إن للتسقيط السياسي أدوات وهي غالباً ما تستهدف دغدغة مشاعر الجمهور المستهدف وبالتالي هي تحاول التناغم مع عواطفه واهتماماته واستمالتها إلى اتجاه معين، وهذا ما ذكره الفيلسوف الفرنسي “جوستاف لوبون” ( 1841- 1931) صاحب كتاب (سيكولوجية الجماهير) الذي يذكر فيه الخصائص الأساسية للفرد المنخرط في الجمهور وهي ” تلاشي الشخصية الواعية، هيمنة الشخصية اللاواعية، توجه الجميع ضمن نفس الخط بواسطة التحريض والعدوى للعواطف والأفكار و الميل لتحويل الأفكار المحرض عليها الى فعل وممارسة مباشرة، وهكذا لا يعود الفرد هو نفسه وإنما يصبح إنسان آلي ما عادت إرادته بقادرة على ان تقوده .ويعرف ايضاً بـذلك السلوك السياسي المريض الذي تتبعه جماعات السلطة لتصفية الحسابات فيما بينها لتعود مرة أخرى للواجهة من اجل نيل ثقة المواطن وبالتحديد قبيل موسم الانتخابات لتجني ثماره عند صناديق الاقتراع ، ويؤدي التقسيط السياسي ايضاً إلى دخول المجتمع بمكوناته وطوائفه وانتماءاته في دوامة خلافات وتناقضات وأفعال وردود أفعال
وهذا ما حدث في مجتمعنا العراق وخاصة في فترات ذروة الاستحقاقات الانتخابية، وهذا ما يتخوف المراقبون اليوم والمتابعون منه، الشارع العراقي في هذه الأيام يعيش بداية رواج وصيرورة ظاهرة التسقيط السياسي ذات النوايا والأبعاد الانتخابية السيئة ، وهذا مالاحظناه مؤخراً في عملية إستجواب الوزراء وإقالتهم .لاشك بان هذه الكتل والاحزاب التي ستتنافس على في الانتخابات ستعتمد على نفس وجوه الصفوف الاولى في قوائمها الانتخابية، بعد تمرس هؤلاء باساليب العمل البرلماني الضامن للتوافق مع الكتل الاخرى، لتعطيل القوانين المهمة واضعاف الدور الرقابي للبرلمان، كما جرى خلال الدورات السابقة .لقد نجحت سياسة استغفال الناخبين في دورات الانتخاب السابقة باعتماد شعارات طائفية وبرامج غير واقعية لم يجري تنفيذها لاحقاً، وقد دفع العراقيون اثماناً باهضة نتيجة ذلك ومازالوا، كما نجحت خطط واساليب الفاسدين في استبعاد ملايين الناخبين، خاصة اولئك الذين قاطعوا الانتخابات لاسباب مختلفة، وهم يمثلون اكثر من نصف اعداد الناخبين، لان نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة كانت اقل من (%50) .
لقد تحولت الانتخابات في العراق الى ممارسة واجرائية يفرضها الدستوركل أربعة اعوام، بعد اتفاق قادة الكتل على قانون انتخابي يوفر لهم الحفاظ على نسب تمثيلهم في البرلمان دون تغيير مؤثر، على الرغم من الانقسامات والانشقاقات التي ثبت انها شكلية بدليل عدم احداثها اي حراك سياسي لصالح الشعب طوال السنوات الماضية ، ناهيك عن اساليب التزوير وشراء الذمم والاصوات من قبل جميع الكتل الفائزة دون استثناء.أن عدم تبديل هذه الكتل لقناعتها الفارغة التي دفعت العراق إلى طريق الخراب والدمار طيلة ست سنوات يعني استمرار حالة الفوضى المدمرة التي نعيشها ويعني أنه سيعيد تلك المشاهد المرعبة والنزعات الحيوانية السادية التي قاسى منها العراق.إن المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق وشعبه اليوم توجب على كل وطني غيور شريف مؤمن بالعراق الواحد الموحد أن يقف إلى جانب الحق ويعمل على وحدة كلمة العراقيين لكي ينجحوا في تجاوز مرحلة الانحطاط ويبدأوا مراحل العمران والبناء .ولأننا مقبلون على تجربة انتخابات جديدة نضجت خلال السنوات الأربع المنصرمة عقول الناخبين والمرشحين خلالها بعد معاناة مريرة فمن المفروض أن نوظف النضج والمعاناة معا لتأسيس نظام قادر على تلبية احتياجات العراقي، ولكي لا تتكرر السلبيات وتحدث المعاناة سواء بعرقلة المسيرة الديمقراطية، أو الحجر على تطلعات الجماهير، أو العودة لترسيخ الفئوية والطائفية والمذهبية، وتستمر معها مسيرة الفساد المالي والإداري ووصول المفسدين إلى مراكز القرار. من المفروض بنا جميعا أن نتوخى الدقة والحذر في اختيارنا، وأن ندقق بكل مفردة ترد في مشاريع المرشحين تدقيقا علميا متجردا متحررا من إكراهات الصراع والنزاع، ويجب أن نقف طويلا أمام أسماء المرشحين وننظر لخلفياتهم ومسيرة نضالهم وما قدموه من قبل للعراق، ونزن كل ذلك بميزان الوطنية والحكمة دون أن ننخدع ببريق هذه الأسماء أو بريق مشاريعها التي هي في الغالب حبر على ورق الوعود الزائفة. بمعنى أننا معنيون بالبحث عن صدق المرشح وكفاءته الإدارية والعلمية وعقيدته وإيمانه نزاهته، والأهم حجم ومقدار وطنيته. فإذا نجحت هذه المفردات في الامتحان يكون المرشح أهلا للقبول، أما إذا لم تنجح فمن العار أن نسمح للفاشلين بالتسلط على رقابنا وقيادة حياتنا إلى المجهول أو المغامرة بها لتحقيق المكاسب الشخصية.