يعاني العراق من عدم استقرار، ثمنه دماء واموال ونقص خدمات ومشاكل اقتصادية واجتماعية، ورغم الانتصارات الواضحة على الارهاب في جبهات القتال، تبقى النار تحت الرماد، بدون اجراءت جوهرية تمس صميم المشكلة، لتضع النقاط على الحروف، لتنهي حالة الا نظام والفوضى.
ظاهر الصورة ان العراق مازال واحد موحد جغرافيا، هناك خلافات على سعة او ضيق الصلاحيات بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية وبينها وبين المحافظات، لكن الباطن يقول ان هناك خلط وتعميه كبيرة على مشاكل، تشكل بركان مرشح للانفجار بأي لحظة واي مكان، يحتاج الواقع الى مصارحة ومكاشفة تزيل الغموض وتعدد التفاسير للدستور، الذي مازالت كثير من مواده بدون قوانين تفصلها، كقانون المحكمة الاتحادية وقانون النفط والغاز وسواها.
استعراض اوضاع المكونات الرئيسية، يشي بكثير من التعقيدات سواء على المستوى الداخلي للمكونات او في علاقتها مع الحكومة، الاكراد اليوم غيرهم بالامس، حيث وصل التقاطع بين الطيف السياسي هناك الى كسر العظم، كما هو الحال بين حركة التغيير والحزب الديمقراطي الكردستاني، والاخيرة مع الاتحاد الوطني وان يبدو هناك توافق بينهما ظاهرا، ولعل مطالبة حركة التغيير للحكومة الاتحادية بالتعامل المباشر مع المحافظات، موقف جديد وجريء يتقاطع نهائيا مع حلم الدولة الذي يؤمن به غالبية الاكراد ساسة وجمهور، هذا الموقف ينسف وجود اقليم على ارض الواقع، فمابالك بالدولة! الازمة الاقتصادية التي يعاني منها الاقليم والتي القت بظلالها سريعا على المواطن الكردي، الوضع الدولي والاقليمي المضطرب، ينعكس على الكرد بصورة مباشرة بسبب تعقيدات الوضع الكردي في دول جوار العراق وعلاقة اقليم كردستان مع الحكومة الاتحادية في بغداد، هذه العوامل دفعت الجهة الاكثر تشدد في الصف الكردي الى تقديم تنازلات حسب وجهة نظرها، وزيارة بغداد والاتفاق مع الحكومة الاتحادية على جملة قضايا في حقيقتها تطبيق للدستور، لكن الاقليم المتشدد يعتبرها تنازلات دفع اليها واقع حال الاقليم، هذه الاتفاقات اثمرت عن اخضاع البيشمركة لقيادة القوات المسلحة والمشاركة مع الجيش العراقي الذي دخل الاقليم بعد غياب استمر لاكثر من ٢٠ عام، كذلك توحد موقف الاقليم مع الحكومة على جملة قضايا ابرزها تواجد القوات التركية على ارض العراق، يبقى الاتفاق النهائي حول وضع الموصل بعد التحرير، الذي يعتقد الاكراد بوجود اراضي تابعة للاقليم تم استقطاعها منه ابان فترة حكم البعث، هذا مرتبط بالاتفاق مع المكون السني الذي لم يتمكن من التخلص من مشاكله التي عانى منها منذ ٢٠٠٣ الى اليوم، بل ضاعفها عندما فقد الارض والجمهور.
المكون السني يفتقر للاتفاق الداخلي على مرجعية يخضع لها الشارع ويلتزم بأي اتفاق تقوم به، مما جعل الشارع السني مطية للطموحات الشخصية والحزبية والاقليمية، ووضع اغلب الساسة السنة في خيارين لاثالث لهم، اما الانخراط في جبهة الارهاب كداعم سياسيا او لوجستيا، ليكسب الشارع المؤدلج ضد الدولة او خسارة الشارع مقابل التمسك بدعم الدولة والقانون، هذا الحال ينطبق بشكل كبير على رجال الدين، هذا لايعني عدم وجود ساسة او رجال دين متورطين بالدماء وجلب الارهاب الى البلد والمحافظات السنية خصوصا، تبقى شيوخ العشائر وليس متشيخيها، هؤلاء معظمهم ترك البلد واتخذ بعض دول الجوار للسكن هربا من الارهاب الذي يتبادل الاوامر مع متشيخي القبائل.
الوضع السني وضع معقد، يحتاج الى تدخلات مختلفة من دول استخدمت الوضع السني ورقة سياسية لترتيب اوضاعها وعلاقاتها الاقليمية والدولية كتركيا والسعودية وقطر، هذا يعني ان الاتفاق مع الوضع السني يعني الاتفاق مع تلك الدول التي تختلف فيما بينها في النظرة للورقة السنية وكيفية استخدامها، ولو فرضنا جدلا ان الاتفاق مع هذا الدول قد حصل، سوف تبرز دول اخرى تريد حصتها في الورقة السنية، ابرزها دول الخليج الاخرى ومصر والاردن، اضف اليها امريكا ودول غربية اخرى، هذا الحال لايمكن للحكومة العراقية او التحالف الوطني معالجته، الا بتدخل اممي يضمن الوضع السني ويحدد من يمثله على ارض الواقع، بشرط ان لايكون متهم بالارهاب وليس من اقطاب النظام البعثي المباد، بعدها تكون الامم المتحدة هي المعنية في محاسبة اي دولة تسمح بتواجد من يدعي تمثيل السنة، من اعداء العراق وعمليته السياسية على اراضيها، وتقديم اي شكل من اشكال الدعم لهؤلاء الاعداء، مقابل ان يقوم التحالف الوطني بأنفاذ المواد الدستورية التي تعطي الحقوق التي يدعي السنة ضياعها.
الوضع الشيعي هو الافضل حاليا على كافة المستويات، وجود مرجعية تمتلك قوة على الجميع شارع وساسة، وحدة القرار السياسي التي بدأت تظهر بوضوح من خلال الاجتماعات المتكررة لمكونات التحالف بهيئاته الثلاثة العامة والسياسية والقيادية، الانسحام بين قوات الحشد الشعبي والانتصارات المتتالية على داعش، الوضع الاقليمي فأيران كحليف للتحالف الشيعي الان تعيش اوج قوتها وتأثيرها في الساحة الدولية والاقليمية، هذا العوامل تضع التحالف الوطني في موقع القوة لانفاذ تسوية تستند الى الدستور، وتحافظ على معادلة الحكم والمكتسبات التي تحققت بعد ٢٠٠٣، تمهيدا لبداية تصحيح مسار الدولة واعادة هيكلتها، تلك المهام التي تعطلها حالة الا استقرار، ولايمكن بدونها بناء الدولة وتقديم الخدمة للمواطن، وفرض القانون…