تعد معالجة الأخطاء احد ابرز المعارك التي يخوضها الانسان مع ذاته متسلحا بما يملكه من خزين قيمي سواء على المستوى الأخلاقي او التربوي، إضافة الى توفر خصائص تتعلق بكاريزما الانسان المعني نفسه.
المعالجة التصحيحية للافعال الإنسانية، سواء تلك الناجمة عن الذات او من خلال تأثيرات خارجية عبر المحيط الاجتماعي، تتطلب بحسب خبراء علم الاجتماع الى عوامل إنسانية تارة، وتارة اخرى فلسفية تخضع بدورها الى متطلبات لا بد من توفرها لدى الشخص المعني لينجح بدوره في القيام بهذا الدور التصحيحي لشخصه الذي يعرف بالمعالجة التصحيحية الذاتية .
ان العوامل سابقة الذكر التي تحدثنا عنها لا تأتي بطبيعة الحال عبر الاكتساب المعلوماتي، غير انها تأتي من خلال القدرات الذاتية للإنسان، أي بمعنى ان العوامل الإنسانية هي تلك المتعلقة بطبيعة البنية الأخلاقية والتربوية لدى أي انسان التي ترسخت بشخصيته عبر عقود طويلة من الزمن وبنيت عبر محيطه البيئي او الاسري او التعليمي الى اخره، اما العوامل الفلسفية فهي تلك التي تتعلق بقدرة طاقات الذات العليا للإنسان بتحمل الضغوط الخارجية والتصدي لها ثم قهرها والتغلب عليها، وهذا لا يأتي الا بتوفر مواصفات عالية للإنسان خلقت معه منذ ولادته، وهذه إرادة الله فهو يعطي نعمه من يشاء بغير حساب، وهو جل وعلا يوزع نعمه الإنسانية بموجب معرفته بطبيعة المخلوق وقدرته على استخدام هذه النعم بالإيجاب او السلب، ونحن لأمره تعالى مسلمين وغير معارضين ، انما ذكرنا ما ذكرناه للتوضيح لا للشرح اكثر في هذا المجال .
السؤال الذي يتبادر للقارئ الكريم، كيف لنا معرفة حجم طاقاتنا الذاتية وما اذا كانت قادرة على القيام بهذه المهمة التصحيحية ام لا ؟
الجواب سنحاول ان نوضحه بأبسط الكلمات وايسرها، حيث ان معرفة القدرات الشخصية سيكون من خلال تصرفاتنا وافعالنا ونسبة تنفيذنا للقرارات الصادرة من العقل الذي لا ينطق الا الصواب، غير ان هذا الصواب يمر بعد الإصدار بسلسلة مؤثرات عاطفية او نفسية او خارجية تجعل التنفيذ صعبا تارة، او نرى انفسنا عاجزين أحيانا عن هذا التنفيذ من دون ان نعرف الأسباب ، هنا يمكن لنا التعرف على مكامن قدراتنا .. وبعد التعرف على تلك القدرات هنا سيتبادر الى الاذهان سؤال اخر،ألا وهو كيف يمكن ان نسيطر على تلك الطاقات او نطورها بالشكل الذي يجعل منا مسيطرين على ايقاعاتها ضمن مصالحنا الإنسانية؟.
سيكون الجواب بسيطا أيضا وهو انه يمكن بالفعل لأي منا السيطرة على نسبة عالية وهي تلك المتعلقة بطبيعة بناء الشخصية عبر التأثيرات الخارجية التي اشرنا اليها في مقدمتنا، اما تلك المتعلقة بالصفات الخاصة الموهوبة لنا عبر الخالق تباركت قدراته فيكون مستوى التحكم بها محدودا الى حد كبير نوعا ما .
برغم ذلك ان نسبة القدرات التي انصهرت لدينا بعد ولادتنا وخلال سنوات طويلة تمثل السواد الأعظم للقدرة الإنسانية في العموم، وبالتالي فأن السيطرة عليها من شأنهاإحداث انقلاب كبير في شخصيتنا، وحتى لا نذهب بعيدا عن محور الموضوع، فأن مفتاح السيطرة على الطاقات وتسييرها بالشكل الذي يجعل منا قادرين على تصحيح اخطائنا وتجاوزها ثم التغلب عليها نهائيا، يأتي بتمرين العقل ومعالجة مرض الجهل الذي يصيبه بأشكال وصور عدة، وتنويره بالعلوم الإنسانية والاجتماعية والفلسفية التي ستكون بداية لانفتاح تام على العلوم جمعاء، أي بمعنى امتلاك العلم الحقيقي وليس ما تريد الجماعات المهيمنة على العالم ترسيخه لدينا ، فالتعرف على هذا العلم ثم التعايش معه سيجعل منك كائنا محلقا في سماء دنيا ارادك الرحمن فيها ملاكا شامخا سيدا خليفة على ارضه لتعمّرها وتبنيها مباهيا بك الخلق اجمعين، ان الاطلاع على العلوم الحقيقية لا يستوجب شهادات عليا ودراسات فوق مستوى الاستطاعة، بل هو متاح حتى للعامل البسيط والفلاح المجاهد في ارضه، بل حتى لدى بعض من يسمونهم بالأميين الذين لا يقرأون او يكتبون، اتعرف عزيزي القارئ لماذا لانه مخلوق مع الانسان ومترسخ في اعماقه الروحية، فهو ينتظر إيقاظه من سبات ادخلناه به بسبب تلك التأثيرات الخارجية ، سبات حوّل حياتنا الى حالة فراغ دنيوي كبير لم يرد الله تعالى ان نكون عليها يوما.
نحن لا نهدف الى تصعيب المهمة، لكننا تعودنا ان نكون صريحين مع انفسنا وقرائنا، فتغيير الذات والتحكم بشخصياتنا يتطلب جهدا تطهيريا للنفس لا يأتي الا عبر استنهاض سماتنا التي انعم الله تعالى بها علينا وليس بالتمني والاحلام ، بل ان الدعاء بذاته لا يمكن ان يستجاب في حال جلس الانسان خائبا كسولا لا حول له ولا قوة،لأن الله خلق لكل شيء سببا فإتبع سببا،أليست هذه هي المدرسة القرآنية التي تعد أساسا لثقافتنا الدنيوية ؟.
على أي حال فالمعرفة أساس التقرب لله واساس التحكم بالذات واساس استنهاض الطاقات التي من شأنها تحريرنا من الذنوب وعدم ارتكاب الأخطاء او تقليلها، ثم الرقي الى اعلى ما يمكن في مجال النهضة الإنسانية سواء بالذات او المجتمع المحيط.