدد الطلاب في البعثة من الشيعة كان أقل بكثير من عدد اليهود وكان قد حدث حادث ليس غريباً ولا غير متوقع للبعثة المذكورة إذ أوفد معظم طلاب البعثة العلمية إلى (صفد) في فلسطين لكي يدرسوا اللغة الإنكليزية هناك ويتقنوها. وهناك في صفد التحق أحد طلاب البعثة من اليهود بإحدى المنظمات الصهيونية التي تبنته.”
في عام 1922 تقدم الميجر ج. م. ويلسون مدير الأشغال العامة باقتراح للملك فيصل بتأسيس جامعة عراقية ووافق المشروع هوى في نفس فيصل الأول وقرر تشكيل لجنة للاشراف على تنفيذ المشروع واختار بنفسه اسم ( جامعة ال البيت ) للجامعة المقترحة . كان ذلك الاختيار بداية للهجوم على المشروع فقد بداءت الاتهامات توجه للملك بانه اختار الاسم استرضاء للشيعة وبدفع من مستشاره اللبناني ” رستم حيدر ” . وقد كان لساطع الحصري منذ البداية دورا معرقلا للمشروع . ” ساطع الحصري الذي كان مسيطرا على وزارة المعارف، الذِي اتخذ موقفا معارضا لجامعة آل البيت، إذ كان َّ الحصري على النقيض تماما من توجهات فهمي المدرس، وكان لذلك الخلاف الشخصي ِ دور كبير في إفشال مشروع جامعة آل البيت”. كان لدور الحصري المعرقل للمشروع ان أدى الى ان تصدر الحكومة في 1930 قرارا بإغلاقها وتحويل مبناها إلى مقر لمجلس الأمة (البرلمان) والاكتفاء بإرسال بعثة علمية إلى الجامعة المصرية. وفيما يتعلق بهذا التعثر يتناول الدكتور سيارالجميل الاتهامات المتبادلة بين رئيس هيئة الأمناء فهمي المدرس وساطع الحصري بالقول “ويبدو أن الأمر كان يتعلق بخلفية وأجندة كل واحد منهما. فالمدرس عراقي أصيل اشتغل في جامعة إسطنبول 15 سنة بتدريس الحقوق وتاريخ الآداب العربية وجال على الجامعات الأوروبية وكان الجيل الباني للحلم العراقي الجديد، بينما كان الحصري وافداً على العراق يحمل أجندة أيديولوجية ويحرص على أن يكون كل مشروع تعليمي يحمل بصمته. ومن هنا فقد وجه في مذكراته أقسى العبارات لمشروع قانون جامعة آل البيت حيث وصفه «أنه يكون كارثة عظمى للعراق تأسيس أول جامعة للقطر تحت تأثير قانون سيء التصور وسيء الكتابة ومليء بالسخافات»، بينما رد عليه المدرس في صيف 1924 بمقالة قوية بعنوان «جامعة آل البيت وساطع بك الحصري» في جريدة «العالم العربي» اتهمه فيها بأنه يريد إفشال الجامعة الجديدة لتوجيه الشباب العراقيين إلى الجامعة الأميركية في بيروت” .
سعيا من الحصري لتطبيق ايديولوجيته الخاصة ، قام باستقدام اربعة مدرسين سوريين من خريجي الجامعة الأمريكية في بيروت للتدريس في المدارس الثانوية ودار المعلمين (وهم كل من انيس زكريا النصولي ، وعبد الله المشنوق ، ودرويش المقدادي ، وجلال زريق) ، أحدهم أنيس زكريا النصولي ، الذي تولى تدريس التاريخ في المدرسة الثانوية المركزية للبنين في بغداد. وقد طبعت محاضراته في آخر السنة الدراسية من عام 1926 ، في كتاب “الدولة الاموية في بلاد الشام” . وعند صدوره في اوائل كانون الثاني عام 1927 ، أثار ضجة شعبية واسعة وخلق أزمة حادة وردود فعل قوية ، فحدثت اضطرابات كانت البلاد في غنى عنها . جاء في كتاب النصولي الموسوم: (الدولة الأموية في الشام) وطبعه في مطبعة دار السلام في بغداد في سنة 1926، وسبب ردود أفعال عنيفة من قبل الشيعة لأنه تعرض بالإمام الحسين وتبجيل بني أمية وخاصة يزيد بن معاوية، ومما جاء فيه قوله: ” ولطالما استمسك بنو أمية بعروة الخلافة وبينوا جلالها وأهميتها الدينية، فادعوا أن الله ناصرها ومذل أعدائها، وإن الذين يسعون في الخلافة عليها هم الكفرة الفجرة. ولا غرابة في ذلك فالعاهل الأموي كان خليفة رسول الله، ومن يخرج على الخليفة فإنما يخرج على رسول الله، ومن يخرج على رسول الله فإنما يخرج على الله ومقره جهنم وساءت مصيرا.” . وكان المخطط هو فرض كتاب النصولي على المدارس الثانوية في درس التاريخ بتعليمات من الحصري مما أدى إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بفصل النصولي ومنع كتابه من التدريس في المدارس ، وذلك لإخماد نار الفتنة المتأججة في البلاد. بناءً على ذلك ، اتخذت وزارة المعارف موقفاً يتفق ومشاعر الاستياء الذي أثاره الكتاب فبادرت إلى فصل النصولي ومنع كتابه من التدريس في المدارس ، تضامناً مع مشاعر الغضب الثائرة ولتهدئة النفوس .
نظمت ثلاث مضابط أعدها ووقع عليها وجهاء شيعة من بغداد والنجف وكربلاء، كلفوا الشيخ محمد رضا الشبيبي بتقديمها إلى الملك ، طالبوا فيها بطرد أنيس النصولي وزملائه عبدالله مشنوق ودرويش المقدادي وجلال زريق ، وإتلاف نسخ الكتاب كلها
أصدرت اللجنة الوزارية المشكلة للتحقيق بـ(قضية النصولي) عقوبات بحق الطلبة وبعض المدرسين بـ(طرد وفصل وانذار)( كانت العقوبات ، هي انهاء خدمات أنيس زكريا النصولي وزملائه نهائياً واشارت التقارير البريطانية ان قبل مغادرتهم البلاد اشار عليهم كل من ناجي القشطيني ، ومحمد بهجت الاثري ، ويوسف العطا، وهاشم الالوسي بالتوجه إلى الحجاز والحصول على عطف بن سعود. وعلى اثر ذلك ، ذهب امين الجرجفجي معتمد حزب “النهضة العراقية” في الثلاثين من كانون الثاني عام 1927 إلى مدينة الكاظمية ، حيث عقد اجتماعاً مع السيد محمد الصدر . مع العلم أن هذا الاجتماع قد حضره اكثر من ( 16) شخصاً من الوجهاء والنواب، تقرر فيه كتابة رسائل إلى المؤسسة الدينية في مدن كربلاء والنجف ، توضح فيها تداعيات القضية كاملة ، وتؤكد على ان النصولي تقصد اثارة النعرة الطائفية ، وهذا قد يؤدي حتماً إلى حدوث انقسامات في المدارس وانتشار ذلك بين الأهالي ، وطلبت من المؤسسة الدينية ضرورة الكتابة إلى الحكومة لتصفية القضية على وجه السرعة . وقد اصر رجال الدين على ضرورة طرد مدير المعارف العام ساطع الحصري من عمله .
وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات ، الا أن الستار لم يسدل نهائياً على القضية، فعند ورود معلومات لحزب “النهضة العراقية” بأن ياسين الهاشمي كان ينوي إعادة المدرسين المفصولين للخدمة ، عقد الحزب اجتماعات كثيرة في بداية أيلول عام 1927، وقد حمل المجتمعون ياسين الهاشمي مسؤولية القضية . لأن هذا الإجراء ضد سياسة الشيعة ، واتخذوا التدابير اللازمة للحد من ذلك ، وقرروا الاتصال بالمؤسسة الدينية في النجف وكربلاء لتعيين شخص يتولى تقديم احتجاج إلى الحكومة بذلك الشأن. وبالفعل ، قررت الحكومة في اوائل تشرين الأول عام 1927 إعادة المدرسين المفصولين إلى الخدمة، فوقف حزب “النهضة العراقية” ضد قرار الحكومة ، وأخذ ينشر المقالات في جريدة الحزب ، فكتب مقالاً بعنوان “امهزلة جديدة ام قضية النصولي تبعث تارة اخرى” وقد حمل الحزب فيها وزارة المعارف مسؤولية إعادة النصولي ورفاقه للخدمة الذين كانوا مصدراً لسخط الشعب العراقي واستيائه ، ومبعثاً لروح التفرقة والشقاق بينه ، وأشار الحزب إلى أن انتشار نبأ اعادة المفصولين لوظائفهم قد أثار الدهشة في النفوس ، عاداً اياها مأساة جديدة .
لم يكتفِ الحزب بذلك ، بل حشد كل طاقاته للوقوف ضد قرار وزارة المعارف ، فأرسل كتاباً بيد محمد رضا الشبيبي إلى السيد علي بحر العلوم في النجف دعاه الى ضرورة تقديم احتجاج شديد إلى مجلس الوزراء بشأن هذه القضية ، فضلاً عن ذلك، قام عبد الأمير الخراز مدير التحرير السابق لجريدة “النهضة” بزيارة سريعة إلى النجف وكربلاء للتأكد من انتشار هذه القضية في هاتين المدينتين . كما قام محمد رضا الشبيبي بزيارة القبائل العراقية الموجودة على الحدود مع إيران لتشجعيهم على تقديم احتجاج ضد الحكومة، ودعاهم الى بتشكيل حكومة شيعية تجمع الشيعة كلهم تحت سيطرة المؤسسة الدينية في النجف ، فضلاً عن ذلك ، فقد قام الشيخ عطية ابو كلل بزيارة الشيخ مجيد الخليفة شيخ عشائر البو محمد في العمارة وطلب منه الكتابة إلى المؤسسة الدينية في النجف نيابة عن قبيلته واعداً بتقديم اقصى ما يمكن من المساعدة إلى الحركة الشيعية .
في 1933 أصدر عبد الرزاق الحصّان كتاب “العروبة في الميزان” , وكان يعمل في وزارة المعارف العراقية آخذاً على الشيعة توجّهاً فارسيّاً وعدم قدرة على المواءمة بين ولائهم الطائفيّ وعروبتهم. وكان قد طرح في كتابه هذا فكرة مفادها أن الشيعة في العراق لم يكونوا عرباً، بل أنهم انحدروا من المجوس القدماء، وهم في العراق من بقايا الساسانيين، كما أنه قدم وصفاً لنزعة الشيعة نحو إبداء الولاء إلى إيران، وإن تاريخهم هو تاريخ الشعوبية نفسه وقد رأى بعض كُتّاب الشيعة أن الكتاب وُضع بإيعاز من ساطع الحصري. . وأخيراً اضطرت الحكومة بمصادرة الكتاب وتمت محاكمة المؤلف وحكم عليه بالسجن.. وكان واضع الرسالة (عبدالرزاق الحصان) من حاشية نوري السعيد، وظهر فيما بعد أن ياسين الهاشمي كان وراء المؤلف، وقد تبناه شخصياً طه الهاشمي طيلة حياته .
كان الحصري لايثق بقدرات العراقيين من اهل البلد التي هو ضيف فيها والتي لم يجيد لغتها لذلك كان يصر على استيراد المعلمين من سوريا ولبنان ومصر وتفضيلهم على العراقيين. علماً بأن كان هناك الآلاف من خريجي المدارس الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية وبغداد وسامراء، يصلحون للتدريس في اللغة العربية وآدابها ومادة التاريخ والرياضيات.. وغيرها. ولما أمر الملك فيصل بفتح دار للمعلمين في الحلة وأخرى في الموصل، رفض الحصري المشروع بشدة، وذكر في مذكراته فيما بعد، أنه رفض المشروع لأنه كان في الحلة يفيد الشيعة وفي الموصل يفيد المسيحيين، وقال ما نصه: “وأنا لم أتردد في الحكم بأن تنفيذ هذه الخطة- إنشاء دار للمعلمين في الحلة وأخرى في الموصل- يعرض الوحدة الوطنية لخطر عظيم لأنه كان من الطبيعي في تلك الظروف أن تكون الأكثرية الساحقة من طلاب دار المعلمين في الموصل من أبناء المسيحيين وفي الحلة من أبناء الجعفريين” .وكان يرفض الاعتراف بخريجي المدارس الجعفرية، وكان يسميها “المدارس الإيرانية.” وأصر على عدم تعادل شهادتها بالشهادة الثانوية. وكانت تُرفض طلبات الطلبة الشيعة في القبول في كلية الحقوق. ولما كثرت الاحتجاجات على هذا السلوك، أوعز الملك بفتح صف إضافي في كلية الحقوق لقبول الطلبة الشيعة من خريجي المدارس الجعفرية. والجدير بالذكر أن إجراء الملك هذا واجه معارضة ليس من قبل الحصري وحده، بل ومن مسؤولين آخرين . فهذا كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي يقول “إن نوري السعيد كان يريد أن يجعل من أبناء الجنوب الشيعة عمالاً ماهرين.. ومن أبناء السنة خريجي جامعات”.. المصدر”.
لم يكن الشيعة فقط هم ضحية التمييز الطائفي بعد تأسيس الدولة العراقية، ففي عام 1925 عندما عين مصطفى العمري من الموصل وزيرا للداخلية، الذي سعى بجد لدفع العرب الى المجيء والاستقرار بمناطق كوردية من نينوى وكركوك. ومن بعد ذلك بين الاعوام 1930- 1935 الذي شجعت خلالهما الحكومة وبدفع من رئيس وزرائها ياسين الهاشمي عربا من قبيلة العبيد للتوطين زراعيا في منطقة الرياض وهم البدو الرحل، وقام بإنشاء مشروع اروائي في المنطقة بهدف دفعهم الى أمتهان الزراعة أحد أهم عوامل الاستقرار بالمنطقة. وعلى وفق هذا الإجراء يعد البعض من الباحثين أن ما قام به الهاشمي هو اللبنة الأولى لعملية التعريب المنظم حديثا في كوردستان العراق التي غيرت معالم كركوك والمناطق المحيطة بها ديموغرافيا. وهكذا احتدمت الأوضاع الداخلية في البلد بشكل ملفت حيث تفاقمت انتفاضة الأكراد في الشمال بقيادة الشيخ (محمود البرزنجي) واحتدام إحداث العنف في المدن العراقية وخاصة في البصرة والديوانية وسوق الشيخ والموصل والسماوه وتحديدا في ايار عام 1931 بسبب إجراءات وزارة (نوري السعيد) في إقرار قانون رسوم البلديات.
في عام 1933 حصلت مذبحة الآشوريّين، وهو العمل الذي ارتبط باسم بكر صدقي، الضابط الذي ما لبث، في 1936، أن نفّذ أوّل انقلاب عسكريّ ناجح في العالم العربيّ. وكان هذا إشارة مبكرة إلى وجود ميول تطمح إلى تجاوز التفتّت الاجتماعيّ بالحلّ العسكريّ المفروض من أعلى، ولم تحُل الخطابيّة القوميّة العربيّة عن “الأخوّة” دون تفجّر العداوات والنزاعات على أسس طائفيّة وإثنيّة. بسبب غياب الملك في حينها للعلاج فقد كلف الحكومة بالتعامل معها مؤكدا بان ما حدث في العراق بـ(الإضراب العام ) سنة 1930 ينبغي كما قال “ان يجعلنا نغير حساباتنا ونضع بالاعتبار كيفية إخماد مثل هذا الإضراب وكذلك لابد من أخذ العبرة من إحداث ثورة الشيخ محمود البرزنجي.. ومعرفة قدراتنا في مواجهتها وما عانته الدولة بكل حزم ودون تهاون” . صرح الملك ( فيصل الأول) في جريدة ( ديلي ميل) في بداية أيلول 1933 وصف بها احداث الاشوريين بانها “أقلية أشورية تريد الاستقلال السياسي وهذا يعني خراب البلد والإطاحة بالنظام”.
توفي الملك فيصل في 8 أيلول 1933 بصورة مفاجئة فاجتمعت الوزارة وأقرت تتويج الأمير غازي ولي عهد العراق ملكاً على العراق. وبعد وفاة الملك فيصل / آب 1934 . واستغلت الجهات الحاكمة ضعف خبرة الملك الشاب لتزيد من سيطرتها على مقدرات البلاد. قفي انتخابات 1934، اتُّهمت الحكومة بالتدخّل وإسقاط بعض الوجوه من الشيعة، فضلاً عن إعطاء مقاعد شيعيّة للسنّة، ما أطلق تحرّكاً للعشائر والشيوخ أدّى إلى إسقاط حكومة علي جودت الأيوبي في فبراير 1935. ثم، وتحت التهديد بانتفاضة، سقطت حكومة جميل المدفعي، إذ استقالت في 15 مارس من العام نفسه، وكُلّف ياسين الهاشمي بتشكيل حكومة تولّى فيها رشيد عالي الكيلاني وزارة الداخليّة. نتيجة لشعور الشيعة بالغبن من الإجراءات الحكومية فقد قدموا مطالب تتعلق بالمساواة وتدريس الفقه الشيعي في كليّة القانون، كما أصدر المرجع الشيعيّ محمد الحسين كاشف الغطاء فتوى بهذا المعنى. وحاول الهاشمي كرئيس للحكومة منع مواكب محرّم، وانزاح الوضع برمّته إلى حافّة الانفجار المسلّح. وبالفعل ففي 6 مايو، وبعد اعتقال رجل دين شيعيّ، ثارت بضع عشائر وأُعلنت أحكام عرفيّة، كما قصف الطيران العراقيّ لواء الديوانيّة قبل أن تنضمّ عشائر سوق الشيوخ والناصريّة إلى التمرّد، فقُطع خطّ سكّة الحديد بين البصرة والناصريّة وتمّ احتلال مدينة سوق الشيوخ. وإذ أبدت حكومة الهاشمي استعدادها للتفاوض فإنّها ما لبثت أن غلّبت الخيار العسكريّ لإخضاع المتمرّدين.
“لايوجـد احصـاء رسمـي بعدد القـتلى والجـرحى من الاهالي كمـا أننا لانعلم شـيئـاً عن عـدد خسـائر الجـيش. وقد أكـدّ لنا عليـم… بأن عدد القـتلى من الاهلl والجـيش والشـرطة قـد بلغ زهاء سـتمـائة]. إن كـاتب هذه السطور شاهد مـشانق علّق عليـها أربعة من أصل عـدد آخر في مدينة النـاصرية. كمـا اتيحت له زيارة لسـوق الشيـوخ بعـد نهـاية الحركـات ليـشهـد منظراً واحـداً من الاجـراءات التأديبـيـة. كانت البـلدة قد عـريت تماماً عن غابات النخيل المحيطة بها التي تحجبها عن أعين القادمl اليها. فقد نفذ آمر القوات بكر توصية رشيد عالي الكتــابيّـــة بأمانةٍ وجـرّد أكثر من عشرة آلاف نخلة من أغصانـهـا وفروعهـا ولم يبق منها إلا أجذاع قائمة. وهذا ما رأته عـيني” . كما يذكر الحسني ” شاع في الأوساط يومـئذ أن قيادة القوات التـأديبية في لواء الديوانية والقائد الفـريق بكر صدقي – أصدر الاوامـر بوجـوب قتل الأسـرى والأطفـال من الثـوار الذين يقـعـون بيد الجـيش. فـشـخص وزير الدفـاع جعـفـر العسكري الى الـديوانية بنفسـه للتحقـيق في صحة هـذه الشائعات لكنّ تقـريره بقي مكتومـاً. فلما دالت ايام الوزارتl الهــاشـمـيـة الـثـانيـة والسـليـمـانيــة سـمـعت من رئـيس الديوان الملكي رســتم حـيـدر يقــول إنه آسف لتكذيبــه هذه الشـائعـات في حـيـنه بينمـا تحـقـقـت صـحـتـهـا بعـدئـذ. وكـان السـيـد رشـيـد عـالـي حـاضـراً هذا الحديث” . وذكر اللـواء (الركن ابراهيم حــمـدي الراوي) ” فـانه (اي بكر) كان قـد أصدر أمراً عـسكريّاً صارمـاً بان لاتستـخدم اية شفقـة أو رحمة مع الثائرين. وعلى الـعكس أن تحرق مزارعهم وهي المعـوّل عليها في معاشـهم وأن يقتل أي أسيـر أو جريح وتهـدم بيوتهم ” . وقــال جــمس مــورّي فـي كــتــابه ” تم اخــمــاد هذه الثـــورات بالـعنف ومن دون رحـــمــة أو هـوادة. وكــان بطـلهــا بـكر صــدقـي الذي قــضـى على الآشـــوريين في 1933 .كانت قـواته تزحف على مناطق الثورة فوراً فـتبطش وتضرب وتـقتل وتذبح. ثم تعتـقل المئات وتشنق العشرات من دون محاكمة أو بعد محاكمات عسكرية صورية ” . شهد عام 1935 اول مقبرة جماعية في تاريخ العراق الحديث حيث قام الفريق بكر صدقي العسكري الذي كان مسؤولا عن مذبحة الاشوريين عام 1933 وخلال الانتفاضة الممتدة مابين الرميثة والسماوة باسر ثلاثين عراقي من الثوار وامر باعدامهم رميا بالرصاص ومن ثم دفنهم في مقبرة جماعية من قبل بلدية لواء الديوانية .
في عام 1936 حدث اول انقلاب عسكري قاده الفريق بكر صدقي العسكري ونتج عنه مقتل مؤسس الجيش الفريق جعفر العسكري. وكان هذا الانقلاب أول تدخل فعلي لفصيل من القوات المسلحة في الحياة السياسية العراقية وبالتعاون مع جماعة وطنية وديمقراطية عراقية مثل جعفر أبو التمن وكامل الچادرچي وعبد الفتاح إبراهيم. وإذ رفض في البداية كل من محمد جعفر أبو التمن وعبد الفتاح إبراهيم استخدام القوات المسلحة للوصول إلى السلطة، إلا إن محمد جعفر أبو التمن قد تراجع عن موقفه ووافق المشاركة في الانقلاب، في حين استمر عبد الفتاح إبراهيم رافضاٌ مبدئياً وكلياً وبإصرار مشاركته ومشاركة الجماعة في تنفيذ الانقلاب، باعتباره خرقاً للدستور وتجاوزا على الديمقراطية ومهمات القوات المسلحة العراقية، إضافة إلى إنها بادرة ستجر بعدها انقلابات أخرى، وكان على حق كبير. علماً بأن حكومة ياسين الهاشمي حينذاك لم تمارس سياسة ديمقراطية بل “ارتكبت أخطاء أساءت إلى الحكومة كالفساد واستغلال النفوذ ورعاية المنافع الخاصة وتفشي المحسوبية والرشوة وإهمال مصالح الشعب واستخدام القوة المفرطة في قمع احتجاجات العشائر المطالبة بحقوقهم وتمرد الآشوريين وزج الجيش في قمع الاضطرابات الداخلة وملاحقة الصحافة والأحزاب والنقابات بإجراءات مخالفة للقانون، لهذه الأسباب فقد عمّ الاستياء والتذمر والملل من الحكومة. ومع ذلك لم يكن الانقلاب طريقاً سليماً لتغيير الأوضاع. وهو الدرس الذي استفاد منه فيما بعد السياسي العراقي الكبير كامل الچادرچي. لقد شارك في حكومة الانقلاب التي ترأسها حكمت سليمان أربعة من جماعة الأهالي بضمنهم أبو التمن والچادرچي. إلا إن الحكم الفعلي لم يكن بيد الحكومة بل بيد بكر صدقي العسكري وقد سقط النظام بعد اغتيال قائد الانقلاب بكر صدقي بالموصل في العام 1937. وقد مارس بكر صدقي ولأول مرة في تاريخ العراق الحديث نهج الاستبداد والعداء للقوى اليسارية وخاصة الشيوعيين والديمقراطيين، وأسقط أيضاً الجنسية عن شخصيات شيوعية عراقية مثل عبد القادر إسماعيل وأخيه يوسف إسماعيل وإبعادهما على خارج العراق.
اذن ونحن نصل الى عام 1940 يبدو واضحا ان العقلية العثمانية قد بقيت مسيطرة على العقول المؤسسة للدولة العراقية الحديثة . فقد استمرت التفرقة بين المواطنين الدرجة الاولى والدرجة الثانية . والمعلومات المتوفرة تؤكد استبعاد العراقيين الشيعة لاسباب طائفية من المناصب العامة فلم يتولى اي شيعي رئاسة الوزراء او وزارة الدفاع او الداخلية او الخارجية او اي وزارة مهمة واقتصرت الوزارات الممنوحة لهم على وزارة المعارف التي كان يتحكم بها ساطع الحصري اما في الجيش فلم يوجد بين المؤسسين اي ضابط شيعي ولم يتولى اي شيعي منصب مهم في الجيش . كذلك تمت محاربة الشعائر الشيعية لاسباب طائفية مع اتهام جميع الشيعة بانهم (جعفرية ايرانيين ) .