صديقي بالعمل تجاذب معي إطراف الحديث, ووصل المطاف لموضوع التسوية, مشروع التحالف الوطني, فقال كم يسعدني أرى العراق خالٍ من العنف؟؟ وليس فيها إثارة لأزمات تعكر صفوة التعايش السلمي, فقاطعته: ((إن شاء الله التسوية ستحل المشاكل)) فرد قائلاً: أنها مصالحة مع الإرهابيين!! فاجأته من قال ذلك؟ فأجاب قراءته بملتقى البشائر.
قلت له قبل أن أناقشك في مصادرك التي اعتمدتها, هل تتذكر الصراع الإيراني الأمريكي؟ قال نعم؛ خمسة وثلاثون عاماً, الغرب تحاصر إيران الإسلامية, وزعماء الجمهورية يصرحون يومياً؛ (الموت لأمريكا الشيطان الأكبر) ولكن اليوم رضخ الشيطان, وأقر بالاتفاق النووي, فقلت له, ولبنان كم بقيت بدون رئيس؟ قال سنتان ونصف, واليوم وافق الحريري, وخلفه الخليج بمشيل عون رئيساً, بعدما أذعنوا لمطالب الضاحية.
إذن إيران أجبرت الاستكبار العالمي للقبول بشروطها, عندما أصبحت قوة عالمية, وحزب الله تمسك بمطالبه وتحققت, عندها اعترف فيه هو الأقوى على الساحة اللبنانية, فلماذا لا نفكر بعقلية (القوي المنتصر)؟ الذي يجبر الطواغيت لما يريد, ثلاث عشر سنة, والعراق يعيش تحت رحمة الإرهاب والأزمات, التي دمرت مدنه, وضيعت ثرواته, وبددت ميزانياته, وإعادة البعث والفدائيين للسلطة, وتكالب العالم علينا يدعم الإرهاب.
قلت لصاحبي؛ اتركنا من حديث الآخرين لأطلعك, ماذا تعني التسوية؟ هي تسوية سياسية مجتمعية, وتوفير بيئة مناسبة لبناء الدولة, وخيار استراتيجي من يرفضه ليأتي ببديل عنه, فإنها تنطلق من الدستور (كمرجعية سياسية), وليس فيها تنازل أحادي الجانب, تعتمد مبدأ لا غالب ولا مغلوب, وتتبني تصفير الأزمات بين الإطراف العراقية, وترفض استخدام العنف كورقة سياسية, كما ترفض الازدواجية أو النفاق السياسي.
يعني (مو رجل بالحكومة ورجل بالمعارضة), فقال ضاحكناً (يوقع على التسوية بالسر ويرفضها بالعلن), أكملنا الحديث, والوثيقة ترفض وتحارب الإرهاب بكل إشكاله, ولا تتطرق للأسماء والعناوين, استوقفني (وخميس الخنجر والهاشمي والعيساوي) فقلت أنهم إطراف في اتفاقية اربيل وليست التسوية, وتدعو لإدانة صريحة لسياسات النظام السابق, والفصل بين السلطات, وتتبنى اقتصاد حر, وتعليم متطور, واختيار قيادات مدنية وعسكرية؛ مهنية ونزيهة للبلاد.
قال إذن وثيقة متكاملة, فقلت لأكمل؛ فالسيادة فيها للقانون, وحصر السلاح بيد الدولة, لذا تم إقرار قانون الحشد الشعبي, وتحرير الدولة من نظام المحاصصة, وضمان قيام دولة المواطنة, والالتزام بقيم التعايش والتسامح والتآخي, والانتماء الوطني والقبول بالأخر, ورفض نهج التكفير والتخوين, والعنف والفساد, وتسعى لتطبيق اللا مركزية, وتوزيع الصلاحيات, وصيانة الدم العراقي, واحترام المعتقدات, وعدم المساس بالمرجعية الدينية, وحماية المقدسات.
تطرق قائلاً؛ من الضامن لهذه الإطراف, فقلت؛ الأمم المتحدة, فقال؛ وثيقة بهذا الحجم من المسؤولية, وضامنة للجميع, لماذا يتم استهدافها, والترويج ضدها, فقلت؛ من عاش على الأزمات, وتلذذ برؤية الدماء تراق, ولم تتحرك غيرته, لن يقبل أن يرى العراق مستقر ومزدهر, وأبنائه يعيشون بأمن وسلام, هذه كل الحكاية أيها الأصدقاء.