23 ديسمبر، 2024 5:53 ص

التطرف الديني وأثره في خلق التنظيمات الإرهابية “داعش”

التطرف الديني وأثره في خلق التنظيمات الإرهابية “داعش”

ما يشهده العراق اليوم من عمليات إرهابية منظمة تقودها دول عدة تحت مسمى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ما هو إلا واحدة من الأساليب الخبيثة التي تحاول إسقاط العملية السياسية في البلاد وإرجاع العراق الى الوراء ولكن بسواعد أبناءه المخلصين سوف لن يقدروا على ذلك أبداً.

ان من ابرز التنظيمات الإرهابية المتطرفة اليوم هو تنظيم داعش ومن قبله تنظيم القاعدة وهما وجهان لعملة واحدة هدفها الأساس القضاء على الإنسانية بكل أشكالها وألوانها وإدخال الرعب في قلوب الجميع من خلال ما يقدمونه من صور بشعة في إزهاق الأرواح وقتل الأطفال والنساء وحرق دور العبادة وهدم الآثار والمعابد وتحطيم البنى التحتية للدولة وغيرها من الصور البشعة التي لا يكاد يتصورها العقل ولم يحدثنا التاريخ عنها.

وهم بأفعالهم الوحشية هذه لا ينتمون إلى أي معتقد أو دين سماوي أو غير سماوي بل نقول كما قال عنهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بعد حادثة 11 أيلول (الإرهاب لا دين له) وهذه المقولة تنطبق عليهم بالفعل فهم لا يمتون لأي دين بصلة حتى وان تبجحوا وادعوا بأنهم تحت راية الإسلام او إنهم يطبقون شريعة السماء فهذا كذب وافتراء والدين منهم ومن أفعال وتصرفاتهم براء.

وقبل ان نضع العلاج المناسب لمواجهة التمدد الإرهابي واستفحاله في العراق علينا أن نبين أهم الأسباب التي أدت إلى نضوج تلك الجماعات في العراق ومن ابرز تلك الأسباب هي:

السبب الأول: وجود دول ومؤسسات تعمل على خلق ودعم مثل هكذا تنظيمات إرهابية تقوم بتنفيذ مخططات ومشاريع قد رسمت لها من قبل أمريكا وإسرائيل والدول الساندة لهم من اجل تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير الرامي إلى تقسيم المنطقة تحت أسس طائفية ومذهبية وقبلية, وان هذه التنظيمات تمثل أهم المرتكزات الأساسية في بلورة هذا المشروع وعلى هذا الأساس يكون دعمهم له مستمر وفعال مع الحفاظ على سرية الانتماء والاتصال خلف الكواليس المظلمة.

السبب الثاني: التفكك والاحتراب السياسي والطائفي لدى الفرقاء السياسيين ولدا أرضية خصبة ومبررات خاطئة لظهور تلك الجماعات المتطرفة بعد إن زرعت في أذهان كل واحد منهم المفاهيم الطائفية وتم تغذيتها بعدة فعاليات ومواقف طائفية مما جعل كل واحد منهم لا يثق بالآخر المختلف معه في المذهب او القومية.

السبب الثالث: الجمود على ما جاء في النصوص الدينية من القرآن او السنة وعدم استيعاب المنظومة الإسلامية بصورة كاملة مع غياب كامل لدور العقل في فهم وتفكيك النصوص الدينية ولدّ لنا جهات تكفيرية بشعة تحت مسمى الدين او الإسلام وهم بعيدين عنه كل البعد.

وإنما المنظومة الإسلامية الصحيحة والسلمية تلك التي عمل بها علي ابن ابي طالب “ع” عندما تولى الحكم فقال لمالك الاشتر (الناس صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) وهذه من اهم الأسس التي تبنها عليها المتجمعات المتحضرة قوانينها وعملها في تقبّل النوع الإنساني بكل أشكاله وألوانه الدينية والمذهبية.

السبب الرابع: التأويل الخاطئ للنص الديني ولدّ لنا مذهب سلفي تكفيري قشري لا يميز بين المتشابهات والمحكمات من الأسس والمبادئ والمنطلقات الدينية مما جعلهم يكفرون كل من يختلف معهم بأبسط شيء ويستبيحون قتل الناس على أتفه الأمور, بل حتى وصل بهم الأمر إلى تكفير المذاهب الإسلامية المعتدلة التي تؤمن بالتعايش السلمي وتؤمن بوجوب حفظ النظام العام للدولة وعدم المساس بالآخرين.

وهذه مرحلة حرجة وخطيرة ولا تستطيع ان تميزها الأمة بسهولة, لأنها تكون على حساب تغليف الباطل باسم الدين وترويجه للناس وإرساله لهم إرسال المسلمات وجعل تلك التأويلات الخاطئة والمظللة طرق يتصورها الجهلة والمغرر بهم على إنها تقودهم إلى الأمان في الدنيا والآخرة.

السبب الخامس: قلة الوعي الديني والثقافي لدى الفرد العربي بصورة عامة والعراقي بصورة خاصة مما سهل الأمر لتك التيارات المنحرفة والتكفيرية أن تبث أفكارها وسمومها المتطرفة وتسوقها على السذج والبسطاء من الناس, مع إضافة بعض التأويلات الخاطئة والمنحرفة للنصوص الدينية كما قلنا في النقطة الرابعة جعل الكثير من الشباب ينخرطوا في صفوف تلك التيارات التكفيرية ظناً منهم بأنهم بفعلهم هذا يطبقون الشريعة الدينية.

وما لم نقضي على هذا السبب الأخير لا نستطع ان نوقف التمدد الحاصل في صفوف تلك التيارات التكفيرية, لان هذا السبب هو المغذي الأساسي والقاعدة الرخوة التي يعمل عليها كل تنظيم ويكسب من خلالها أعضاء وعناصر وطاقات وكفاءات متعددة وفي شتى المجالات.

ولكي نكون على قدر المسؤولية والعمل الجاد من اجل مواجهة هذا التنظيم المتغطرس لابد لنا من تفعيل ثلاث محاور أساسية نعتقد بأنها سوف تكون حجر الزاوية الذي يقضي على التنظيمات الإرهابية ويقف المخططات العدوانية التي تسعى الدول المستعمرة على تطبيقها في محيطنا الإسلامي والعربي.

وهذه المحاور هي:

أولاً: هو الإشراك والاشتراك الحقيقي لجميع الإطراف السياسية في البلاد وخلق الثقة بين الأطراف السياسية والعمل على تحمل المسؤولية الحقيقية في الدفاع عن العراق أرضاً وشعباً وحماية السيادة العراقية من التدخل الخارجي وهذا محور أساسي ومهم ولابد منه مهما كلف الأمر من صعوبة وتحديات داخلية وخارجية لأنه مالم يستقر الوضع السياسي في العراق لا يحصل أي تقدم في جميع المستويات الأخرى.

ثانياً: من خلال العمليات العسكرية البطلة والانتصارات الحقيقية التي يقدمها أبناء قواتنا الأمنية بمشاركة أبناء الحشد الشعبي وأبناء الفصائل المقاومة وأبناء العشائر خير دليل على صدقهم في الدفاع عن العراق

بكل أطيافه وقومياته وبذل الغالي والنفيس من اجل سلامة العراق, ولكن مع كل ذلك لابد من العمل الجاد على بناء جيش قوي ووطني وذو معنويات عالية يأخذ على عاتقه حماية جميع محافظات العراق من الشمال إلى الجنوب لكي يشعر الفرد بوجود كيان للدولة وهذا محور مهم أيضاً لأنه إذا فقدت الدولة هيبتها وقوتها فلا قيمة لأي عمل أخر.

ثالثاً: وهو الأهم بنظري تجفيف منابع الإرهاب من خلال توعية الشباب وبيان المنطلقات الفكرية المتزنة لديهم وعدم الانجراف وراء كل من هب ودب, ومعالجة هذا الأمر يكمن في رفع المستوى الثقافي والمعرفي للفرد وخلق جيل واعي ومتعلم لا يغمض عيناه ويصم سمعه وعقله أمام التفكّر والتدبّر بكل ما يُطرح ويراد له ان يكون أساس ومنهج تسير عليه الأمة في حياتها ومنهجها وسلوكها, لأن داعش تعتمد على هذه الشريحة في تقوية صفوفها ورفد مقاتليها من خلال عمليات غسل الدماغ التي تقوم بها وما لم نسارع الى توعية الأجيال القادمة فإننا لا نستطيع ان نتخلص من كابوس هذه التيارات التكفيرية المتطرفة.

فنحتاج الى بناء المدارس والمعاهد والكليات على أساس علمي ومهني وخلق برامج علمية تتيح لأبنائنا تطوير قابليتهم الذهنية والمعرفية ونحتاج إلى صوت إسلامي معتدل يراعي متطلبات الحياة ويأخذ بنظر الاعتبار كل أشكال التقدم والتطور العلمي الذي يشهده العالم في بناء الحياة مع الحفاظ على هوية البلد الإسلامية والدينية وتكون الشريعة للحياة قولاً وفعلاً ومنهجاً وسلوكاً, لا كما تصوره لنا التيارات الدينية المتطرفة التي شوهت وتشوه اسم الإسلام وتعاليم الدين من خلال ادعاها للدين زوراً وبهتاناً وتبنيها لتلك التنظيمات التفكيرية والإرهابية المتوحشة.