مرت التسوية الوطنية بمرحلة سجال داخل الأوساط السياسية ، وهو بحد ذاته شي مهم ، سواءً على مستوى الدفاع عنها أو الهجوم ، وفِي كل الأحوال يأتي بصالح التسوية ، لانه يدخل في خانة الترويج والاعداد لها ، من إيجاد فضاء سياسي وإعلامي لها ، إذ أصبحت موضوع الأجواء السياسية في البلاد ، لانها ستكون أنقاذ الجميع من حالة التصارع التي كانت سبباً في تشظي المواقف السياسية بين جميع الأطراف ، وانهيار الثقة بين تلك الأطراف ، لهذا فان هذه التسوية ليس فيها اي تنازلات من هذا الجانب أو تلك ، بل تأتي وسط اقتدار وشجاعة عالية تبديها القوات الأمنية وبدعم مباشر من الحشد الشعبي في ضرب عصابات داعش وطردها خارج البلاد .
ما تشهده الساحة السياسية من سجال حاد حول موضوعة التسوية السياسية ، لايعدو المرحلة الاولى في مراحل تطبيق المبادرة ، وان المطروح الان هي مرحلة حسم صيغة الورقة ، من حيث المفردات وصيغة المطالَب لجميع المكونات ، إذ لم لم تدخل الأطراف السياسية في مرحلة التفاوض ، وإيجاد الأسقف الزمنية ، والتشريعات والقوانين اللازمة لتطبيقها ، كما ان الأطراف الشيعية هي الاخرى غير مقتنعة بفحوى ومضمون هذه التسوية ، اذ يقف البعض من أطراف التحالف الوطني موقف المتفرج منها أو يحاول ركوب موج إيجابياتها ، والبراءة منها في حال تضررت مواقفه أو مصالحه ، بل ان البعض من الأطراف تحاول ان تكون كالنعامة ووضع رأسها في التراب ازاء المبادرة ، أو التشويش على مراحل تطبيقها ، الامر الذي يربك المشهد السياسي عموماً ، ويعرقل اي جهود تصب في تطبيقها .
المشهد السني أمسى ضبابياً ومشوشاً ، خصوصاً بعد بروز لاعبين جدد ، وظهور اللاعب “الخنجر ” على مسرح اللعبة ، وهذا ما أعطى زخماً كبيراً في رفضها من قبل السنة ، وإيجاد الذرائع في الوقوف بوجه تطبيقها ، لأنهم عدوه تهميشاً لهم ، خصوصاً وأنهم متهمون من جمهورهم أصلاً بأنهم شيعة المالكي ، وشيعة السلطة ، وهذا بحد ذاته عدوه إنكار لموقفهم السياسي ، وتجاوز على ممثلي السنة في البلاد ، لهذا كان الموقف السني رافضاً للمبادرة ، لهذا فان التسوية السياسية تحتاج الى تسوية في داخل المكونات ، خصوصاً وان بعض الأطراف السنية ما زالت تعاني صراعاً سياسياً داخلياً ، لهذا نرى ان حالة الصراع باتت واضحة بين تلك الأطراف ، بعد الظروف التي سيطر فيها داعش على الحياة العامة في المدن السنية ، كما ان الأطراف السنية الاخرى ينبغي لها حسم مطالبها ، وعبور الخطوة الاولى من خطوات تطبيقها .
نعتقد ان التسوية تحتاج الى ارضية مناسبة لتطبيقها ، من نخبة سياسيين قادرين على تجاوز الخلافات السياسية والمذهبية ، ومد جسور الثقة بين جميع الأطراف والمكونات ، والبدء فعلا بإعداد مؤتمر عام برعاية اممية ، وبمشاركة إقليمية ، لتكون ورقة التسوية هي حجر الزاوية في بناء الدولة ، والانتهاء من الخلافات والصراعات التي أوقعت البلاد في فك التقسيم ، وادخله في آتون حرب لا تنتهي ، وتكون نهاية شعباً باكمله .