23 ديسمبر، 2024 6:48 ص

التصوف الفلسفي والعودة الی الذات في زمن الكورونا والحروب

التصوف الفلسفي والعودة الی الذات في زمن الكورونا والحروب

بما أن التصوف الفلسفي هو عبارة عن نظرية فلسفية أو الأساس المیتافيزيقي، من خلالە يسعی الصوفي وقت الصحوة تفسير أو تعلیل مایجده أثناء الوجد أو في حالة السکر.
يوصف التصوف بأنه طریق خالص لإشباع العاطفة و تغذية القلب وتصفية النفس بالمجاهدة والرياضة والإنتقال بها من حال أو مقام الی حال و مقام آخر والترقي بها للوصول الی مايسمی بوحدة الشهود أو الوجود (أي القول بأن هذا العالم المختلف في الأشكال ليس سوی مظهر من مظاهر متعددة لحقيقة واحدة هي الوجود الإلهي) أو الفناء والحلول (أي نزول إله في شخص من الاشخاص) والاتحاد (أي شيوع الألوهية في العالم كله).
الصوفي الذي يجيد فن النزوح صوب المتعاليات، يخوض غمار تجربته الروحیة بحثاً عن الوجود، فهو لایترك مجالا للتمنطق بل يکتفي بالتخيل، والعودة الی الذات کما يراه فيلسوف الظاهرياتي/الفينومينولوجي إدموند هوسرل، صاحب كتاب “تأملات ديكارتية”، هو سعي الإنسان ليصبح حقاً فیلسوفاً، يحاول في داخل ذاتِــه قلب جميع المعارف المسلّم بهــا إلى حدِّ الآن.
إن الوجود، عند الفیلسوف الوجودي الدانمارکي، سورين كيركجورد، الذي آﻣن ﺑﻘدرة اﻟﻌواطف واﻟﻣﺷﺎﻋر اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻋﻟﯽ ﻗﯾﺎدة اﻟﻌﺎﻟم ﻟﺑر اﻟﻧﺟﺎة، هو أن يختار الإنسان ذاته، فالواقع هو أن الإنسان لا يختار إلا نفسه، فكل اختيار “خارجي” إنما يكون مرتبطاً باختيار داخلي، بنسبة شيء أتبعه فأحقّق ذاتي.
ففي زمن تکالب الناس علی الثروات والشهوات وفساد الأخلاق وإنحطاط المجتمع مع وجود الإقتصاد اليائس المؤدي الی إضمحلال الفضائل الأخلاقية ينسحب الصوفي بروحه المتعالية علی المادة الی داخلە وعالمه الكبير المختص بالحرية والخيال و لذة السؤال عن المجهول بهدف بلوغ الغايات السامية والحقيقة المتعالية، حیث الأمن والجمال ونزعة الحب الكوني.
إن إلإيمان بحقيقة الوجود الفردي بل بمعنى الوجود هو البديل عن الفراغ واليأس والمعاناة والقلق ويتفق الفیلسوفان الفرنسي جان – بول شارل ايمارد سارتر، صاحب کتاب “الوجود والعدم”، والألماني مارتن هايدغر، صاحب کتاب “الوجود والزمان” بأن كل فرد يتميّز بالـ”فرادة”، التي تجعله قادراً على الاختيار والعيش بحريّة وإرادة.
صحیح بأن التصوف شاع قبل الإسلام في الأديان والأمم كلها، في الوثنية والمجوسية واليهودية والنصرانية ، ولقد عرفه في بعض أشكاله البابليون واليونان والرومان والهنود والصينيون، لکن يمکن أن نقول، أنه نتاج مشرقي لايخلو من الغاية وغايته دائماً روحية، أصلە هو العكوف علی العبادة والإنقطاع الی الملأ الأعلی والاتصال به والفناء فيه والإعراض عن زخرف الدنيا و زينتها.
إذن الصوفية في أصلها رياضة نفسية تخلق في الإنسان إرادة فعالة وتخلق للمجموع المتصوف شخصية ثابتة. فهي ترمي الی إثبات الناحية الإجتماعية في وجه القوی الإجتماعية والطبيعية أحيانا، لذا يمكن أعتبارها ناحية جليلة من نواحي علم النفس.
في البناء الثيوصوفي يتجلی الحب كـ”ثيمة” مرکزية فيجعل من الإله کما المرأة موضوعا لە، لذا لا نری وجود للصوفية من دون حب أو محبة والمحبة عند أهل التصوف هي أصل الموجودات. الحب کحالة قصوى من حالات الشرط البشري، وشكل من أشكال ممارسة الإنسان لذاته وبقائه، هو أسمى وأرقى أنواع العلاقات في الوجود، يتأتى نتيجة صفاء القلب ونقائه مما فيه من شوائب مختلفة الألوان.
أما الحب لدی المتصوفة فهو نابع من الصفاء أي صفاء القلب ونقاء أسراره، فيذکر بأن قلب الصوفي لا يعرف إلا الحب ولسانه لا يلهج إلا بلغة الحب وصدق من قال بأن “لقلوب العارفین عيـون ترى ما لايراه الناظرون”.
ماأحوجنا الیوم إلى لغة الحب ونحن نعيش في زمن الكورونا والکراهية والعنف والحروب.