18 ديسمبر، 2024 7:58 م

التصحيح اللغوي “جريمة”

التصحيح اللغوي “جريمة”

احاول في كل مناسبة الابتعاد عن “المشاهد الهزلية” لكوميديا العملية السياسية التي نعيش فصولها منذ اكثر من 15 عاما، لكن ما يرتكبه “الجهابذة” واصحاب المناصب الرفيعة يجبرنا على البقاء كجزء من تلك المأساة اليومية، التي سجلت مشهدا جديدا لبيع مدرسة ابتدائية في احدى المناطق الجنوبية من العاصمة بغداد، حيث كان الطلاب والكادر التدريسي لتلك المدرسة على موعد مع اشخاص مجهولي الهوية يطالبونهم بإخلاء المدرسة لكونها بيعت لإحدى الجهات في حادثة تعكس غياب مفهوم الدولة وضياع “هيبة” القانون.
نعم القانون الذي “يُفرض” على “الفقراء من عُبَّاد الله” ويسمح لاصحاب السلطة بتجاوزه بمختلف الوسائل والطرق من اجل تلبية رغباتهم وتحقيق “غايتهم” حتى لو اضطر الامر الى إصدار قرار يحرم “التصحيح اللغوي” واعتقال اي شخص يحاول “انصاف” اللغة العربية وتخليصها من “الجهلة” الذين يقودون الاجهزة الحساسة التي ترسم سياسة الامن الداخلي للبلاد ويصدرون بيانات ودعوات للمواطنين تملؤها “المفخخات اللغوية” فبدلا من البحث عن اسباب تلك الاخطاء ومعاقبة المقصر، تعتقل قوة امنية الصحفي حسام الكعبي لانه “اكتشف” خطا إملائياً في رسالة نصية روج لها جهاز الامن الوطني عبر شبكات الاتصال تتحدث عن مخاطر الدگة العشائرية، وكتب على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) معاتبا “القائمين” على هذا الجهاز الامني الحساس الذي يقوده الجنرال فالح الفياض، “بان الظاهرة تكتب هكذا وليس بالضاد”، فكان مصيره الاعتقال بدون أوامر قضائية او تهمة جنائية سوى “تصحيح خطا لغوي”.
الغريب بان جهاز الامن الوطني في محافظة النجف حدد بعناية كبيرة توقيت اعتقال الكعبي، حينما اختار مساء يوم الخميس بعد انتهاء الدوام الرسمي لقاضي الخفر ليتمكن من احتجازه لمدة يومين حتى بداية الدوام صباح يوم الاحد، وهو اُسلوب “استباقي” غاب عن اجندة الجهاز الحساس خلال السنوات السابقة حينما كانت التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة تدخل المدن وتحولها الى مناطق منكوبة تدفن تحت انقاض بناياتها واسواقها مئات الجثامين لمواطنين ابرياء لاذنب لهم سوى “الثقة” بالعملية السياسية، لكن جهاز الامني الوطني قد يكون تناسى مهامه التي تشكل من اجلها واصبح مختصا في “سياسة تكميم الأفواه” وممارسة دور الرقيب لمنع حرية التعبير والانتقاد الذي يصحح الأخطاء.
صحيح ان حسام الكعبي اطلق سراحه وأغلقت قضيته بقرار من مستشار الامن الوطني فالح الفياض، لكنها اثارت الكثير من التساؤلات عن استخدام القانون وجعله وسيلة لتلبية رغبات شخصية وفق قرارات “مزاجية” لانها صدرت بقرار من الفياض من دون امر قضائي او حتى محضر تحقيق او كفالة على اقل تقدير، وهي قد تكون رسالة واضحة مفادها تجريم المواطنين لا يحتاج سوى تصحيح “يزعج” اصحاب السيادة الذين يعاملون الناس كعبيد يتحكمون بمصائرهم وفق القوانين التي يختارونها وتكون مناسبة “لبقائهم في السلطة”، والدليل على ذلك المادة القانونية التي اعتقل على اساسها الكعبي والعشرات من الصحفيين وزملاء المهنة خلال السنوات السابقة ورثناها من قانون العقوبات الذي وضعه النظام السابق في العام 1969 والذي سمح “بخنق حرية التعبير” بعنوان القذف والتشهير، في حين يصر “ساسة الصدفة” على التمسك بها لكونها تحافظ على كراسيهم التي وصلوا اليها تحت عباءة الديمقراطية.
لا تستغربوا ياسادة.. حينما تتمسك جهات سياسية واقليمية بطرح الجنرال الفياض كمرشح لوزارة الداخلية بعد الانجازات التي حققها في المناصب الامنية التي يديرها وإيجاد الطرق البديلة لكشف “المجرمين” ومطاردة المتسببين بإشاعة “التمرد” على السلطة التي اضاعت “مفهوم” الدولة وسمحت باختراق سيادتها، كما ابلغنا السيد عمار الحكيم خلال التجمع الذي اقامه تيار الحكمة وسط بغداد لاحياء ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الحكيم، بان “الدولة الفاشلة هي التي لا تحصر السلاح بيدها وتعجز عن توفير الخدمات للمواطنين وحفظ كرامتهم وسيادة وطنهم”، لكن السيد عمار تناسى ان يخبرنا من هو السبب بنقص الخدمات وضياع كرامة المواطن وجعل سيادة البلاد حلم يصعب تحقيقه.
الخلاصة… ان انتقاد الإجراءات التي تتخذها بعض الاجهزة الامنية لا تعني “نسف” التضحيات التي قدمت على مذبح حرب التحرير ضد تنظيم (داعش)، لكن تشخيص الأخطاء ممكن ان يحافظ على تلك الصورة التي رسمتها بنادق الابطال ويمنع اصحاب المنافع الشخصية من التحكم برقاب “عُبَّاد الله”،، اخيرا … السؤال الذي لابد منه،، متى يفرج عن حرية التعبير؟.