الورقة التي طرحها التحالف الوطني والتي سميت بورقة ” التسوية الوطنية ” والتي أشارت جميع الأخبار والتقارير أن المجلس الأعلى هو من كتب هذه الورقة ، مثلت بداية خلاف مكونات التحالف ، فالجميع اعتبرها ورقة ميتة ، إذ لا وجود لأي أرضية لتطبيقها ، كما كان السؤال الكبير أن التسوية مع من ؟ أو يفترض أن تكون مع من ، لان جميع المختلفين والمتصارعين ودعاة الحرب والإرهاب هم في الدولة ، فمنهم من هو في البرلمان ، ومنهم في الحكومة ، ومنهم من يحكم جمهوره بكلمته ، ومنهم من يعتقد أن التسوية يجب أن تشمل الإرهابيين أنفسهم ، لان الصراع الدائر الآن هو مع داعش ، وان من يقف خلفه ويدعمه بكلمة أو مال هو يقف في خندق الحكومة والبرلمان ويعيش حالة الترف بالمال العام ، لهذا فان التسوية السياسية أو الوطنية أو أي تسمية كانت ، ينبغي أن تحدد مع من تكون وما هي محددات وضوابطها ، لان كلمة التسوية كلمة مطاطية ، وان أي بنود تحملها مهما كانت تحكم العلاقة بين المكونات السياسية في البلاد ، إلا أنها سوف لن تقف على طبيعة العلاقة بين المجتمع ، كما أنها لن تكون حلاً لمشاكل عجزت عنها كل الدراسات والجلسات والحوارات ، لان ماسكي خيوط اللعبة لم يعلنوا نهايتها بعد ، وأن أي كلام أو موقف لا أو ورقة لا يمكن لها أن تتحرك خطوة واحدة ما لم يجلس رعاة الإرهاب ويعلنون أن الوقت قد حان لنهاية الصراع في البلاد ،وهو مثال موجود في الجزائر ، فالصراع بين الجزائريين امتد طويلاً ، وعندما عرضت أمريكا على بوتفليقة إنهاء هذا الصراع ، والذي كان برعاية أميركية وتنفيذ سعودي ودعم إسرائيلي ، وعندما أًريد للحرب في الجزائر أن تنتهي ، أمرت الولايات المتحدة بنهايتها ، وأعطت الأمر للسعوديين بإيقاف أمداد الجماعات المسلحة في الجزائر بالسلاح ، لقاء وقف دعم القضية الفلسطينية ، وقطع أي علاقة مع إيران أو حزب الله ، وتسخير خيرات البلاد وثرواته ، لتكون بيد الدول الغربية والتي ستكون راعية للجزائر حاله كحال أي بلد وقع تحت الوصاية الأمريكية .
الوضع العراقي معقد جداً في تركيبته الاجتماعية والديمغرافية ، فهناك مناطق نفوذ سني ذات عمق رافض للوقع القائم ، وخصوصاً بعد سقوط النظام الطائفي ، والذي أستطاع من زرع بذور التفرقة بين أبناء الوطن الواحد ، وهدم عرى الروابط الأسرية والعشائرية والديمغرافية فيما بينهم ، كما أن الأغلبية الشيعية شعرت بظلمها وقسوة حاكمها منذ أربع عقود ، لهذا كان مفهوم عدم الثقة حاضراً في كافة رؤاها ومتبنياتها ، وأضحى قادة التشيع يسعون الى تثبيت العملية السياسية ، وترسيخ الديمقراطية دون المساس بمصالح الأغلبية المضطهدة ، وعلى الرغم من السلبيات والتعثرات التي شابت خطوات بناء العملية السياسية الجديدة ، إلا أن هذا النموذج لا يمكن له أن ينجح مع كل هذا التعقيد في المشهد السياسي ، وبدأت مرحلة بناء التخندقات على أسس مذهبية وقومية ، فتشكل لدينا ثلاث كانتونات ( شيعية – سنية – كردية ) سعت الى استقطاب ممثليها وكلاً وفق ميوله المذهبية والقومية ، وترسخت بذلك الفوارق أكثر فأكثر ، وتوسعت رقعة الخلاف المذهبي ، وارتفع الصوت الطائفي أكثر فأكثر ، حتى دخلت القاعدة وما تلاها من جماعات إرهابية مسلحة ، كانت هي الأداة في حرباً لا نهاية لها ، وتوج السياسيون أجنداتهم بالاقتتال الطائفي ، والذي راح ضحيته الآلاف من الأبرياء ، والهدف هو تمزيق البلاد ، والتمهيد لتقسيمه ويكون صيداً سهلاً بيد هذه الأجندات ، تقوده الدوائر الإقليمية والدولية ، وكلاً حسب مهامه المرسومة له ، فيما كفأ الأكراد على أنفسهم ، وابعدوا أنفسهم عن كل صراع مذهبي ، وانتموا الى القومية وتبرأو من المذهب ، بل سعوا الى إدامة هذا الصراع ، ليكونوا بمأمن منه ، ويسعون الى العمل بصمت لتنفيذ مشروعهم الكبير ” الانفصال ” .
التسوية مفهوم يحمل الكثير من العناوين ، كما أن كلماته يمكن تأويلها الى ما لا نهاية ، ومهما تعددت الدوائر التي ناقشت وتناقش فأنها لا تقف عند فكرة التسوية وجوهرها ، والأسس التي تستند عليها ، لان أي بناء لا يقف ما لم يكن هناك أسس قوية ومتينة ليقف عليها بنود التسوية وتكون واقع حال ، وخارطة طريق للقادم ، كما لا ينبغي تهميش أدوات الصراع في البلاد من دول إقليمية راعية لهذا الصراع ، خصوصاً تلك التي تعلن جهاراً نهاراً عدائها للعملية السياسية ، والجلوس مع جميع الإطراف الإقليمية والدولية ، وقطع أمداد الدعم المالي والمعنوي للجماعات المسلحة التي استطاعت من بناء شبكة إرهاب خطيرة في العراق ، خصوصاً بعد سقوط مدينة الموصل ، والتي تتميز باعتبارها حاضنة مهمة من حواضن الإرهاب ، لما تحمله من ولاء مطلق للبعث والإرهاب التكفيري ، الأمر الذي يجعل مهمة التسوية السياسية صعبة ، أو مستصعبة أمام كل هذا التعقيد ، كما أن تغليب مفهوم ” لاغالب ولا مغلوب ” ليس دقيقاً لان هناك جهات راعية وداعمة لداعش ،شعرت أنها على الأقل ليست منهزمة مع وجود هذا المفهوم القابل للتأويل كما أسلفنا ، وبدأت تبدوا كأنها هي من تتحكم بالقرار السياسي سواءً للمكون السني ، أو يظهر صوت آخر ينادي بمظلومية داعش وأحقية مطالبها في تأسيس دولتها في العراق .