20 فبراير، 2025 4:19 ص

“التشظي في الأحزاب الثورية: لماذا تفشل الحركات الثورية في الحفاظ على وحدتها؟”

“التشظي في الأحزاب الثورية: لماذا تفشل الحركات الثورية في الحفاظ على وحدتها؟”

تتعرض الأحزاب الثورية، بطبيعتها، لمخاطر التشظي والانقسامات الداخلية، سواء بسبب صراعات القيادة، أو الخلافات الأيديولوجية، أو التدخلات الخارجية. وقد شهد التاريخ العديد من الأمثلة لأحزاب ثورية بدأت بقوة ثم تعرضت لانقسامات حادة أدت إلى إضعافها أو زوالها. في هذا المقال، نستعرض الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تشظي الأحزاب الثورية، مدعمة بأمثلة تاريخية.

غالبًا ما تنشأ الأحزاب الثورية نتيجة رفضها للأوضاع القائمة وسعيها لإحداث تغيير جذري، ولكن هذا لا يعني أن جميع أعضائها يتبنون نفس الرؤية أو يتفقون على وسائل تحقيق الأهداف. مع مرور الوقت، تظهر تباينات في الأفكار بين التيارات الأكثر تطرفًا والتيارات المعتدلة، مما يؤدي إلى حدوث انقسامات داخلية.

ومن الأمثلة التاريخية مثلا ما  اصاب الثورة الروسية والحزب البلشفي: انقسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي عام 1903 إلى جناحين رئيسيين: البلاشفةبقيادة فلاديمير لينين، والمناشفة بقيادة يوليوس مارتوف.** نشأ الخلاف بسبب تباين الرؤى حول طبيعة الحزب، حيث أراد لينين حزبًا مركزيًا ومنضبطًا، بينما دافع المناشفة عن بنية أكثر انفتاحًا. أدى هذا الانقسام لاحقًا إلى تفوق البلاشفة والسيطرة على الثورة البلشفية عام 1917، في حين تلاشى دور المناشفةتدريجيًا. وكذلك الثورة الصينية والحزب الشيوعي الصيني: في ثلاثينيات القرن العشرين، شهد الحزب الشيوعي الصيني انقسامًا داخليًا بين الماويين (أتباع ماو تسي تونغ) الذين ركزوا على الثورة الزراعية، والمجموعات التي دعمت النموذج السوفييتي الأكثر تركيزًا على الطبقة العاملة في المدن. في النهاية، انتصر خط ماو، لكن الحزب كان على وشك التشظي عدة مرات قبل أن يحقق انتصاره النهائي عام 1949.

تؤدي الخلافات الشخصية والطموحات السياسية إلى نزاعات داخل الأحزاب الثورية، خصوصًا عندما لا يكون هناك آلية واضحة لانتقال القيادة. مع غياب التوافق، تبرز انشقاقات داخلية قد تؤدي إلى تشكيل أحزاب جديدة. مثل ما حصل مع حركة فتح والانشقاقات الفلسطينية: خلال السبعينيات والثمانينيات، شهدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عدة انشقاقات نتيجة خلافات بين قيادتها. من أبرز هذه الانشقاقات، انشقاق “فتح الانتفاضة” عام 1983 بسبب خلافات حول الموقف من القيادة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات. أدى هذا التشظي إلى إضعاف الفصائل الثورية الفلسطينية وإلى صراعات داخلية أثرت على القضية الفلسطينية. وما اصاب الحزب الشيوعي السوفييتي بعد وفاة لينين: بعد وفاة فلاديمير لينين عام 1924، احتدم الصراع على القيادة بين جوزيف ستالين وليون تروتسكي. انتهى الصراع بانتصار ستالين ونفي تروتسكي، لكن الانقسامات الداخلية استمرت، خصوصًا خلال “التطهير العظيم” الذي شهد تصفية العديد من قادة الحزب.

تعمد الأنظمة السياسية القائمة والقوى الخارجية إلى تفكيك الأحزاب الثورية عبر اختراقها أمنيًا، أو تقديم الدعم لمعارضيها، أو حتى استهداف قادتها بشكل مباشر.

كما  حالة التفكيك التي اصابة  الحزب الشيوعي الإندونيسي (PKI): كان الحزب الشيوعي الإندونيسي أحد أكبر الأحزاب الثورية في العالم حتى عام 1965، عندما تعرض لحملة قمع واسعة قادها النظام العسكري بقيادة سوهارتو. أُعدم مئات الآلاف من أعضائه وتم تفكيكه بالكامل بسبب الضغوط الداخلية والخارجية. وكذلك الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر: بعد أن فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالانتخابات في الجزائر عام 1991، تدخل الجيش وألغى نتائج الانتخابات، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية الجزائرية (العشرية السوداء). انقسمت الجبهة لاحقًا إلى عدة تيارات، منها من اختار العمل السلمي، ومنها من انخرط في الكفاح المسلح مثل الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA)، مما أدى إلى إضعاف الحركة الثورية. غالبًا ما تنشأ صراعات داخل الأحزاب الثورية حول كيفية التعامل مع السلطة، خصوصًا بعد تحقيق بعض المكاسب السياسية. البعض يرى ضرورة الانخراط في العملية السياسية، بينما يفضل آخرون الاستمرار في النهج الثوري.  ما حصل لحركة الإخوان المسلمين في مصر: بعد ثورة 2011، واجهت جماعة الإخوان المسلمين صراعًا داخليًا بين من رأى ضرورة الدخول في العملية السياسية عبر الانتخابات، ومن حذر من مخاطر ذلك. تفاقمت الخلافات بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي عام 2013، مما أدى إلى انشقاقات داخل الجماعة وظهور تيارات أكثر راديكالية. وهذا ما حصل مع الثورة الإيرانية 1979: بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران، ظهرت خلافات بين الإسلاميين بقيادة الخميني، وبين التيارات اليسارية والعلمانية التي شاركت في الثورة. أدى هذا الصراع إلى قمع الأحزاب اليسارية مثل منظمة مجاهدي خلق، ما أدى إلى إقصاء جميع التيارات غير الإسلامية من السلطة.

بعد تحقيق النجاح الأولي، تعاني العديد من الأحزاب الثورية من صعوبة في الاتفاق على المسار المستقبلي، مما يؤدي إلى انقسامات داخلية بين من يريدون الإصلاح التدريجي، ومن يتمسكون بالأفكار الراديكالية.

على سبيل المثال الثورة الفرنسية (1789-1799): بدأ الثوار الفرنسيون كجبهة موحدة ضد النظام الملكي، لكن سرعان ما انقسموا إلى عدة تيارات، مثل الجيروندين المعتدلين، واليَعاقِبالراديكاليين بقيادة روبسبير. انتهى الأمر بإعدام روبسبير نفسه وظهور ديكتاتورية نابليون بونابرت.  ونفس الامر حصل مع الثورة الليبية 2011: بعد سقوط نظام القذافي، لم تتفق الفصائل الثورية المختلفة على نموذج حكم موحد، مما أدى إلى حرب أهلية بين الجماعات المسلحة والسياسية، وتحول البلاد إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية.

على الرغم من أن التشظي يبدو أمرًا متكررًا في الأحزاب الثورية، إلا أن هناك استراتيجيات يمكن أن تقلل من مخاطره، مثل:

من خلال بناء هيكل تنظيمي قوي يمنع النزاعات الشخصية من تقويض الحزب. فضلا عن  العمل على تطوير آلية ديمقراطية لاتخاذ القرارات وتداول القيادة.مع تحديد رؤية واضحة للمستقبل والاستعداد للتكيف مع المتغيرات.  والعمل على  إدارة الخلافات الأيديولوجية بحكمة دون اللجوء إلى الإقصاء أو العنف الداخلي.الأحزاب الثورية التي تتمكن من تجاوز هذه العقبات تستطيع البقاء والاستمرار في تحقيق أهدافها، بينما تلك التي تفشل في التعامل مع هذه المشكلات غالبًا ما تنتهي إلى الانقسام والضعف.

أحدث المقالات

أحدث المقالات