تنشغل الاروقة السياسية ووسائل الاعلام المختلفة هذه الايام بمشروع التحالف الوطني ” التسوية الوطنية”، الذي طرح لغرض معالجة تراكمات مرحلة مابعد داعش وماسبقها، لغرض ايجاد صيغة تفاهم تضمن بقاء العراق بلد واحد موحد، يتعايش فيه ابنائه على اساس العدل والمشاركة في قيادته في المرحلة المقبلة، تحت سقف الدستور ومخرجات العملية السياسية، هذا يحتاج الى مسالمة وازالة كل اسباب الخصام الموضوعية تحت سقف الدستور كما اسلفنا.
ان ورقة التحالف الوطني للتسوية التي نالت رضى وقبول دول الجوار المؤثرة في الساحة العراقية وايضا نالت ترحيب وقبول بعض الشركاء كأتحاد القوى، استفادت من كل تجارب المصالحة السابقة واسباب فشلها، لذا ذهبت لممولي الارهاب وداعميه بعيدا عن الادوات والمنفذين.
صدرت تصريحات من بعض الساسة داخل التحالف وخارجه ومنهم رئيس الوزراء، نادت بالمصالحة المجتمعية بدون توضيح هل ان المصالحة المجتمعية بديل عن التسوية ام موازي لها؟ اذا كان موازي فالواقع لايدعم هكذا طرح بسبب اختلاف المعنى، فالتسوية تعني توضيح ورسم خارطة طريق تتفق عليها الاطراف العراقية للمرحلة القادمة وبالتالي ستؤدي الى رضى الجميع وقبولهم مما يحقق المصالحة، واذا كانت بديل ايضا الواقع لايقول بها والسبب؛ ان المجتمع العراقي كمجتمع متصالح بدليل استمرار التعايش بين كل المكونات العراقية في العمل والسكن، اضافة لاستمرار التصاهر والعمل المشترك، اما الخلافات فهي خلافات سياسية تحتاج الى تسوية واتفاق يجعل الجميع مطمئن لمستقبله ومستقبل بلده.
ان طرح موضوع”المصالحة المجتمعية” بهذه الصورة يوصل رسالة للشارع تسيء لمرسلها وتطعن في امكاناته في التعامل مع الواقع، كون مصالحة المجتمع ليس عمل حكومي او سياسي بل مجموعة ممارسات يجب ان يتبناها المجتمع بنفسه، تتولى الحكومة والفعاليات السياسية تشجيعها ودعمها، اما ان تكون مشروع سياسي فهذا يعبر عن عقم في فهم الواقع واليات التعامل معه.
العراق كما ذكر رغم كل مايقال لم يعاني على مستوى القاعدة الجماهيرية من الاختلاف الطائفي ولم تصبح الطائفيه المظهر الابرز في حياة المجتمع، نعم قد تكون العلاقة اصيبت ببعض التصدعات التي تحتاج الى ترميم من خلال تصحيح الاخطاء، وتسمية الاشياء بمسمياتها من خلال اتفاق الفرقاء على تسمية عدو واحد ومرجعية واحدة، فكان البعث الصدامي هو العدو الممنوع من العودة والمشاركة في العراق الجديد والدستور هو المرجعية، اضافة الى ابعاد كل من اتخذ من الطائفية غطاء لسفك الدم العراقي وتحريض المكونات على بعضها تحت هذا الغطاء المذموم.
الخلاصة ان التسوية تختلف كليا عن المصالحة المجتمعية فالاولى وضع خارطة طريق للتعايش وهي مشروع سياسي حكومي، والاخرى ممارسة اجتماعية لاتتم بدون وجود الاولى وفيها يتم ترميم ما تعرض للصدع بسبب غياب الاولى، لذا طرح المصالحة المجتمعية كبديل عن التسوية جهل بالاثنين، وعودة لمعزوفة المصالحة التي استمرت سنوات دون ان تثمر الامزيد من الدماء وتبذير الاموال والوقت وتوسيع رقعة الارهاب، حيث يسعى ممولي الارهاب الى ايجاد بدلاء لمن قبضوا ثمن ماسميت بالمصالحة مناصب واموال ليجند اخرين، والسبب الرئيس لهذه النتائج غياب التسوية المتفق عليها، اضافة لترك الممولين والذهاب بأتجاه الادوات التي تذهب حيث تحصل على مصالحها لافرق عندها بين الدولة او الارهاب.