23 ديسمبر، 2024 3:29 م

التصنع والرياء والغاية ويعقوب

التصنع والرياء والغاية ويعقوب

هناك مثل في لهجتنا الدارجة يقول؛ (الجنة بغير اوادم ماتنراد)، وبهذا إقرار أن الإنسان لايستغني عن أخيه الإنسان وإن لم يكن قد ولدته له أمه، وعادة يسعى الانسان السوي الى رضا الناس عنه، مع علمه ان “رضا الناس غاية لاتدرك”. وقد يسمو الرضا أحيانا فيكون أكثر من غاية لاينقطع السعي فيها عند حد، وغالبا ما تعود جدوى الرضا الى الأطراف جميعها، وعلى العكس من ذلك حين ينعدم الرضا بينهم وتكثر شكوى كل جانب من الآخر، فحينها يحل التنافر والفرقة، وتنشب الخلافات وتزداد الشقاقات. وبتحصيل حاصل فان الرضا عن اي فرد يعود بالنفع للجميع، والسخط على اي فرد يعود بالضرر عليه وحده. ولكي تعم الفائدة وتتسع رقعة الخير، يجب ان ينأى هذا الرضا عن الأنانية وحب الذات وضيق أفق المنفعة، وحصرها بالأنا فقط، وتغليب المآرب الخاصة على العامة، كما هو حال الشاعر حين قال:
فليتـك تحلـو والحيـاة مريـرة
وليتـك ترضـى والأنـام غضـاب
وليـت الذي بيني وبينك عامــر
وبــنـي وبيـن العالمـين خـراب
وياليت شربي من ودادك صافيا
وشـربي من ماء الفرات سـراب
فصاحبنا في هذه الأبيات قد أخذ الوله والتيه منه مأخذا، وصار مرامه إرضاء شخص واحد دون باقي الملأ، وهو بذلك له مأرب دنيوي حصري. وقد تعودنا في مفردات حياتنا اليومية مع معيتنا، ان نتحلى بعبارة؛ (أرجو أن أكون عند حسن ظنك) ولطالما رددناها في حياتنا العملية وفي علاقاتنا الإجتماعية، كونها مفتاحا للنجاح، لاسيما حين تقال لشخص له مكانة في قلوبنا وعقولنا، ولرضاه عنا وقع جميل في نفوسنا، ولسخطه علينا مردود سيئ على حياتنا. وتزداد الحالة خصوصية عندما يكون هذا الشخص ذا شأن عظيم، شخص كان رضا الله عنه وعن والديه من قبل مخطوطا في لوح القرآن، شخص حارب الجور والبغي والاستبداد، وسعى من أجل تحريرنا وعتقنا من قيود التيه والظلم والضلال، بدءًا من ضلال نفوسنا ان زاغت وراغت عن جادة الحق والصواب، وانتهاءً بضلال حكامنا ان فسدوا وأفسدوا بحقنا وحق بلدنا.
هذه الأيام نسعى جميعنا الى نيل رضا شخص اختط لنا -وأولاده- منذ قرون مضت طريقا من دمائهم، للخوض فيه في لج بحر تتصارع فيه أمواج الزيف والمكر والخذلان، طريقا ان سرنا على نهجه ولم نحد عنه، وصلنا بر الأمان في الدنيا والآخرة. شخص لم يكتفِ برضا الله عنه فحسب، بل سعى ان ننعم نحن ايضا برضاه تعالى، فدلنا على سبل مرضاته بجعل أنفسنا نظيفة وخلائقنا شفافة وأخلاقنا حميدة ونوايانا خالصة للخير، باذرين بذور الحب والوئام والصدق مع بعضنا، فان حققنا هذا كله نكون قد حزنا رضاه وفزنا برضا الله، ذاك هو (الحسين بن علي بن أبي طالب) عليه السلام.
ومن المؤكد ان سياسيي بلدنا ومسؤوليه في أول قائمة المحاسبين، ورضا الله ونبيه وآل بيته عنهم مقرون بإخلاصهم وصدقهم بما موكل اليهم من مسؤوليات تجاه رعيتهم، وبإرضائهم بأداء ما منوط بهم من واجبات تجاههم، فهل هم حقا يعملون جاهدين بما يرضي الرعية، كما هم يجهدون أنفسهم في صلاتهم وصيامهم وقيامهم وقعودهم، ودوامهم على إقامة المواكب الحسينية، وأداء طقوس شهر محرم؟.. أم أن هذا كله رياء وتصنع وخداع لغاية في نفس يعقوب!.
[email protected]