23 ديسمبر، 2024 4:52 م

التشريع الإسلامي عدل إلهي

التشريع الإسلامي عدل إلهي

لا شك أن التشريع الإسلاميّ لم يترك واقعة بدون أن يحدد حكمها الشرعي، وينبغي لنا معرفة أشياء مهمة عن التشريع الإسلامي قد تساهم في التقليل من الغفلة التي يعيشها الناس عن شريعتهم الإلهيَّة الحقَّة العادلة.
فالتشريع الإسلامي يُمثل العدل الإلهي، فالعدل هو وضع الشيء في موضعه المناسب له، وإلا كان ظلما، فالعدل مرتبط بالعلم وكلما كان العلم عظيماً كان العدل دقيقاً.
فلا عدل بلا علم، وان العمل بدون علم يكون غالباً – إن لم يكن دائماً- ظلماً وجوراً.
والعلم يعتمد على درجة الإدراك، ولذلك نجد أنَّ الإنسان مهما أوتي من علم يبقى جاهلاً، فنلاحظ أنَّ مقدار ما يجهله الإنسان أكثر بكثير مما قد عَلِمَه وأدركه، وحتى العلم الذي أدركه الإنسان، فهو يُمثل بعض الجهات، وتبقى جهات كثيرة مجهولة، إن لم تكن مستحيلة الإحاطة. (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً). ونحن بعد أن عرفنا دور العلم في تحقيق العدل وتطبيقه، يتضح لنا أنَّ الله سبحانه وتعالى هو العالم بكل شيء وفي كل شيء وليس غيره من مخلوقاته، فعلمه أزليّ وابديّ وعلمه مطلق ومن كل الجهات لأنه خالق كل شيء.
والتشريع يُمثل العدل الإلهي لأنه من جهة كونه وضع الشيء في موضعه المناسب لان الله خلق الأشياء فهو عالم بها، ومن جهة إنَّ الله لم يجعل التشريع جزافاً، بل جعله وفقاً للمصالح والمفاسد الواقعيَّة، فالإنسان مهما كانت قدرة إدراكه العقليَّة فهو لا يستطيع إدراك كل المصالح والمفاسد على حقيقتها وواقعها فهو يدرك ظاهرها وليس باطنها.
والتشريع يُمثل فروع الدين، أي انه يرتكز على العقيدة، فبعد أن آمنّا بالله رباً وخالقاً ورازقاً وآمراً وناهياً، أي إنَّه أهل للطاعة والامتثال، فعقيدتنا تدعونا وتلزمنا بان نمتثل لكل أمر ونهي يصدر منه، ولا ينبغي لنا أن نناقش، لأن المناقشة في فروع الدين والشريعة تمثل التناقض مع العقيدة، بل إنَّها تستلزم عدم الإيمان وإلا لو كان هناك إيمان واعتقاد لم تكن هذه المناقشة في الأوامر والنواهي شيئاً منطقياً ومقبولاً.
ولمزيد من التوضيح فانك حينما تناقش وتعترض على تشريع حرمة الغناء ماذا يعني هذا؟
أنه يعني الاعتراض على الله سبحانه وتعالى وكأنك تقول له إنني لا أومن بك، والعياذ بالله.
فلو كنت فعلاً قد آمنت به عن قناعة ويقين فقد آمنت أولاً بعلمه، وثانياً بعدله وحكمته، فالله سبحانه وتعالى لا يصدر أمراً ولا نهياً عن ظلم وجهل، لأنه سبحانه لا ظلم في ساحته فهو العدل المطلق الكامل وهو العلم المطلق الذي لا يشوبه شك ولا جهل.
فينبغي أن تراجع نفسك وتلتفت إلى هذا الأمر، فنحن نعلم علم اليقين بأن حكم حرمة الغناء أداءً واستماعاً فيه مفسدة لا يريدها الله لنا، بل ويبغضها لا أن المفسدة تضرّه لأنه هو القويّ القادر القاهر، وسواء أدركنا هذه المفسدة أم لم ندركها فعلم الله جلَّ وعلا فوق مستوى علمنا وإدراكنا، وما دام النهي قد صدر وثبت علينا، فلا ينبغي الاعتراض والنقاش لأن ذلك يتم لو كان الآمر والناهي ظالماً جاهلاً، ولذلك استلزم الاعتراض والنقاش للتشريع من العبد كفراً بالعقيدة، لأننا لا نؤمن بظلم الخالق ولا بجهله بل لا طاعة للظالم ولا طاعة للجاهل.
فان الشريعة جاءت من أجل خيرنا لا شرنا، ومن أجل تكاملنا لا تسافلنا، وجاءت من أجل أن تخرجنا من الظلمات إلى أنوار الهداية، بل إنَّ الشريعة تُمثل الوسيلة من أجل الوصول للهدف المنشود من خلق الخليقة، لا إنَّنا نكون ضد ذلك الهدف المقدَّس، وينبغي لنا الامتثال لكل تشريع إلهيّ، وعلى أقل تقدير أن نلتزم بالواجبات ونتجنب المحرَّمات. ومن هنا ينفتح باب الخيرات، فالشريعة الظاهريَّة هي بوابة للوصول وبلوغ درجات التكامل كل بحسب إخلاصه وإيمانه.