جرب الشعب العراقي حالة الصراع، واستخدام القوة والاستقواء بين مكوناته، طيلة السنوات الماضية، فلم يحصد سوى مزيد من سيل الدماء وفقدان الخدمات، حتى وصل الحال بابناء المحافظات السنية التي كان اغلبها مأوى للارهاب، الى النزوح والبحث عن مأوى امن، بسبب ممارسات وارهاب داعش، ليجدوا ملاذهم الامن لدى ابناء وطنهم واخوانهم في وسط وجنوب وشمال العراق، بعد ان تركهم من ادعى الدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم الى اربيل او تركيا والاردن، ليترك اطفال ونساء تلك المحافظات تحت رحمة مجاميع عاثت بتلك المحافظات فساد، واعتدت على الاعراض والاموال وقامت بعمليات سبي وقتل لم يشهد لها التاريخ مثيل، ليتضح لابناء السنة زيف وكذب شعار الدفاع عن السنة من بعض شيوخ العشائر ورجال الدين الذي طبلوا وهللوا لداعش.
اتضحت الصورة امام الكرد ايضا، عندما تصورت بعض قياداتهم ان وعود دول الجوار بالمساعدة، يمكن ان تكون مصدر قوة لهم امام الحكومة المركزية، لذا كان الخطاب القومي والتهديد بالانفصال، السمة الغالبة في كل احاديث ومفاوضات الاقليم مع الحكومة الاتحادية والشخصيات السياسية، حتى وضعت الحكومة الاتحادية مرجعية للعلاقة الاقتصادية مع الاقليم، هي الاتفاق النفطي عام ٢٠١٥ والذي نص على تسليم اقليم كردستان ٢٥٠ الف برميل من انتاجه النفطي، وتصدير ١٠٠ الف برميل من نفط كركوك بواسطة الانابيب التي انشئها الاقليم، عن طريق ميناء جيهان التركي بعد سيطرة داعش على المناطق التي تمر من خلالها الانابيب التي كانت تستخدم لتصدير نفط كركوك، مقابل قيام الحكومة الاتحادية بمنح الاقليم نسبته في الميزانية البالغة ١٧٪ ، عندما اخل الاقليم بهذا الاتفاق، اوقفت الحكومة منح الاقليم نسبته، حتى عجز الاقليم عن دفع رواتب موظفيه، ليثمر هذا الوضع عن ازمة سياسية بينية داخل الاقليم، لتتسع الخلافات بشكل خطير، هدد بالانزلاق الى المواجهة، اضيف لذلك تخلي الدول التي اعتقد ساسة الاقليم اسنادها لهم، لتتضح الصورة جلية امام ابناء الاقليم وقياداتهم بان العراق هو السند الوحيد لهم، وكل الاخرين يريدوهم ورقة ضغط او تفاوض لا اكثر، عندها زار وفد من الاقليم بغداد، ثم زار السيد عادل عبدالمهدي اربيل، لياتي السيد مسعود الى بغداد في زيارة لم تحصل منذ سنوات، تم خلالها الاتفاق على اسس مهمة وجديدة للعلاقة مع الحكومة الاتحادية.
بد أت معركة الموصل بمشاركة القوات الامنية بمختلف صنوفها بما فيها البيشمركة، تحت قيادة موحدة على رأسها القائد العام للقوات المسلحة، وقسمت القواطع بين هذه القوات بغض النظر عن العرق او الدين او المذهب، مما دفع دول كانت تراهن على فرقة مكونات الطيف العراقي في تحقيق اطماعها الى الاذعان، والتراجع عن تهديداتها، والعمل على التفاوض مع الحكومة العراقية الذي كانت هي الاخرى قوية وصلبة في موقفها ضد تخرصات بعض المسؤولين الاتراك، لسبب يوعز الى توحد الطيف العراقي خلفها. ما يخص الجانب الشيعي الذي يقود العملية السياسية ولاينفرد فيها، كونه يمثل الاغلبية السكانية التي انتجت اغلبية برلمانية، دفع تضحيات جسام من ابنائة سواء في العمليات الارهابية التي كانوا هدف لها او على جبهات المواجهة مع الارهاب، اضافة لحرمان ابناء الاغلبية من الخدمات والاستقرار، بسبب الاوضاع الشاذة في اجزاء الوطن الاخرى.امام هذا الواقع لم يتبقى امام ابناء العراق، بعد الانتهاء من تحرير الموصل، الا الركون الى الحقيقة التي يفرضها التاريخ والجغرافية والواقع الاجتماعي، وهي ان العراق لاتوجد فيه خيارات الا البقاء موحدا، بالحفاظ على مركزية الجغرافية لامركزية الحكم، والا يبقى القتل والقتال والتهديد السمة الغالبة في هذا البلد دون نهاية، مع استمرار الحرمان ونقص الخدمات والعسكرة، هذا يقود المكونات والنخب السياسية الى الذهاب الى تسوية تاريخية، تضع النقاط على الحروف، وتفرز الخنادق، بحيث تتضح الواجبات والحقوق، واهم مافيه؛ أن يكون الدستور هو المرجعية لحل اي اشكال او خلاف، والاتفاق على تشريع القوانين التي تنظم الحدود والعلاقات الاقتصادية، وقانون المحكمة الاتحادية وغيرها من القوانين المختلف عليها.
لتحقيق ذلك ينبغي ان يتفق ابناء السنة على مرجعية سياسية تمثلهم، تكون مخولة في التفاوض بأسمهم والتوقيع بالنيابة عنهم ولايحق لاحد سواها الحديث او ادعاء التمثيل، هذا ينطبق على الاكراد، على ان يتعهد التحالف الوطني بضمان الحقوق الدستورية لكلا المكونين، بعد ذلك على الامم المتحدة كراعي دولي للعملية السياسية في العراق، اصافة للدول الكبرى والدول الاقليمية ذات التأثير في الشأن العراقي، التعهد بعدم السماح لاي مدعي للمعارضة الاقامة على اراضيها او استخدام وسائل اعلامها لمهاجمة العراق والتحريض على نظامه السياسي.
بعدها يمكن ان تشكل كتل عابرة للطائفية والقومية يكونها اسها التحالف الوطني، كممثل للاغلبية السكانية، بعضها يشكل الحكومة واخر يمارس المعارضة الايجابية، ضمن الدستور والقوانين المرعية.
ان هذه التسوية تحتاج الى قادة وليس ساسة، يمتلكون القدرة على اتخاذ قرارات شجاعة، تحقق للبلد ما عجز عنه الساسة منذ التغيير الى الان….