تشكل الوزارات في كل حكومات العالم_ وعلى تنوع واختلاف وتعدد أتجاهاتها ومتبنياتها وايديولوجيات ومسميات الأحزاب والكتل المكلفة بتشكيلها_ خلية عمل متجانس مترابط يبدأ متخصصاً محدد الصلاحيات وفق برنامج متفق عليه وخطط مرسومة، وينتهي الى نتيجة واحدة وهدف مشخص الا وهي بناء نظام وطني قوي متماسك يحرص على تقديم أفضل الخدمات لجماهيره ويسهر على رفع مستواها المعيشي وأحلال الأمن والرخاء بعد حل الأزمات وأزاحة المعوقات، كما يسعى جاهداً للنهوض بمقومات الدولة المتحضرة سياسياً وأقتصادياً وأجتماعياً في كل مفاصلها وعلى كافة المستويات الداخلية والخارجية والتي بدورها تعزز مكانة الدولة في المنظومة العالمية وترفع مكانة البلاد وشعبها الى المصاف اللائق بين الأمم وترفع ثقة الجماهير بالحزب أو الكتلة القائمة على تشكيل تلك الحكومة.
للوهلة الأولى_ وبفعل النشاط التخصصي الطاغي على عمل كل وزارة_ تبدو الوزارات وكأنها مستقلة أستقلالاً تاماً عن بعضها ولا ترتبط أي وزارة بوزارة أخرى لا من بعيد ولا من قريب. والى حد ما يكون هذا التصور صحيحاً، ولكن في مجال التخصص فقط لا غير.
فتشكيلة الحكومة_ التشكيلة الوزارية_ لاتختلف عن تشكيلة أية فرقة عسكرية فقد يؤدي(الضعف والخلل في أحد أجنحتها الى فشل كامل في أداء تلك الفرقة حتى وأن كانت تحت قيادة(رومل أو نابليون أو مونتغمري)!.
كما أنها لاتختلف عن تشكيلة أي فريق رياضي فالضعف في أي خط من خطوطه أو النقص في عدد أفراده لابد أن ينتهي به الى الهزيمة المنكرة مع وجود(بيليه واوزبيو وياشين ،ومردونا وميسي ) في صفوفه. كذلك فسيظهر اللحن مرتبكاً ويصدح العزف نشازاً عند غياب عازف ماهر أو عند وجود آلة رديئة حتى وأن كانت الأوركسترا ماسية.. حتى وأن كانت بقيادة(بتهوفن أو موزارت أو شتراوس) مع الأخذ بنظر الأعتبار أن تشكيلة الحكومة أدق وأحس وأخطر بكثير من الأمثلة التي سقناها وأستشهدنا بها آنفاً! وعلى ذكر الأستشهاد بهذه الأمثلة فقد تحاشينا ذكر الرموز العربية خوف المحاصصة أو أن نتهم بالتحيز وألا فالساحة العربية تضئ برموز وطنية من سياسيين وأقتصاديين وعلماء وقادة جيوش وأدباء وفنانين ورياضيين ملؤا الدنيا وشغلوا الناس أزمنة ودهوراً وعصوراً وحقباً.
وعود على بدء فالوزارات العراقية مدار البحث ومثار الجدل ومربط الفرس_ وكما يبدو_ أريد لها غير ذلك وأن كانت لاتخرج عن الأطر المتعارف عليها شاء المريدون أم أبو!.
وحتى لانعود الى الوراء ولكي لانقع في فخ الأجترار ونصبح أسرى حالتين:
* الحنين الى الماضي.. أذا فاخرتهم ذكروا الجدودا
* القاء الفشل والخيبة على سلبيات وتراكمات الماضي
فلنركز أذن على وزارات عملية التغيير… وزارات المرحلة الأصعب في تأريخ الوزارات العراقية المعاصرة.
فبدءاً بالوزارة التي شكلها مجلس الحكم وترأسها الدكتور أياد علاوي ومروراً بالوزارات التي تشكلت على ضوء نتائج الأنتخابات ورأسها الدكتور أبراهيم الجعفري وأنتهاءً بالوزارتين اللتين تشكلتا برئاسة السيد نوري المالكي، في كل تلك التشكيلات وخلال اربع سنوات ونيف من الشهور لكل تشكيلة لم نشهد غير التراخي في الأداء، والتهاون في التنفيذ، وشيوع ظواهر الفساد الأداري والمالي، والضعف والتفكك في مفاصل المؤسسات والمديريات والهيئات المنبثقة عن تلك الوزارات ،والفشل المتكرر في رسم الخطط ووضع البرامج ،وتنفيذ المشاريع. ناهيك عن تفشي حالة التنافر والتباغض وتقصي العثرات بين مسؤولي وملاكات تلك الوزارات، وابتعادهم عن روح العمل الجماعي والخلية الواحدة ،والتي تحتمها حراجة المرحلة، وتتطلب أعتمادها حالة الفراغ والفوضى، وأنعدام الخدمات ،التي أفرزتها عملية أسقاط السلطة السابقة وما تبعها من تداعيات وتراكمات ومخلفات!.
ومع كثرة وتعدد الوزارات ظلت العملية السياسية تراوح مكانها وازداد تردي الأوضاع سوءاً وتدهوراً وعلى كل المحاور خاصة الأمنية والخدمية، حتى بدا وكأن الجميع يعملون تحت شعار:( كل يخرب من موقعه)!.
وبدلاً عن معالجة العجز بتكثيف وتفعيل عمل الوزارات، وشحذ همم ملاكاتها وتعاون مؤسساتها، شرعت أكثر من كتلة بسحب وزرائها من التشكيلة الحكومية لتحدث فراغاً هائلاً ونقصاً يضيف لمشاكل الحكومة أزمات وأزمات، ويزيدها عجزاً وأعباءً ثقيلة!.
والغريب في الموضوع سكوت المسؤولين في رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان ،وتماهلهم في سد الفراغ وأشغال الوزارات الشاغرة التي بلغت ست عشرة وزارة في بعض الاحيان ،وترددهم طيلة كل هذه الشهور الأمر الذي أدى الى تفاقم الأزمات واستعصائها على الحلول مع وجود وتوفر أكثر من بديل سواء على مقاسات ومشروطية المحاصصة ،أو حسب ضوابط التكنوقراط المستقلين!.
يبدو أننا لازلنا أسرى عقد التسلط وتراكمات الحقب السود برغم جسامة التضحيات التي أفترشت خارطة العراق، وبرغم غصص المعاناة الأزلية وصبر العراقيين الخرافي والا ماالبدعة في حجب الثقة عن حكومة، وما الضير في أستبدال المراكز الوزارية؟! كل حكومات العالم تمارس عملها الدوري وفق هذه الصيغ، ما الذي يجعلنا نتردد في فعل ممارسة مشروعة وكأننا مقدمون على فضيحة؟! وما الغضاضة في قبول الوزير( السيادي) لوزارة لاتقل أهمية عن وزارته السابقة؟!
هذا تأريخ الوزارات العراقية أبان الحكم الملكي الم تحجب الثقة عن وزارات خلال ستة أشهر أو ثلاثة؟!
الم يشغل نوري السعيد وفاضل الجمالي وغيرهم منصب رئاسة الوزراء في تشكيلة ثم شغلوا منصب وزير خارجية أو دفاع أو داخلية في تشكيلة أخرى؟! وكذلك فعل الكثيرون.
كان المؤمل والمرجو والجدير بالتشكيلة الوزارية الأخيرة أن تستفيد من أخطاء سابقاتها مثلما كان المفروض بالمسيرة الجديدة أن تزداد تجارباً وعبراً وخبرة متراكمة بعد مضي أكثر من عشر سنوات من عمرها المتسارع والتي حفلت بالكثير من المتغيرات والتطورات والارهاصات والتقلبات والايجابيات المحلية والأقليمية والدولية لكن البرهان يشير الى غير ذلك!. الامل معقود على تشكيلة الوزارة الجديدة ( الخامسة ) عسى ان يخلص المعنيون النوايا المقرونة بالعمل الجاد لانقاذ ما يمكن انقاذه بعد مرور اكثر من عشر سنوات طفحت بالانهيار الامني ،والخراب،والتهجير، والمزيد من الضحايا الابرياء، وتراجع الاقتصاد ،وبؤس الخدمات . بعض التسريبات تشير الى عودة بعض شركاء العملية السياسية الى نغمة وضع الشروط واسلوب الاملاءات والتهديد بعدم المشاركة في الحكومة الجديدة،حتى ان الاخوة الكورد قدموا تسعة عشر مطلبا جديدا ،فيما قدمت الكتلة السنية سبعة عشر مطلبا ، بعض هذه المطالب تعجيزية ،ومعظمها تحتاج الى تغيير فقرات دستورية،واقرار تشريعات قانونية تستلزم توافقات وحوارات وجلسات برلمانية تمتد شهورا بل ربما سنينا ما يزيد الاعباء في تشكيل الحكومة الجديدة .وكان الاجدر بتلك الاطراف تأجيل مطالبها وخاصة التعجيزية منها الى وقت اخر ريثما تشكل الحكومة وتستقر الاوضاع السياسية والامنية خاصة وان البلاد في حالة حرب ضروس مع الارهاب المتعدد الجبهات .والحكومة الجديدة امام تحديات صعبة والبرلمان تنتظره مهام جسيمة لمناقشة قوانين وتشريعات مؤجلة في مقدمتها اقرار الموازنة ،وقوانين النفط والغاز ،والغاء مئات القوانين العائدة للسلطة السابقة وغير ذلك .لكن الاخوة اصحاب المطالب – وعلى ما يبدو – يريدون استغلال الظرف الحرج كونه الانسب لتحقيق مطالبهم التعجيزية حسب تصورهم. حجة تلك الاطراف ان قواعدهم الجماهيرية تلح على تحقيق هذه المطالب ومن دونها لا يتحقق الاستقرار ،حتى وان كانت تلك المطالب غير معقولة ولا مقبولة وتتقاطع مع حقوق الشريحة الواسعة من مكونات العراق .المفارقة الكبرى ان التحالف الوطني الحائز على اكثر من ثلثي المقاعد النيابية لم يفرض ولو شرطا واحدا بسيطا على الآخرين !.