عندما كان يلعب احد الصبيه مع رفيق له، تبادلا رمي الكرة بكل انسجام وهدوء، لكن مالبث الاول حتى وجه الكرة الى صاحبه ولكن بقوة بعض الشئ، لم يقصد ايذائه لكن الثاني قد اوجعته الضربة، فردها الثاني بقوة اكبر، فتحولت اللعبة الى مصارعة، ودب الخلاف وتصاعدت الاصوات ثم الايدي!
فما كان من الجد الحكيم، اﻷ ان يتدخل بحكمته المعهودة، ويصلح بينهم ويذكرهم انهم اخوه، وماحدث لا يمكن ان يستمر، ولا يجب ان نتوغل بايذاء بعضنا البعض هكذا، وأشار اليهم ان جارهم الحقود قد اسعده منظر القتال، وذكرهم بأيام الطفولة الجميلة، وان الشباب يقف بأنتظارهم، فلا يمكن ان يستقبلاه، بالخصام والخلاف، فالصلح هو سيد الموقف، وهكذا عادت المياه الى مجاريها، بفضل حكمة الجد.
السلمية اذن، هي الحالة الطبيعية لتعايش الشعوب، وما الحروب والاقتتال اﻷ حالة طارئة، لا يمكن ان تكون هي واقع حال مسلم به، لانها استنزاف للشعوب وطاقاتها وثرواتها، وتهديد لوجود الدول ومؤسساتها، واستهداف مباشر ﻷرث البلاد الانساني، ومقدساتها، كما ان لها اثار خطيرة، على النسيج المجتمعي على المدى البعيد ، مالم توضع خطط ومشاريع ناهضة لما بعد الحروب واﻷزمات.
جاءت مبادرة التسوية السياسية، كحل للفترة “مابعد داعش” فلا يخفى عن الجميع، ان داعش الارهابي ماهو الا نبت شيطاني، تجذر بجزء مهم من الوطن، وقد ترك أثار قبيحة على الارض، فلم تعد صالحة للزراعة مرة اخرى، مالم نكري تلك المخلفات، ونحرث التربة من جديد، لتكون صالحة للحياة مرة اخرى.
هنا تكون التسوية كبارقة امل يلوح باﻷفق، بعد سنوات الارهاب والتهجير، فهي غيمة محملة بأمطار نيسان المنعشة، بعد ان انهك الجميع، فالتسوية هي مشروع انقاذ للجميع، من نيران الفتنة والفرقة، ولا يمكن ان نقول عنها انها مشروع انتخابي عابر، على العكس لانها مشروع وحدوي، خارج اطار السباق الانتخابي ، مشروع يعبر عن اصالة الروح الوطنية ،تسير جنبا الى جنب للمجهود السياسي للتحالف الوطني، بعد ان تكفلت اﻷمم المتحدة، بتبني المشروع وتقديم اوراقه للاطراف السياسية العراقية الاخرى.
مع التأكيد ان من يرفض مشروع التسوية، فليقدم البديل اذن، فاما التسوية واما فأن التصعيد سيستمر، فاذا لم نلملم شتات البيت العراقي، ونعالج اسقاطات وتبعات داعش على الارض والفرد، اذ ستأتي لنا اسراب طيور ظلام مرة اخرى، مستغلة الفرقة والتجاذب بين مكونات الشعب الواحد، فلا يمكن ان نلدغ من الجحر مرتين!
وقد يسأل سائل لماذا تاخر اﻷعلان عن التسوية، رغم كثرة الكلام والتأويلات عنها بوسائل الاعلام ؟ والجواب هو لعدة اسباب منها اولا : ان مشروع التسوية وضع لمرحلة “مابعد داعش” فلا يمكن الاعلان عنها بشكل رسمي، ما لم تنتهي العمليات العسكرية لتحرير الموصل.
ثانيا : اختلاف وجهات نظر الشركاء السياسين “اصحاب القرار” و رؤوس العملية السياسية، كان ايضا من اسباب تأخير الاعلان عنها.
اذن التسوية تساوي التهدئة والعيش بسلام، في عراق خالي من النزاعات والخلافات، فمن يرفض التسوية، فهو راغب بالتصعيد، واﻷ فليقدم البديل، فلا مكان ﻷهل الاعراف بيننا!