22 ديسمبر، 2024 9:10 م

التصور العلمي للخلود والحياة بعد الموت

التصور العلمي للخلود والحياة بعد الموت

مفهوم الحياة والموت من وجهة النظر العلمية والطبية يختلف كليا عن المفهوم الديني التقليدي الشائع, كما تختلف كل المفاهيم الاخرى تقريبا. لكن المشترك الوحيد بين العلم والدين هو الايمان بوجود وحتمية الحياة بعد الموت وتحقيق الخلود. ليس على مبدأ الروح او اعادة تجسدها او بعثها ثانية في عالم خيالي اخر كما يقول بلا اي دليل كل التقليديين والكتابيين والمتدينين بانحاء العالم, وانما بنفس اجسادنا او بنسخة مطورة منها وعلى هذه الكرة الارضية نفسها وخلال عقود قليلة, كما يقول العلم المعاصر, وعبر القضاء نهائيا على الموت. فخلال السنوات الاخيرة توسع فهمنا لمبحث الحياة والموت بيولوجيا وتكنولوجيا من المستوى الجزيئي الى الخلوي فالاعضاء والكائن ككل. وكثير من المسلمات حتى نهاية القرن الماضي اصبحت الان بخبر كان والغتها بحوث واكتشافات بين عام 1995 الى منتصف هذا العام 2016, حصل بعضها على جوائز نوبل وبعضها متداول بين الوسط العلمي ولم ينتشر بين العامة.
علميا فاننا اكملنا كل الادلة والنظريات والمفاهيم ومعظم الاليات والتقنيات المطلوبة للتالي:
1- اطالة الحياة ووقف الشيخوخة والموت.
2- عكس عملية الموت مباشرة بعد حدوثها.
3- استبدال الاعضاء وربما كامل الجسم البشري.
4- احياء الاموات المدفونين من بقاياهم البيولوجية.
5- حفظ الذاكرة واسترجاعها.
6- تحديد جدول زمني مستقبلي مبدئي لكل هذه التطبيقات.
ولكن العائق الاكبر والاهم امامنا حاليا هو الجانب الاجتماعي والفلسفي والاخلاقي المصاحب والمطلوب انضاجه عالميا حتى يتعمق ويتجذر ولا يساء استخدام هذه التقنيات ولا يتم احتكارها, بما يضمن مساواة الفرص بين البشر جميعا وبما لايهدد موارد الارض خاصة وان تطورنا بعلوم الفضاء والفلك, والضرورية في عصر الخلود, لم يصل بعد للمستوى المطلوب بسبب تكاليفه المادية العالية.

لقد تطور المفهوم المادي (وبالتالي التطبيقي) لتفسيرنا البيولوجي لعمل ووظائف وحياة وموت اجسادنا عبر مراحل اسميها مراحل نزع القدسية. دارون في نظريته للتطور لعام 1859 والتي اثبتتها كل الابحاث العلمية لاحقا, كان اول من رفع القدسية والمرتبة الخاصة التي كان ينظر بها الانسان وحتى العلم لنفسه. فوجود اصل مشترك للانسان مع القردة وكل باقي الكائنات هدم اركان نظرية الخلق الخاص وبالتالي صار الانسان ظاهرة طبيعية نعاملها ونتحكم بها مثل باقي الظواهر الفيزيائية بعد ان كان يظن انه بتصميم فريد ومحكوم بارادة خارجية. يوري وميللر قاما عام 1952 بتجربتهما الرائعة التي تمكنا من خلالها من تصنيع المواد العضوية الاساسية لاجسامنا كالاحماض الامينية من مواد بسيطة هي نفسها المنتشرة على الارض في بداية تشكلها وظهور الحياة. فرفعا القدسية والسحر عن المادة المكونة لحوالي 40% من اجسادنا, اذ ان الباقي هو الماء. في التسعينات الماضية تم رفع القدسية عن الخلايا نفسها المكونة لاجسادنا. ففي تموز عام 1996 ولدت النعجة دوللي من حقن نواة لخلية تكاثرية داخل خلية جسدية نزعت منها النواة, وبعد زراعة الخلية المخصبة في رحم نعجة ثالثة امكن لاول مرة توليد كائن تام منسوخ قابل للتكاثر بطرق الهندسة الخلوية. والان في 2016 يتم توليد 500 كائن جديد مستنسخ يوميا وبنفس الطريقة في كوريا الجنوبية وحدها. كما تم في التسعينات على يد علماء يابانيين تكسير انواع مختلفة من الخلايا, اي قتلها, ثم اعادة تجميعها فاكملت حياتها طبيعيا. انا شخصيا قمت بنفس الفترة بتكسير خلايا الدم البشرية واعادة لحمها مع اضافة مكونات من خلايا مختلفة فعادت لها الحياة, بل وعاشت اكثر من الطبيعي. وبهذا رفع العلم القدسية عن جسد الانسان ككل وعن اجزائه واحدا بعد اخر.

– اطالة الحياة ووقف الشيخوخة: تصاعد معدل الحياة والبقاء هو ظاهرة عالمية وواضحة. فنحن بالفعل وبتقنياتنا الصحية والطبية التي اصبحت قديمة نسبيا بمفهوم اليوم, تمكنا من رفع معدل حياة الانسان من 31 عاما سنة 1900 الى حوالي 70 عاما هذه الايام. اي ضاعفنا العمر المتوقع لاي طفل مولود خلال قرن واحد. بالتاكيد ومنطقيا مع تطور اكتشافاتنا وتقنياتنا وابحاثنا سنضاعف هذا الرقم اضعافا مضاعفة في المستقبل حتى بتحديث بسيط لنفس الاساليب والعلاجات القديمة. فمابالك بالتطورات الجديدة والقفزات الهائلة الممكنة؟ ولكن متى بالضبط وماهي اهم الاكتشافات الحديثة بهذا المجال؟ ربما اهم حدث بهذا الامر حصل عام 2014 عندما اكتشفنا ان تسلسل الموت الخلوي (المبرمج كما كنا نسميه سابقا) والذي نعرفه منذ فترة طويلة يبتدأ من خارج نواة الخلية وليس من داخلها. ويبدو اننا كبيولوجيين اضعنا عقودا من الزمن نبحث عنه في المكان الخطأ, وهو نواة الخلية, ربما متأثرين كحال غيرنا بمفهوم المركزية في الكون والذرة, وهو من رواسب النظريات التقليدية, لنكتشف الان انه في الاطراف وليس المركز. ان انخفاض مستوى احد مركبات النيكوتين, نعم نيكوتين السيجارة, في السايتوبلازم هو الذي يشعل فتيلة سلسلة الموت الخلوي. واذا حافظنا على مستوى هذا المركب NADH عاليا وثابتا داخل الخلايا فهي لن تموت. واذا لم تمت الخلايا بكل جسم الانسان فهو لن يهرم ويموت ايضا. بتصوري ان الحدث الصحي الاهم في السنوات القادمة هو تطوير وتوفير نسبة من هذا المركب واشباهه في كل وجبات الغذاء وحتى ربما في مياه الشرب, كما اضفنا سابقا الكلور الى كل ماء شربنا منذ عام 1893 والفلور عند البعض منذ 1945. وهذا سيطيل العمر بصورة غير مسبوقة وربما يقضي نهائيا على الموت الطبيعي للانسان وحيواناته الداجنة.

– الغاء اسباب الموت: كل حالة وفاة ( غير الحوادث, بل وحتى الحوادث) لها اسبابها العلمية التي يمكن نظريا وفعليا علاجها. ونجحنا في القرن الماضي عموما في القضاء على نصف مسببات الموت الطبيعية. وبقي لنا نصف (مع بعض الاسباب الجديدة المستحدثة). لو نظرنا الى اكبر 10 مسببات لكل الوفيات في العالم هذه الايام سنراها ضمن مجموعتين. الالتهابات البكتيرية والفيروسية: وهذه لنا تاريخ مشرف في كبح جماحها ومكافحتها ومعالجة اثارها, ومن المعقول جدا افتراض تمكننا من ازالتها تماما او 99% منها خلال عقدين قادمين, كما نجحنا مع اشباهها سابقا. المجموعة الثانية هي الجلطات والذبحات الصدرية – القلبية: وهذه مع اختلاف مسمياتها واسبابها وتشخيصاتها فانها بالواقع جميعها قائمة على نفس الميكانزم او الالية الفيزيولوجية للحدوث, وذلك بتخثر مجموعة خلايا دم باحد الشرايين الصغيرة فيتوقف جريان الدم فيه, ومع توقف الجريان تكبر هذه الكتلة المتخثرة اكثر فتسد احد الشرايين الاكبر المجاورة, فيتوقف وصول الدم لاحد الاعضاء كالقلب او الدماغ او الكلية, ومع انهيار هذا العضو تتوقف باقي الاعضاء ويحدث مانسميه بالموت. وبعيدا عن الابحاث التقليدية في مجال معالجة هذه الحالة والتقليل من اسبابها والتي نجحت سابقا في التقليل منها, هناك الان مداخل وابحاث وتقنيات جديدة لم نشهدها سابقا. ربما اكثرها واعدة هي النانوتكنولوجي. ويتم هذه الايام اختبار مجسات نانو تطلق داخل دورة الدم لمراقبة هذه الجلطات وتصويرها ومعالجتها. وخلال سنوات قليلة ستعمم هذه المجسات داخل كل البشر لتعمل 24 ساعة على وقف وتفتيت كل الجلطات حال حدوثها, وبذلك نقضي على اكثر من نصف مسببات الموت في عصرنا هذا.

– عكس عملية الموت بعد حدوثها: لو فشلت كل الطرق السابقة وحصلت الوفاة (الطبيعية او بسبب حادث) فهل نملك اية تقنية او خبرات في ارجاع الميت للحياة؟ بالواقع نحن نقوم الان بتقنياتنا المتواضعة باعادة الحياة (بالمستشفيات الراقية) لاكثر من 10% من الاموات خلال دقائق بعد الوفاة. ونجحنا قبل عدة سنوات باعادة الحياة لفتاة بعد 3 ساعات من وفاتها غرقا. وسنطور قدراتنا كثيرا بمجال الاعضاء الصناعية واستبدال الاعضاء التالفة وتقنيات اعادة الحياة والاجنة الخلوية في السنوات القادمة, بل وحتى تجميد الميت حتى يتوفر العلاج او العضو المطلوب. فقط في شهر 5 الماضي من عام 2016 اعطيت الموافقة لفريق من العلماء الهنود على زراعة خلايا دماغية جذعية في مخ الموتى سريريا لاعادتهم للحياة في تقنية يعتقد انها ستقلب الطاولة على الموت. ويدعي نفس الفريق انهم نجحوا بالفعل في تطبيقها سابقا باحدى دول الخليج العربي على البشر, مع انها نجحت بدون شك في حيوانات مختلفة. وفي امريكا سيتم خلال الاشهر القادمة من عام 2016 تطبيق حقن الموتى بمحلول ملحي شبه جامد مباشرة بعد الموت ريثما يتم معالجة سبب الوفاة.

– استبدال اعضاء الجسم والجسم نفسه: ربما اكثر التقنيات الساعية لتحقيق الخلود طموحا وخيالا واصعبها للتحقق هي الافتار Avatar. لانتكلم هنا عن قلب او كلية صناعية ولا حتى عين او اذن رقمية تربط بالدماغ وتؤدي نفس الدور والوظيفة, وانما عن جموح اعظم. روسيا تبنت رسميا هذا الموضوع اولا ولحقتها مباشرة امريكا, والان العالم كله هو جزء من المشروع الذي يطلق عليه: موسكو 2045. تقوم فكرة هذا الموضوع على اننا كبشر بحاجة الى تبديل اجسادنا الى اجساد صلبة مرنة وذكية وقابلة للتشكل بحسب الظروف والحاجة. وبما اننا نستطيع وسنستطيع استبدال اعضاء من جسمنا ببديل صناعي ميكانيكي رقمي فالاولى ان نفكر باستبدال اجسامنا كلها ببديل صناعي له مواصفات حركية وتشكلية وتكيفية وذكائية تفوق بملايين المرات ما نملكه الان. كل اعضاء وحواس الجسم نستطيع الان نظريا وعمليا استبدالها ببديل مستحدث او طبيعي الا الدماغ. فكانت الفكرة ان نطور آلة لدماغ اصطناعي نستطيع ان ننقل ( من خلال كيبل مثلا) كل ذاكرتنا واحاسيسنا وافكارنا المخزنة بدماغنا الى تلك الالة. واذا ربطنا تلك الآلة بالجسد المصنع الجديد وشحنا مخ ذلك الجسد بذاكرتنا وكل مخزون دماغنا فانه سيتحول الى نسخة عملاقة وأرقى منا وأخلد. وقد قدروا اننا سنصل الى هذه المرحلة بحدود عام 2045 ووضعوا خارطة طريق لما مطلوب تحقيقه خلالها. حتى هذه اللحظة كل الامور تسير حسب المتوقع. وامامنا حوالي 30 سنة لملأ الفراغات في هذا السيناريو الطموح الذي يبدو حتى ابعد من الخيال في عامنا هذا. انا شخصيا كتبت مقالا قبل 20 سنة تقريبا (في المجلة العلمية للجامعة الاردنية التي ساهمت باصدار عددين او 3 منها قبل اختفائها) عن امكانية تحول الحياة الكاربونية التي نعيشها الى حياة سيليكونية, ولم اتوقع انها حينها انها ستحصل خلال عقود بل توقعت اكثر من ذلك بكثير.

– احياء الاموات وهي رميم: قد يبدو ان هذا السيناريو هو الاصعب من كل ماسبق. ولكنه بالواقع اسهل تقنيا من المشروع السابق بكثير, مع انه اعقد اخلاقيا ونظريا. ونحن نملك الان بجعبتنا كل الوسائل المطلوبة لتحقيقه. فهل المقصود ان هناك ميت ومدفون من 20 سنة واكثر او اقل يمكن ان اعيده للحياة واجعله ثانية كفرد منا يعيش بيننا وياكل ويتنفس وكانه لم يمت ابدا, وكيف يمكن ذلك؟ الجواب هو نعم وبالتاكيد. ولنستوضح الصورة الكلية اولا! سنصل علميا خلال عقود الى وقف الموت والقضاء عليه نهائيا, وسنقرر نحن الخالدون, او ربما ابناؤنا الباقون حينها سيقررون في يوم ما, ربما باستفتاء بشري عام او شخصي او تنافسي, الحاجة لاعادة الاموات للحياة بعد ان يكونوا قد جربوا الامر مع عدة حالات هنا وهناك. فاعادة الاحياء من جيل الاباء الاموات مثلا سيتبعها مطلب اعادة احياء الاجداد.. وهكذا. واتخاذ مثل هذا القرار المصيري الفارق في تاريخ البشرية بالمستقبل ليس من السهولة بمكان. وعدى موضوع المساواة بهذا الحق وتكاليفه ومن يتحملها فهناك موضوع موارد الارض وطبيعتها وحقوق الاحياء عليها والاموات انفسهم. فلو فرضنا, بعيدا عن التفاصيل الفنية, انني استطيع ان احيي جدي لابي الذي مات قبل 70 سنة هو وزوجته التي لا اعرف حتى اسمها, فاين سيسكن هذا الجد وما العمل الذي سيزاوله ليتكفل مصاريفه وماهي خبراته اصلا التي تؤهله للعمل في مجتمع يفوق كلما تعلمه بحياته في 70 سنة؟ اما فنيا فنحن كبشر عاقل قادرون بتقنياتنا لعام 2016 ان نحيي اي ميت مادامت عظامه معروفه ومدفونة. فداخل العظم هناك حجيرات مغلقة وجدت بها خلايا عظمية سابقا تحمل كل جينات الشخص الجسدية بداخلها. ومع الموت جفت هذه الخلايا وفقدت ماءها لكن باقي مركباتها ظلت كما هي وخاصة الشفرة الجينية في نواة الخلية. ومنذ 30 سنة نحن نملك اجهزة اعادة انتاج ملايين النسخ من اية مادة جينية, فيكفينا خلية جافة واحدة داخل عظم واحد من عظام الميت (حتى قبل مئات السنين) لاعادة انتاج كل جينات هذا الميت باي عدد من النسخ المطلوبة. نضع هذه النسخ داخل نواة, والنواة داخل خلية تكاثرية نزرعها برحم بشري طبيعي او صناعي لنعيد انتاج نفس الميت ولكن الان بنسخة طفولية منه. يتبقى عندنا فقط موضوع الذاكرة. 

– اعادة الذاكرة: يمكن تقسيم البشر بهذا المجال الى مجموعتين. الاولى هي بشر ما بعد عصر الانترنت: وهؤلاء لهم الكثير من الذاكرة والصور المحفوظة سواء بحساباتهم بالفيسبوك او بباقي مواقع التواصل الاجتماعي او بحسابات ابنائهم واحفادهم. فاذا فرضنا اننا قررنا اعادة شخص مات اليوم للحياة, فسيكون بعد 9 اشهر طفلا حديث الولادة تربيه عائلته من جديد حتى يكبر. واثناء ذلك يتم تلقينه عن حياته السابقة مع اطلاعه على الاثار والصور التي تركها بحياته فيسهل عليه مع الزمن تبوأ نفس الدور الذي كان يلعبه. اما الموتى قبل عصر الانترنت فستكون المهمة اصعب معهم. ولكن بكل الاحوال فان الانسان بطبيعته يمكن تربيته وتعليمه لتقليد وتمثيل وتبني شخصية اخرى خاصة اذا كانت هذه الشخصية هي بالاصل نفسه. كما ظهرت في السنتين الاخيرتين شركات تجارية تخزن لك ذاكرتك وصورا دماغية بالاضافة لتخزين عينات بيولوجية منك.

– الجدول الزمني للوصول للخلود: اخذين بالاعتبار كلما سبق ومع استمرار تطور العلم بنفس المعدلات الحالية فالمتوقع ان تكون هناك ثورة صحية كبرى بحدود عام 2025 تقضي على كثير من الامراض الحالية ومسببات الموت, ولكن البشر سيظل يشيخ مع الزمن. بحدود 2035 سنوقف عملية هرم الانسان وشيخوخته فيظل محافظا على عمره ولا تظهر عليه اعراض الكبر مع الزمن. وسيصبح موت الانسان عندها خيارا وليس قدرا (عدى مفاجات الطبيعة). خلال ال 5 الى 10 سنوات بعد ذلك سنتمكن من اعادة الزمن البيولوجي لجسم الانسان الاكبر عمرا الى زمن مرغوب معين ربما بين العشرينات والثلاثينات. في عام 2045 ومابعده سنبدأ بعملية استبدال اجسادنا بالافتار وننتقل تدريجيا من جسمنا العضوي الحالي الى الجسم الصناعي الفائق الوظيفة. سنحافظ على اجسادنا القديمة (الحالية) لفترة مجمدة ومخزونة لحين الحاجة. لكننا سنتخلص منها نهائيا بعد ان نتعود على الجسم الجديد. بمنتصف القرن الحالي سنبدأ تدريجيا باعادة الاموات من درجة القرابة الاولى لنا, والذين هم بدورهم سيعيدون احياء الطبقة التي كانت قبلهم وهكذا. اما التكاثر حينها فسيكون على ثلاثة انواع. بالطريقة البيولوجية الجنسية المعتادة بين ذكر وانثى والتي توارثناها منذ ملايين السنين. او بالتكاثر اللاجنسي على طريقة دوللي, حيث سنتمكن من صناعة نسخ مطابقة لنا cloning وهذه لها عيوبها وايجابياتها. او باحياء الاباء والامهات واخرين وتربيتهم من جديد. في نهاية هذا القرن سنغزو الفضاء للاستقرار والمعيشة الدائمية بكواكب اخرى. وهناك سنبدا عالمنا الجديد كما بدأنا عوالم جديدة سابقا في الامريكتين واستراليا.
– تساؤلات مطروحة: اذا كنتم تستطيعون اعادة انسان ميت للحياة فلماذا لا تصنعون انسانا جديدا اولا ولماذا لا تصنعون ذبابة مثلا؟ والجواب هو ان صناعة انسان جديد بدلا من احياء الموتى له تبعات اخلاقية لاتحصى ولاتعد. فما هو موقع هذا الانسان الجديد المفترض بالمجتمع؟ وهل سيتقبل نفسيا ان لا يكون له عائلة واجداد مثل الاخرين؟ فربما يتحول لوحش مجرم نفقد السيطرة عليه فيقضي علينا. اما صناعة حيوان اخر او ذبابة او اعادة حيوان ميت للحياة, فهذه من قدراتنا الحالية ونطبقها جزئيا في الكثير من الابحاث الجينية سواء في البكتريا او حتى الثدييات. وتحتاج لنفس تقنيات وخبرات اعادة الانسان الميت للحياة. والمجتمع العلمي متخوف جدا من اعلانها صراحة قبل ان يدرس ملف اعادة الاموات تفصيليا حتى لا تثور هجمة كبرى تطالب باعادة فلان او علان قبل غيره للحياة, فهذا يخالف مبدأ المساواة الاخلاقي بين البشر ويستجلب ما لايحمد عقباه ان طبق فرديا او بلا هدف ولا اطار عام متفق عليه.

بالخلاصة: سنقضي على الموت ومسبباته جميعا خلال عقدين فقط من الزمن. وسندخل عندها مرحلة كبرى جديدة في تاريخ الانسان وهي مرحلة الخلود. وحتى وفيات الحوادث سنقضي عليها ونعيد الحياة مباشرة لكل من يموت. وسنبدا باحياء ابائنا واخواننا الميتين سابقا وسنغير اجسادنا الى اجساد صناعية ومتجددة ولاتعرف الموت بمنتصف القرن الحالي. المشكلة الوحيدة امامنا حاليا هي ليست بالاساس تقنية وانما اجتماعية واخلاقية ونحتاج لطرق كل تفاصيلها السلبية والايجابية وغير المعروفة. كما ان تاخرنا بميدان غزو واحتلال الفضاء سيكون عائقا كبيرا امام تطبيق اعادة الاموات للحياة بصورة واسعة. فموارد الارض محدودة وعلينا استغلال كواكب اخرى حتى خارج مجموعتنا الشمسية. املين ان لاتكون هناك حياة ازلية اخرى بالفضاء سبقتنا اليها, وان لانتهور يوما ونعلن حربا نووية على بعض تقضي علينا جميعا, وعلى هذه البذرة الجميلة للحياة والعقل والتطور التي لانعرف غيرها حتى الان بكل الكون.