التشيّع بريء من المازوخية: قراءة عقلانية في الفهم والممارسة

التشيّع بريء من المازوخية: قراءة عقلانية في الفهم والممارسة

كثيرًا ما يُساء فهم بعض الشعائر والممارسات الدينية ضمن المذهب الشيعي، فيُطلق عليها وصف “المازوخية” – في إشارة إلى تعذيب الذات أو التلذذ بالألم. لكن، هل يصح هذا الربط؟ وهل بالفعل التشيع يكرّس ثقافة الألم لأجل الألم؟ أم أن الصورة أعقد من ذلك وأعمق بكثير؟
في هذا المقال ، نحاول أن نُعيد قراءة هذا التصوّر بعين عقلانية، دون تحامل أو تبرير، وإنما بفهم سياق الفكرة وروحها.
أولاً: ما هي المازوخية؟
المازوخية مصطلح نفسي يشير إلى التلذذ بالألم الجسدي أو النفسي، وهو سلوك مرضي في الأصل، ينبع من اضطراب داخلي أو خلل في التوازن النفسي.
ثانيًا: ماذا عن الشعائر الحسينية؟
في عاشوراء، يُحيي الشيعة ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) عبر طقوس متعددة، منها البكاء، الندب، أحيانًا التطبير أو اللطم. لكن هذه الطقوس ليست ناتجة عن رغبة في الألم أو حبّ للعذاب، بل هي تعبير رمزي عن الحزن، والولاء، والتماهي مع مظلومية الإمام.
ثالثًا: التشيع حركة وعي لا ثقافة ألم
التشيع، في جوهره، ليس مذهبًا قائمًا على الحزن، بل على العدالة، والاحتجاج على الظلم، وإحياء الكرامة الإنسانية. فالحسين لم يخرج ليموت، بل خرج ليُحيي أمة، ويقول “لا” في وجه الاستبداد. إذًا، لا يصح اختزال هذا المسار الإصلاحي العظيم في صورة سطحية من الألم الجسدي.
رابعًا: الشعائر… بين الرمز والمبالغة
لا يمكن إنكار أن بعض الممارسات دخلتها المبالغات أو التفسيرات الخاطئة، وقد حذّر منها العديد من علماء الشيعة أنفسهم. لكن الخطأ في الممارسة لا يعني فساد الفكرة، كما أن وجود انحرافات لا يلغي نقاء المنبع.
إن التشيّع ليس دعوة للانكسار، بل مقاومة للانكسار. ليس حبًّا للألم، بل تضامنًا مع مظلومية نبيلة. والفرق شاسع بين من يعيش الألم كرسالة ورفض، ومن يتلذذ به كغاية.
فلنكن عقلانيين… ولنفرّق بين الرمز والمعنى، وبين المرض والرسالة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات