واجب القضاء التطبيق السليم للقانون، وهو ما نتوسمه في قضائنا، ولا سيما في القوانين الإجرائية التي تعدّ عماد الدعوى وأساسها الكفيل بحسن توجيهها، ولهذا قيل بحق ” إن من يشرّع قانوناً موضوعياً سليماً دون قانون إجرائي سليم كمن يشيد قصراً في الفضاء “. ومن أهم قوانين الإجراءات في العراق قانون أصول المحاكمات الجزائية ذو الرقم (٢٣) لسنة ١٩٧١ .
رسم هذا القانون على نحو مفصل وناجح إجراءات إحضار المتهم أمام سلطة التحقيق ومنح قاضي التحقيق سلطة واسعة عند تقرير مصير المتهم تبعاً لنوع الجريمة والنص العقابي الذي تخضع له ووضع المتهم وظروف الجريمة. وفيما عدا الجرائم المعاقب عليها بالإعدام والجرائم الأخرى التي يمنع القانون إخلاء سبيل المتهم بها، ترك القانون للقاضي سلطة إبقاء المتهم موقوفاً أو إخلاء سبيله بكفالة ضامنة أوحتى بتعهد شخصي تبعاً لجسامة الجريمة إذا لم تكن هناك خشية من هروبه أو من انتقام خصومه منه أو خشية من تأثيره على الشهود أو أية أسباب يراها القاضي مهمة .
وفي التطبيق العملي درج قضاة التحقيق على أخذ معايير عدة في الإعتبار عند النظر في طلبات إطلاق السراح ، كالوضع الشخصي للمتهم الذي يوحي بعدم احتمال هروبه أو كون المتهم امرأة أو طالب علم، وما إلى ذلك من اعتبارات لا حصر لها .
في ظل هذا الموقف التشريعي والعملي يُطرح سؤال حول السبب وراء إخلاء سبيل متهم بسرقة أكثر من ملياري دولار بكفالة .
لقد ورد على لسان رئيس الوزراء قوله أن إخلاء سبيله بكفالة ( لم نعرف مقدار مبلغ الكفالة في هذه القضية المليارية ! ) قد تم على أساس (تسوية) مع المتهم لإتاحة المجال له لإعادة المبالغ المسروقة !.
إبتداءً يتضح من تصريحه أن ضغطاً وقع من جانب السلطة التنفيذية وتدخّلاً قد مورس في عمل القضاء ، ونتمنى أن يكون التعبير قد خانه في بيان المقصود ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن مبدأ ( التسوية ) والتفاوض من أجلها والإستناد إليها في إبقاء المتهم طليقاً لا وجود له في قانوننا العراقي ، ومن يرى خلاف ذلك عليه أن يتصفح نصوص القانون .
لم يبين رئيس الوزراء ما إذا كان المتهم قد مُنِع من السفر ، ولكن على فرض منعه فإن ظروف الإنفلات التي يعيشها البلد تجعل قرار منع السفر غير مضمون التطبيق، وبالتالي يظل احتمال إفلات المتهم وارداً .
هل تضمن السلطات الأمنية عدم هروب هذا المتهم الخطير وهو يواجه مسؤولية جنائية جسيمة في ظل وجود متهمين شركاء آخرين متنفذين بإمكانهم تيسير هروبه، واحتمالات التواطؤ ، وفي ظل كثرة المنافذ الجوية والبرية إلى خارج القطر أو إلى إقليم كردستان الذي شهد هروب كثيرين ووفّر الملاذ لكثيرين ؟!.