23 ديسمبر، 2024 12:45 ص

التسلط يحجب “الاوكسجين الفكري” للبشر

التسلط يحجب “الاوكسجين الفكري” للبشر

في السياسة او في العلوم اوفي الفنون تشل الهيمنة والتسلط حركة وفكر البشر رجالا ونساء وتحدد من مدى ونوعية الابداع في ذلك الميدان او المجال . وذلك لطغيان الرعب او التقديس اوكليهما على فكر البشر. هذه الظاهرة تبدو اكثرا وضوحا في ميدان السياسة . وفي تاريخ البشرية امثلة كثيرة على ذللك في مجملها توضح انطلاق “الاوكسجين الفكري” بعد رحيل الدكتاتوريات الفردية او الحزبية. وقد ظهرا مؤخرا من خلال دراسات اجريت في الغرب ان كثير من العلوم شهدت انطلاق “الاوكسجين الفكري” بعد رحيل النجوم من علماءها كما ورد في التقرير العلمي الاتي:
قال ماكس بلانكس واضع نظرية الطاقة الكمية ان العلوم تتقدم برحيل كبار علمائها وكان يعني بذلك او على الاقل يفترض انه كان يعني بذلك ان رحيل عالم ذي هيمنة في ميدان ما يجعل الاخرين من ذوي الآراء المختلفة في ذلك الميدان اكثر حرية بشرح اراءهم واعتراضاتهم دون الاضرار او المساس بآراء العلماء المراجع. وربما يساعد ذلك ايضا على اعادة ترتيب انماط التمويل لأنها غالبا ما تعكس الهرمية السائدة.
ولكن هل كان بلانك محقا ؟ كان بيير اوزولاي من معهد ماتستشيوت للتكنولوجيا لعقد من الزمن تقريبا يحاول الوصول الى هذه الحقيقة .وكانت الاجابة نعم مئة بالمئة حسب ما توصل اليه اوزولاي في ورقة عمل قدمها الى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.
وكان اوزولاي قد توصل الى عكس ذلك في 2010 في ابحاثه المنشورة في مجلة علم الاقتصاد الفصلية. في ذلك الوقت توصل الى نتيجة مختلفة ظاهريا وهي ان رحيل عالم كبير يؤدي الى بطء واضح في انتاج
ونشر الاوراق البحثية لاتباعه والمتعاونين معه . وهي ظاهرة تستغرق عقودا من الزمن ولكن مناقشات اوزولاي واحاديثه مع المهتمين التي اعقبت هذا الراي جعلته يشك فيما قال وهذه هي ليست الصورة كاملة. حيث ان بعض العلماء الذين تحدث معهم اصروا ان على ان العمل البحثي الذي نشره في مجلة علم الاقتصاد الفصلية قد لا يتفق مع خبرتهم فيما وافقه الاخرون. حيث ادعى الموافقون بان هيمنة العالم النجم على الميدان غالبا ما تمتص الاوكسجين الفكري منه ورحليه او رحيلها يسمح بعودة هذا الاوكسجين.
وبعدها قرر اوزولاي البحث بشكل اعمق وادق في الموضوع وذلك بمساعدة شخصين اخرين وهما غرستيان فونز روسن من جامعة بومبيو من برشلونة وجوشوا جراف زيفين من جامعة كاليفورنيا. وقد ركز الثلاثة عل علم الاحياء وامريكا والفترة ما بين 1975-2003 . وقاموا بالبحث الدقيق والمتواصل في قواعد بيانات اولاين لاستخراج سجلات النشر لعلماء علم الاحياء العاملين في مختلف الحقول قبل وبعد رحيل العلماء النجوم في هذه الميادين والشيء الاخر المهم ايضا ان ال بيانات التي درسوها تضمنت اشخاص متعاونين مع العالم النجم وغير المتعاونين.
و كانت مرجعية اووزولاي وجماعته في معرفة النجومية العلمية تستند على اساس عدد براءات الاختراع التي حصل عليها هؤلاء العلماء والتمويل ونسبة الاقتباس من اوراقهم البحثية .
وحددوا من بين هؤلاء النجوم 452 وجميعهم كانوا قد رحلوا ايضا في وقت مبكر- أي في هذا السياق رحلوا قبل التقاعد او قبل مغادرة المناصب البحثية الى ممارسة الادوار الادارية. أي بمعنى اخر كانوا في قمة انتاجهم البحثي. وقد تنفس اوزولاي الصعداء عندما اثبت نتيجة ما توصل اليه هو وزملائه مسبقا, وهو ان المتعاونين مع العالم النجم يقل حقيقة انتاجهم بعد رحليه بمقدار 40% سنويا بشكل عام . كما توصلوا الى نتيجة معاكسة ايضا وكانت ان ما نشره الباحثون غير المتعاونين مع العالم النجم والذين كانوا في الحقيقة يعملون احيانا في ميادين اخرى ازدادت اوراقهم البحثية المنشورة بمقدار 8% سنويا.
وفي غضون خمس سنوات عوضت زيادة الاوراق البحثية المنشورة لغير المتعاونين النقص الذي احدثه انخفاض الاوراق البحثية للمتعاونين .
فرحيل العالم النجم وتأثيره على مشوار المتعاون معه امر حقيقي و صحيح . اما سبب استفادة الاخرين فامر اقل وضوح . فقد وجد اوزولاي قليل من نجوم العلماء في عينته هذه الذين هم اعضاء في اللجان التي توزع التمويلات او تحرر المجلات العلمية عندهم تحيزات واضحة ولا تمثل حلا للنجاح العلمي وربما يكمن التوضيح في الحقيقة في عبارة “الاوكسجين الفكري. حيث رحيل العالم النجم يفسح المجال امام الباحثين لتنفس الصعداء.
بالرغم من كون فكرة اوزولاي لا تبشر خيرا الا ان افتراضاته تعتبر ذات فضيلة علمية في توليد تنبؤات قابلة للاختبار .ومن بين العلماء النجوم الذين رحلوا مبكرا هم ديفيد فلوكهارت المشهور في عالم الطب ويوشكي ساسي الاحيائي المتخصص في الخلايا الجذعية واليس ندوب المتخصص في علم الاعصاب التي درست اغاني الطيور كنموذج للغة البشرية . ومن المهم ان يرى المرء كيف ستغير مشوار العلماء الأخرين في هذه الميادين